إعداد: يارا انبيعة

يواجه الإقتصاد الياباني، وهو الثالث على العالم بعد الولايات المتحدة والصين بإجمالي يقارب 5 تريليونات دولار، تحديات ذات أهمية ممثلة في حالة تباطؤ النمو الكبيرة الراهنة، فلقد بلغت توقعات صندوق النقد الدولي بشأن نمو الإقتصاد الياباني 1.1 نقطة مئوية، للعام 2019، وخفض المصرف المركزي الياباني من توقعاته بشأن التضخم المحلي، حيث حذر محافظ المصرف، كورودا هاروهيكو، من تصاعد مخاطر الحمائية التجارية وتراجع الطلب العالمي على اقتصاد البلاد.

وأفاد بعض خبراء الإقتصاد المعنيين بالشأن الياباني بأنه يمكن لطوكيو تفادي السقوط في هوة الركود، خلال العام 2019، بيد أن التوقعات غير مطمئنة بصفة عامة، ويمكن عزو الركود الاقتصادي المتوقع إلى التوترات والضغوط العالمية والمحلية على حد سواء.

إنخفاض نسبة المواليد

لطالما شكلت العلاقة ما بين التنمية الإقتصادية والنمو السكاني موضوعاً دسماً للتحليل الإقتصادي، إذ قال الإقتصادي توماس مالثوس بأن “النمو السكاني من شأنه أن يخفض من مستوى المعيشة على المدى الطويل”، حيث قام بوضع نظرية بسيطة تنص على أنه “بما أن كمية الموارد الموجودة على الأرض ثابتة، فإن النمو السكاني سيقلل في نهاية المطاف كمية الموارد التي يمكن لكل فرد أن يستهلكها، مما يؤدي إلى خلق مشاكل في المجتمع، مثل: المرض، والمجاعة، والحرب.”

وفيما يزداد متوسط عمر السكان في العالم المتقدم خاصة، نتيجة لتناقص معدلات المواليد، ويتزايد متوسط الأعمار حيث تحظى أوروبا واليابان حالياً بأعلى نسبة من الناس الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، يزداد معها أيضاً انخفاض معدل المواليد لا سيما في معظم البلدان المتقدمة، وفي عدد متزايد من الدول الآسيوية، ودول أمريكا اللاتينية، وهو ما يعد دون المستوى اللازم لاستقرار السكان على المدى الطويل ويتسبب في ارتفاع نسبة شيخوخة السكان، وتناقصه ويؤدي إلى تباطؤ النمو الإقتصادي، وتعتبر اليابان من أبرز الدول المهددة نظراً لوجود عدة عوامل.

في هذا الشأن، يمكن القول بأن عدد السكان له تأثير كبير على الإقتصاد المحلي، إذ أنه يساهم في إيجاد اليد العاملة المطلوبة، وتحريك الدورة الإقتصادية الداخلية من خلال حركة الاستهلاك، إضافة إلى التأثير الإيجابي على الإنتاج ونوعيته خصوصاً وأن اليابان من الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا.

في هذا الشأن أيضاً، يمكن الحديث عن صعوبة الحصول على الجنسية اليابانية حيث تتطلب شروطاً صعبة نوعاً ما، مثل إتقان اللغة والتنازل عن الجنسية الأصلية للشخص. ومع تحقق هذه الشروط، لا يعني أن أمر الجنسية أصبح واقعاً، بل هو أمر تقديري يعود للسلطات المختصة وهو ما يقع ضمن الحق السيادي للدولة.

الحرب التجارية

تهيئ عوامل عدة، مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والخروج البريطاني المحتمل من عضوية الاتحاد الأوروبي وحالة عدم الإستقرار الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التباطؤ المفاجئ في الاقتصاد الصيني، المناخ المثالي لعاصفة اقتصادية قد تسفر عن تباطؤ النمو الياباني بصورة واضحة.

وكانت واشنطن وبكين قد فرضتا الرسوم الجمركية “الإنتقامية” كلتاهما ضد الأخرى على ما يزيد على 300 مليار دولار من السلع والبضائع، في العام 2018 وحده، مع تهديدات جديدة صادرة عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتصعيد معدلات الرسوم الجمركية خلال العام 2019.

وتأتي اليابان في صدارة ضحايا حالة الشد والجذب الأميركية – الصينية الراهنة، إذ انخفض معدل الصادرات بواقع 3.8 نقطة مئوية، في ديسمبر/كانون الأول العام 2018، مما يدل وبوضوح على حجم الأضرار الجانبية الناجمة عن حرب الرسوم الجمركية بين طرفي المحيط الهادي، كما تحتل الإنتاجية اليابانية، وهي من العوامل الحاسمة في مواجهة تراجع رأس المال البشري المحلي، المرتبة السادسة بين بلدان المنطقة، وهو أدنى معدل بلغته اليابان بين بلدان مجموعة السبع الصناعية الكبرى.

ويقول خبراء الإقتصاد إن الحرب التجارية تمثل أكبر شواغل الحكومة اليابانية إذ أنها تهدد صادرات اليابان من قطع غيار السيارات، والأجهزة الإلكترونية، والآلات الثقيلة، حيث تعاني الشركات التي تصدر منتجاتها إلى الخارج من عدم اليقين نتيجة تصاعد التوترات في المحيط التجاري العالمي، ويساور كبريات شركات صناعة السيارات في البلاد، مثل “تويوتا” و”نيسان” و”هوندا”، مزيداً من القلق حيال تهديدات الرئيس الأميركي الجديدة بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على واردات السيارات إلى الولايات المتحدة.

الضرائب المرتفعة

من أبرز التهديدات القائمة للاقتصاد الياباني الزيادة المقررة للضرائب، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومن المفارقات بطبيعة الحال أن طوكيو تعتزم زيادة الضرائب لأجل سداد الدين العام الهائل الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم المتقدم، ويزيد عبء الدين الياباني على ضعف حجم اقتصاد البلاد البالغ 4.9 تريليون دولار، وهو في تنامٍ مستمر، ويرجح للمستهلكين تخفيض مستويات الإستهلاك في أعقاب تلك التدابير مباشرة، رغم توقعات كثير من المحللين بحدوث طفرة ما في المبيعات قبيل زيادة ضريبة الإستهلاك بواقع 10 نقاط مئوية كاملة من نسبة 8% الراهنة.

ويعتقد كثير من المحللين أيضاً أن الأمر قد يشكل رياحاً معاكسة في وجه الإقتصاد الياباني، بدءاً من العام 2019 وما بعده، وقد تم تأجيل الزيادة الثانية في الضرائب اليابانية خشية تكرار حالة الركود التي صاحبت الزيادة الأولى التي أقرت في العام 2014.

هذا وكشف تحليل اقتصادي صدر، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عن “مؤسسة نومورا” البحثية إن آثار زيادة الضرائب الجديدة سوف تدفع بالإستهلاك المحلي صوب الهبوط بنسبة 0.2 نقطة مئوية على المدى البعيد، مما يمثل ناتجاً فرعياً مؤلماً للضرائب التي تستمد سطوتها من قوة الإنفاق العائلي المحلي في البلاد.

الضغوط المحلية

يُتوقع لشريحة القوى العاملة في سن العمل باليابان الإنخفاض بمقدار 8 ملايين نسمة، بين العامين 2019 و2030، لتتقدم اليابان في ذلك على كل من الفليبين وفيتنام. ومن المتوقع كذلك، وفقاً لدراسة حكومية يابانية حديثة، انخفاض القوى العاملة في البلاد بنسبة 20% بحلول العام 2040 بدءاً من العام 2017، وذلك بسبب حالة الإنخفاض العام في سكان البلاد.

وتأتي القطاعات الأكثر تضرراً على مستوى قطاع الصناعة، هما قطاعا مبيعات الجملة والتجزئة، حيث من المتوقع انخفاض القوى العاملة بواقع 2.87 مليون عامل بين العامين 2017 و2040، يليهما قطاع التعدين، والتشييد بإنخفاض 2.21 مليون عامل، ثم قطاع الصناعات التحويلية بمعدل انخفاض يصل إلى 2.06 مليون عامل. وأفادت الدراسة المذكورة بأن هناك زيادة متوقعة في قطاع الخدمات الطبية والرعاية الإجتماعية فقط، إذ من المتوقع ارتفاع عدد العاملين في هذين المجالين بـ 1.03 مليون عامل بحلول العام 2040، الأمر الذي يعكس تنامي مجتمع المسنين في البلاد.

وشهد الإقتصاد الياباني انكماشاً شديداً بأكثر من التوقعات مع بداية العام 2019، مخترقًا بذلك أطول فترة من النمو خبرتها اليابان منذ عقود، فيما يعد ضربة اقتصادية موجعة لسياسات رئيس الوزراء، شينزو آبي، ذات الطبيعة الإقتصادية والمعروفة إعلاميا بإسم “آبينوميكس”.

خطط للنهوض

لمواجهة ارتفاع معدلات الشيخوخة في مقابل انخفاض معدل المواليد، الأمر الذي يلحق الأضرار الشديدة والأكيدة باقتصاد البلاد، رفعت الحكومة اليابانية سن التقاعد إلى 65 عاماً، كما طلبت من الشركات إما رفع سن التقاعد لديها أو الإلغاء بالكلية. وبالإضافة إلى ذلك، استحدث المسؤولون الحكوميون برامج جديدة تهدف لإدخال المتقاعدين مرة أخرى إلى سوق العمل، وعكس توجهات هجرة الشباب إلى الخارج، وهناك جهود مماثلة بذلت، ولا تزال، بغية إلحاق النساء بالقوى العاملة في البلاد.

وبلغت نسبة مشاركة النساء اليابانيات في القوى العاملة 63%، خلال العام 2012، أي أعلى بقليل من متوسط معدل النمو المسجل في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية البالغ 62%، لكن وبحلول العام 2017، ارتفعت تلك النسبة في المجتمع الياباني إلى 69%.

وفي نهاية العام 2018، وافق البرلمان الياباني على تمرير مشروع قانون الهجرة الذي يهدف إلى جذب 345 ألف عامل أجنبي من الخارج في غضون السنوات الخمس المقبلة، وذلك سعياً لسد الثغرات الراهنة في قوة العمل المحلية المنكمشة والمتقادمة بوتيرة عالية التسارع في البلاد. ويخرج مشروع قانون الهجرة الجديد من رحم الضغوط السكانية اليابانية الشديدة التي لا محيد عن مواجهتها، فلقد انخفض معدل الخصوبة في اليابان إلى 1.4 طفل لكل سيدة، في حين أن تعداد السكان العام في تراجع فعلي كبير بنحو 400 ألف نسمة سنوياً، الأمر الذي يُلقي بأعباء كبيرة للغاية على الإقتصاد الياباني من حيث تراجع أعداد دافعي الضرائب ومزيد من المعالين.

أخيراً، تتعين الإشارة إلى أن اليابان تشهد ثاني أقل نسبة خصوبة في العالم بعد كوريا الجنوبية، وتعاني البلاد من تواصل هبوط الولادات وتناقص عدد من هم في سن العمل تدريجياً سنة بعد أخرى، وتتوقع الإحصاءات الإستباقية أن البلاد ستفقد 40 مليون نسمة بحلول العام 2050، أي ثلث سكانها، وذلك إذا بقيت نسبة الولادات عند 1.4 طفل لكل امرأة مقابل نسبة أعلى للوفيات.

ووفقاً لأحد المحللين الديموغرافيين في جامعة طوكيو، فإن التقدم الصحي في اليابان بات يسمح بتوظيف المتقاعدين على نحو لا يشهده أي بلد آخر في العالم. ففي الوقت الذي تسعى حكومات حول العالم لتقديم سن التقاعد، وجعله أقل من 64 سنة لتوفير فرص عمل للشباب، تتجه اليابان في اتجاه معاكس لزيادة استخدام المتقاعدين، على أن التوقعات تشير إلى أن السنوات المقبلة ستشهد قفزات استثنائية في هذا المجال بإتجاه ارتفاع عدد المتقاعدين العاملين مقابل الشباب الداخلين إلى سوق العمل، وليس مستغرباً رؤية بائعين وناقلي أثاث وعمال صيانة ونظافة وحراس أمن بأعمار متقدمة.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: biz1190.com – الجزيرة – الشرق الأوسط.