إبراهيم ناصر*
تُشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن عملية التقارب الجارية بين دولتي إثيوبيا وإرتيريا بدأت قبل ثلاث سنوات، وأن هذا التقارب خُطط له من قبل قوى إقليمية ودولية، بُغية تشكيل منطقة القرن الأفريقي وفقاً لمصالحها ومنافعها الخاصة، إذ تتصدر هذه القوى الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة بجانب الممكلة العربية السعودية، وهذا ما نستخلصة من خلال القمم الثلاثية التي إحتصنتها أبو ظبي وجدة.
بينما هذه القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى إستقطاب دول المنطقة، وجرها إلى تحالفاتها الدولية والإقليمية، والظفر بدعمها لمشارعيها السياسية في المنطقة والعالم، أيضاً دول المنطقة وخصوصاً إثيوبيا وإرتيريا تسعى الى الحصول على مكاسب سياسية وإقتصادية من خلال القبول بتوسط هذه القوى في حل مشاكلها البينية، وفعلاً وحسب ما رشح في بعض وسائل الإعلام بأن لقاءت سرية نظمت من طرف أبو ظبي والرياض أثمرت في التقارب الإثيوبي – الإرتيري.
وبعد الجهود المضنية التي بذلتها الدبلوماسية الأمريكية والإماراتية والسعودية، نلاحظ أن عملية التقارب الأثيوبية – الإرتيرية تسير على قدم وساق، دون أن تواجهها أية تعثرات إلى هذه اللحظة، وبالطبع هذا لا يعني بأن الخلافات بين البلدين قد صُفرت، بل العكس تنزيل بنود الإتفاق على أرض الواقع تعد أصعب مراحل التقارب، وبالتالي يمكننا ملاحظة تكرار اللقاءات بين قيادة البلدين في العواصم العربية بين الحين والأخر من أجل تقارب وجهات النظر وتجاوز العقبات التي قد تتسبب في الإضرار بعملية التكامل بين البلدين.
بالتاكيد عملية التقارب بين أسمرا وأديس أبابا ستعود عليهما بمنافع إقتصادية وسياسية، بجانب ذلك سيسهم في التنمية المبتغاه في كلى البلدين، وفي الوقت عينية القوى الفاعلة في عملية التقارب بين البلدين ستنجني ثمار جهودها في المستقبل، في حال إنجاز الصلح بين إثيوبيا وإرتيريا.
مكاسب القوى الدولية والإقليمية
كما هو معروف منذ نهاية الحرب العالمية الباردة تشهد القارة الأفريقية صراعاً محموماً بين قوتين عظمتين، آلا وهما الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تسعيان إلى تقوية نفوذهما على حساب بعض، خصوصاً بعد تراجع نفوذ القوى التقليدية التي كانت مستفردةً ومتقاسمةً القارة السمراء فيما بينها.
وإنطلاقاً مما تقدم، يجوز القول بأن كل من واشنطن وبكين تسعيان إلى ربط دول القارة بعضها من خلال تحالفات سياسية أو إقتصادية، أو حتى خطط إنمائية، ولذا نلحظ الصين دعمت مشروع السكة الحديد الرابطة بين إثيوبيا وجيبوتي، وتعتبر هذا الخطة خطة إنمائية عرضية، أي وفقاً لخطوط العرض إذا ما أليقينا نظرة الى خريطة القارة. وفي المقابل وحسب ما ورد في وسائل الإعلام بأن لأمريكا خطة تنفيذ طريق بري يربط بين كينيا وتنزانيا، صرح بها وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تريلسون، أثناء زيارته لبيروبي، وهي خطة تربط دول القارة بشكل طولي.
ومن خلال لعب دور الوسيط بين إثيوبيا وإرتيريا تهدف الولايات المتحدة الى الحد من النفوذ الصيني المتعاظم في المنطقة، وهذا ما تتوافق فيه رؤى كثير من المتابعين، فضلاً عن توسيع النفوذ في المنطقة. وفي حال نجاح واشنطن في التقريب بين إثيوبيا وإرتيريا، ترى بأنها ستفلح في إعاقة التوسع الصيني في منطقة القرن الأفريقي، وهذا يُعد بمثابة مكسب جيو-سياسي في حربها مع بكين.
أما عن دور القوى الإقليمية كالإمارات والسعودية، فهي تهدف من خلال تبنيها عملية التكامل بين أسمرا وأديس أبابا إلى إبعاد المنافسين الإقليمين، كإيران وقطر وتركيا، وفي حال أفلحت هذه الدول في التقريب بينهما، ستجني ثماراً في شكل مكاسب جيو-إستراتجية، بحيث تبعد المخاطر الإيرانية عنها من جهة البحر الأحمر، بجانب مكاسب إقتصادية وسياسية، فضلاً عن سعي تلميع صورة الإمارات والسعودية التي شوهتها الحرب اليمنية.
مكاسب أطراف التقارب
وعلى غرار المكاسب التي ستحصل عليها القوى الإقليمية والدولية من التقارب الإثيوبي – الإرتيري، من الطبيعي ان يحصل طرفي عملية السلام، أي إثيوبيا وإرتيريا، على مكاسب، ويمكن حصرها فيما يلي:
- سيتمكن الطرف الإرتيري من حل مشكلة العزلة الدولية التي عاني منها لسنوات.
- ستسطيع إثيوبيا جلب مستثمرين أجانب وعرب، لدفع عجلة تنميتها الإقتصادية المرجوة، وذلك من خلال الإستفادة من أموال أبو ظبي والرياض.
- إنهاء حالة اللاحرب واللاسلم بين البلدين، والتي كانت لها تأثيرها على أمن وإستقرار البلدين.
- أتاح التقارب لإثيوبيا بأن ترتبط بالبحر من خلال منافذ إرتيريا، وهذا ما قد يساعد أديس أبابا الى الإتصال بالعالم الخارجي، وتطوير تجارتها الدولية، ما سيلقي ذلك بظلاله على التنمية فيها، وإخراجها من دائرة التخلف التي تعاني منه، وخصوصاً هناك إكتشافات بترولية، في منطقة “الصومال الإثيوبي”، والتي تريد تصديره عبر انابيب نقل الى البحر الأحمر، وهناك وعود إماراتية وسعودية مقدمة في هذا الإطار.
- تعاني كل من إثيوبيا وإرتيريا مشاكل إقتصادية كبيرة، وشح في النقد الأجنبي، فكل من ابو ظبي والرياض قدم وعوداً بإستثمارات مباشرة في كل من البلدين، حتى عندما زار ولي عهد أبي ظبي، محمد بن زايد، أودع ما مقداره ثلاث مليارات دولار كوديعة في البنك المركزي الإثيوبي، وهذا ما قد يُعد حلاً جزئياً لمشكلة السيولة في إثيوبيا.
وختاماً، إستناداً إلى ما تقدم، يمكننا القول بأن القيادتين الإثيوبية والإرتيرية، تسعيان إلى إستخدام التدافع الدولي والإقليمي لتحقيق مصالح بلدانها وشعبيها، وبالتالي قبولهما بتوسط أطراف دولية وإقليمية في عملية التقارب التي تجري بينها، وتقديمهما التنازلات من أجل تحقيق السلام يمكن إستقراءه في هذا السياق. وأيضاً هاتين القيادتين على دراية بأهداف القوى الدولية، ومخاوف الدول العربية، التي تتمثل في تمدد النفوذ الإيراني والتغلغل التركي في منطقة القرن الأفريقي.
لذا، سعت كل من إثيوبيا وإريتريا إلى إستغلال هذه المخاوف والأهداف من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإقتصادية. وعليه، يجوز القول بأن أسمرا وأديس أبابا تحاولان بيع سلامهما الدول الراعية للاتفاق.
*باحث مختص في شؤون القرن الأفريقي
مصدر الصورة: الشرق الأوسط.