محمود أبو حوش*

كان من الغريب أن يدور زخم حديث وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية عن عملية انتخابية لدولة من الدول الإسكندنافية لأن المعهود عن تلك العملية في هذه الدول أن تتم في حالة من عدم الزخم التي شاهدته في الأيام القليلة الماضية، لربما كان هذا وارداً قبل انتشار الصراعات في جنوب القارة الأوروبية حيث كانت كفيله بانفجار أزمة للاجئين والمهاجرين والتي انعكست بدروها على القارة ككل بحكم القرب الجغرافي. هذه التطورات، دفعت اليمين المتطرف إلى تركيز اهتمامه على إثارة شعور معادي تجاه اللاجئين والمهاجرين، وبالتالي كان يركز على تلك “الآفة” التي أصابت أوروبا والتي أصبحت بمثابة الغذاء الرئيسي لنمو هذا التيار اليميني المتطرف ومن ثم بدأ يجتذب شعبية بناءً على هذه المشكلة.

يبدو أن خطوات اليمين في التغذِّي على هذه الآفة لم تخفق في كثير من الدول الأوروبية. فمن انتخاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، و”البريكست”، مروراً بالإنتخابات النمساوية والإيطالية والمجرية والدانماركية، وصولاً إلى الإنتخابات السويدية، التي جرت في 9 سبتمبر/أيلول 2018، حيث ذهبت استطلاعات الرأي حول إمكانية حصول اليمين المتطرف على 25% من المقاعد في الإنتخابات، إلا أن النتيجة قد حُسمت بنسبة 17.6%. لكن الجدير بالذكر هنا أن اليمين المتطرف، في السويد والذي يمثله حزب “ديمقراطيو السويد”، قد بدأ في تحقيق نسبة مرتفعة مع كل عملية انتخابية حيث نلاحظ أنه في العام 2002 كانت نسبة تمثيله 2%، لكنه عاد في العام 2010 وحقق زيادة 4% ليصل إلى 6%، ثم وصل في انتخابات العام 2014 إلى 12%، ليصل إلى أعلى نسبة له في العام 2018 بواقع 17.6%.

من هنا، دار الجدل حول الوضع الجديد لليمين المتطرف في السويد وهل الممكن تشكيل حكومة مع تحالف يمين الوسط؟ وما هي خريطة التحالفات لدى الأحزاب إذاً؟ وهل ستطغى كتلة الأحزاب الجماهيرية التقليدية اليسارية أم نحن أمام واقع جديد ستفرضه الأحزاب اليمينية على الساحة السياسية؟

نتائج الانتخابات وخريطة التحالفات بالخلفيات الإيدولوجية للأحزاب

احتدت المنافسة في الانتخابات السويدية الأخيرة بين 8 أحزاب مختلفة التوجهات بين اليسار والوسط واليمين واليمين المتطرف ضمن 29 دائرة انتخابية مع نظام انتخابي يتبع التمثيل النسبي، على عدد مقاعد يساوي 349 داخل البرلمان، شريطة أن يحصل الحزب على نسبة 4% من إجمالي أصوات الناخبين في عموم البلاد و12% على الأقل من أصوات الناخبين في الدوائر الإنتخابية المرشح فيها الحزب ولم تتمكن منافسة أي حزب من الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد لتشكل حكومة أغلبية، ومن هنا وقبل ذكر التحالفات ينبغي توضيح خلفية كل حزب من الأحزاب التي حصلت على نسبة من المقاعد في الانتخابات:

أولا: الحزب الإشتراكي الديمقراطي

يعد الحزب الإشتراكي الديمقراطي، أو حزب العمل، من أقدم الأحزاب التي نشأت في السويد ذات التوجه اليساري حيث تم تأسيسه في العام 1889 وتتمحور أفكاره حول الديمقراطية والتضامن والمساواة بين جميع الأفراد مع قبول للهجرة واللاجئين. وقد بدأ يحكم هذا الحزب البلاد بشكل متواصل منذ العام 1917 خلال فترات متقطعة طول القرن الماضي إلا أنه فقد الحكم لصالح اليمين في العامين 2006 و2010 لكن واصل تقدمه في العام 2014 بتحالف مع حزب الخضر بعد حصوله على 113 مقعداً، إلا أنه وصل في انتخابات 2018 إلى أدنى تقدم له منذ نشأته، فقد حصل الحزب على 28.4% من المقاعد متقدماً بذلك على كافة الأحزاب ولكن ليس بفارق كبير، وهذا يعد تراجعاً كبيراً له، كما وصفه العديد من المحللين.

ثانياً: حزب “المعتدلون الجدد”

وهو حزب يميني رئيسي في البلاد تأسس عام 1904 وتعود تسميته “المعتدلون الجدد” لعام 2003 بعد أن استلم فريديرك راينفلت رئاسته والذي غير اسمه إلى “التجمع المعتدل” كما أنه تحول من حزب قومي محافظ إلى ليبرالي معتدل، وله دور في سن بعض القوانين المنفتحة والمتسامحة مع اللاجئين والمهاجرين. وقد تغلَّب هذا الحزب على الحزب اليساري “الاشتراكيون الديمقراطيون” في انتخابات العامين 2006 و2010 لكن في انتخابات 2018 لم يستطع التغلب عليه وحصل على نسبة 19.8%، إلا أنه لا زال يتمسك بفرصة تشكيل الحكومة مع تحالفه.

 

ثالثاً: حزب “ديمقراطيو السويد”

هو حزب ذات توجه يميني متطرف أسس في العام 1988، ويعرف هذا الحزب بتوجهه المعادي للهجرة واللاجئين فلقد استطاع عن طريق ذلك النهج ان يبني شعبية له داخل السويد. وقد بدأ الحزب في تطوير خطابه لجعله أكثر ميولاً للشارع خصوصاً بعد تولي جيمي آكسون للرئاسة في العام 2005، وقد بدأ الحزب بالحصول على نسب متدرجة في كل انتخابات حيث وصلت في العام 2006 إلى 6%، وفي العام 2010 الى 12%، وحصل على نسبة 17.6% في انتخابات الأخيرة (2018). وقد زادت شعبية هذا الحزب مؤخراً نتيجة تغذيته على الآفات التي أصابت أوروبا من اللاجئين والمهاجرين.

رابعاً: حزب الخضر

هو حزب أُسس حديثاً في العام 1981، حيث يركز على قضايا البيئة، والمساواة بين الجنسين، ويعتبر من أكبر أربع أحزاب، كما أنه دخل في ائتلاف مع الحزب الإشتراكي الديمقراطي، في العام 2014، بعد حصوله على 25%، لكن نسبته في هذه الانتخابات جاءت الأدنى بين كل الأحزاب حيث حصل على نسبة 4.3% من المقاعد، ودائماً ما يلجئ هذا الحزب إلى تحالف مع اليسار كما فعل في انتخابات العام 2014.

خامساً: حزب الوسط

هو حزب ليبرالي ذو اهتمام زراعي في الأساس، تم تأسيسه في العام 1913 وكان يطلق عليه مسبقاً “إتحاد الزراعيين” وهو يبني رؤيته على ان المجتمع يجب ان يقوم على مسؤولية الناس تجاه بعضهم البعض. كما يركز الحزب اهتمامه على الإقتصاد الوطني، والطبيعة، وقضايا الإندماج وقد حصل هذا الحزب على نسبة 8.6% في الإنتخابات الأخيرة، لكنه رفض الدخول في تحالف مع الإشتراكيين الديمقراطيين عازماً لتشكيل الحكومة مع كتلته اليمينية.

 سادساً: حزب اليسار

يعود تاريخ تأسيس هذا الحزب إلى العام 1917 إذ كان نتيجة انشقاقه عن حزب الإشتراكي الديمقراطي. فقد اهتم هذا الحزب بالفكر الإشتراكي والنسوي وحماية البيئة، ومن أهم القضايا التي يركز عليها المساواة بين الجنسين، والخدمات الاجتماعية، وقد كان من بين الأحزاب التي وقفت امام انضمام السويد للإتحاد الأوروبي، في العام 1995، وأيضا لا زال يدعو إلى الانفصال، وقد حصل الحزب على تمثيل متواضع في انتخابات عام 2014 بواقع 21 مقعداً، لكنه أيضاً لم يحرز تقدما كبير في انتخابات 2018 إذ حصل على نسبة 7.9% من المقاعد. ويتبع هذا الحزب أيضاً لقاعدة التحالف اليساري.

سابعاً: الحزب الليبرالي

هو حزب سياسي ليبرالي اجتماعي تم تأسيسه في العام 1934، وقد صنف نفسه على أنه وسطي ويركز اهتمامه على تطوير نظام التعليم، والإستثمار في الطاقة النووية، والإنضمام لحلف “الناتو”، وقد حصل هذا الحزب على 19 مقعداً في الانتخابات الماضية، إلا انه حصل على نسبة تفوق حزب الخضر بفارق بسيط وكانت النسبة في هذه الانتخابات 5.5%.

ثامناً: حزب “الديمقراطيون المسيحيون”

يؤمن هذا الحزب، الذي تأسس في العام 1964، بأهمية دور الأسرة في المجتمع كونها تعتبر الأساس فيه، بالإضافة إلى أنه يولي اهتماماً بالأطفال، ويسعى لوضع بعض الأنظمة والقوانين التي من شأنها تخفيف العبء على الشركات الإستثمارية عن طريق خفض الضرائب كوسيلة لزيادة الإستثمار ومكافحة البطالة. وقد حصل هذا الحزب على أول تمثيل له داخل البرلمان العام 1991، بالإضافة إلى أن تمثيله في انتخابات 2014 كان بواقع 16 مقعداً، إلا أنه في هذه الانتخابات استمر بثميل ضعيف أيضاً حيث حصل على نسبة 6.4%.

وبعد السرد لخلفيات الأحزاب السويدية، نرى انقساماً في المشهد، بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات، بين تحالفين حاز كلاً منهما على عدد متقارب من المقاعد مما زاد من احتمالية اجتياز واحد على الآخر في تشكيلة للحكومة القادمة حيث أصبح المشهد أمام تحالف يساري يقوده الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مع حزب الخضر وحزب اليسار ويشكل هذا التحالف نحو 40.6% بعدد مقاعد يصل إلى 144 داخل البرلمان، يقف أمام تحالف آخر وهو تحالف يمين الوسط، والذي يضم حزب المعتدلين الجدد والليبراليين والوسط، وبالتالي نكون أمام تحالف يشكل نسبة 40.3% بعدد مقاعد يصل الى 143، ودون أن ننسى أيضاً نسبة التمثيل التي وصل إليها اليمين المتطرف والتي بلغت 63 مقعداً.

ومن هنا، نستطيع القول إنه لم تصل أي كتلة الى حاصل 175 مقعد المطلوبة لتشكيل حكومة اغلبية، لكن الأيام الباقية على التشكيل قد تغير من طبيعة هذه التحالفات لصالح أي من كبرى الكتلتين. فهل سيشكل اليسار وكتلته، كالعادة الحكومة؟ أو أن اليمين سيطغى على الموقف بضمه لليمين المتطرف؟ أو ستكون حكومة ائتلافية كما يشير الواقع؟

مسارات تشكيل الحكومة

يبدو أن حالة الضبابية التي تسود المشهد السويدي قبل تشكيل الحكومة سوف تتضح معالمها في الأيام القليلة القادمة. في هل بإمكان اليسار التقدم لتشكيل الحكومة أم أن اليمين قد أخذ الشجاعة الكافية للإطاحة باليسار التقليدي؟ كل هذا قد نستنتجه من تلك السيناريوهات القادمة:

– السيناريو الأول هو التفاوض الذي قد يتم بين التحالفين “اليساري – اليميني” من أجل تشكيل الحكومة والذي قد يكون أكثر السيناريوهات المقترحة من قبل العديد من المحللين الذين يرون أن تشكيل حكومة ائتلافية من قبل التحالفين هو الحل الأنسب والواقعي. لكن نتيجة هذا السيناريو لن تكون في صالح أي من التحالفين حيث سيرتب عواقب ليست مفيدة للكتلة اليمينة الوسطية قبل اليسارية على المدى الطويل والتي قد تكون في اتجاه من أعطوا اصواتهم إلى اليمين الوسطي واليمين المتطرف الذي قد يبدو في حالة من زيادة في الشعبية ليس فقط في السويد بل في كافة أوروبا، كحالة إيطاليا والمجر والدانمارك وفرنسا. بالتالي، قد تتزايد شعبية اليمين المتطرف بخلاف المعتاد، وهذا هو هاجس الأحزاب اليمنية الوسطية قبل اليسارية مما قد يشكله مصدر قلق كبير في أي انتخابات قادمة.

– السيناريو الثاني وهو إمكانية تفاهم الكتلة اليمينة مع اليمين المتطرف والذي يمثله حزب “ديموقراطيو السويد” لتشكيل الحكومة حتى وإن لم يدخل معه في تشكيل الحكومة إلا أنه قد يكون هناك اتفاق على تمرير بعض السياسات الخاصة باليمين المتطرف داخل البرلمان وهذا من شأنه أن يعطي لليمين المتطرف دوراً كبيراً في تطبيق بعض أفكاره التي لم يكن لها محل داخل المجتمع السويدي. وما يرجح هذا السيناريو أن ثمة رغبة واضحة من قبل الأحزاب اليمينية في تشكيل حكومة من اليمين للإطاحة باليسار عند تشكيل الحكومة خصوصاً بعد أن عرض اليسار على بعض الأحزاب اليمينية، مثل حزب الوسط، التفاوض ولكن الأخير رفض بحجة أن الوقت قد حان لتشكيل حكومة يمينية.

*كاتب سياسي

 

مصدر الصور: شبكة الكومبس الإعلامية – صحيفة يورو تايمز.