أمجد إسماعيل الأغا*
ضمن إطار المنجزات الإستراتيجية التي أفضت إلى ترسيخ قواعد اشتباك جديدة، تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من إعادة ترتيب أوراق الحرب لتظهر أوراق القوة بيد الدولة السورية وشركاؤها في الحرب على الإرهاب، حيث أن التطورات النوعية لجُملة العمليات العسكرية للجيش، مكّنت روسيا، وبناء على المستجدات الطارئة، من تجاهل الإعتراضات الأمريكية والإسرائيلية المتعلقة بتزويد الجيش السوري بمنظومة “S-300” الصاروخية، فكانت الترجمة الحقيقة للقرار الروسي الذي لم يُعر اهتماماً للقلق الأمريكي والإسرائيلي، عبر ما ظهر على وسائل الإعلام للحظة إخراج منظومات الصاروخية تلك من طائرة “أن – 124 روسلان”، والتي تضمّنت 49 قطعة من معدات المنظومة بما فيها 4 منصات لإطلاق الصواريخ.
هنا أيضا ترجمة سياسية وعسكرية للقرار الروسي بالحفاظ على ما تم تحقيقه من منجزات استراتيجية في سوريا. إضافة إلى هذه المعطيات، فقد تواردت الأنباء عن اختبارات بدأها الجيش الروسي في سوريا تتمثل في اختبار سلاح “كهرطيسي” يمكنه تشتيت وكبح إشارات GPS وWi-Fi. جاء ذلك عبر تأكيد فلاديمير ميخييف، مستشار النائب الأول لمدير عام شركة “راديو الكترونيكس تكنولوجي” الروسية، أنه سيتم اختبار سلاح كهرطيسي روسي على الظروف الميدانية في سوريا وذلك بعد أن خضع هذا النظام للتطوير مؤخراً.
تزويد الدولة السورية بنظام الدفاع الجوي “S-300” لم يكن صفعة لإسرائيل فحسب، بل كان القرار الروسي في تفاصيله يحمل رسالة ساخنة لأمريكا، وبالنظر إلى أن واشنطن تكاد تخسر كل أوراقها الميدانية ونقاط قوتها في سوريا، إضافة إلى أنها باتت تدرك جيداً أن قواعدها في سوريا أصبحت مهددة بشكل دائم، ومن الممكن أن تتعرض قواتها لهجمات في أي وقت خاصة أن الوجود الأمريكي في سوريا غير شرعي، وتعتبره دمشق احتلالاً يجب مقاومته.
يبدو أن واشنطن تعاني من قلق استراتيجي يتمثل في اقتراب نهاية الماراتون بين المنافسين الإقليمين والدوليين في سوريا، والذي انتصرت به سوريا وروسيا وإيران ضد “الإرهاب” الأمريكي الرامي لتغيير الخارطة الجيو – سياسية للشرق الأوسط. وما بين فكي الـ “S-300” والوجود غير الشرعي لواشنطن في سوريا، بات من الواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد استشعرت الخطر الروسي المُهدد لواشنطن وخططها في سوريا والمنطقة، وعليه فقد أثبتت روسيا أنها اللاعب الأبرز ضمن الجغرافية السورية، وبالتالي لا يمكن لواشنطن وعملاؤها الإقليميون فرض أي حل سياسي أو عسكري مرتبط بالشأن السوري، دون أن تكون الحلول مستوفية للشروط السورية – الروسية.
صحيح أن قرار موسكو تسليم منظومة الصواريخ الدفاعية “S-300” ليس موجها ضد أحد، لكن القرار الروسي يأتي ضمن إطار الدعم المتواصل للجيش السوري في حربه ضد الإرهاب، على اعتبار أنه القوة الوحيدة القادرة على التصدي له وزعزعة قواعده وتطهير الجغرافية السورية منه. وانطلاقاً من الخطط الأمريكية الرامية لإطالة أمد الصراع في سوريا، بات من الضروري وجود هذه المنظومة الدفاعية بيد الجيش، وتأتي هذه الضرورة في ظل استمرار النهج الأمريكي المهدد للإستقرار في سوريا. ومع وصول “S-300″، فقد أصاب المنظومة السياسية والعسكرية لإسرائيل ومن خلفها واشنطن حالة من الإرتباك الإستراتيجي والشلل العسكري، حيث أعلن رئيس تحرير مجلة “ناتسونالنيا أوبورونا” للدفاع الوطني، إيغور كورتشينكو، أن منظومات “S-300” ستكشف المقاتلات الشبح الأمريكية “F-22” إذا استُخدمت. وقال كورتشينكو، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “منظومات S-300 وS-400 تكشف المقاتلات الشبح، وسيتم رصد طائرات F-22 او F-35 في حال ظهورها في سماء سوريا، ولا يوجد مقاتلات مخفية”، مضيفاً أنه” بإنشاء انظمة دفاع جوي فعالة، تضمن سلامة سوريا، والرادارات تراقب المجال الجوي وترصد أفعال أي طائرة حربية، وسيتم كشف الطائرات الأمريكية، وعليه ستتخذ القيادة الروسية الإجراءات اللازمة في هذه الحالة.”
الحقيقة التي لا يمكن لأمريكا أن تتأقلم معها هي ظهور طائراتها، وبشكل جَّلي، على أجهزة الرادار السورية، فضلاً عن أن الطائرات الإسرائيلية باتت ضمن هدف الـ “S-300″، وهذه حقيقة مُرَّة بحيث أصبح على واشنطن وتل أبيب أن تتعامل مع تلك المعادلات الجديدة التي باتت واقعاً، إذ أن كلفة أي غارة إسرائيلية أو تهديد أمريكي مستقبلي، سيكون أكبر بكثير من أي نتائج تطمح الدولتان إلى تحقيقهما.
في المحصلة، شكلت الخطوة الروسية ضربة قوية لواشنطن وأدواتها في المنطقة، وهي خطوة تتجاوز كافة المعطيات والوقائع العسكرية، وبعبارة أدق، فقد باتت بيد سوريا والحليف الروسي ورقة ضغط سياسية سيتم ترجمتها في فرض الشروط الرامية لتسوية الأزمة. أما فيما يخص الطائرات الأمريكية والإسرائيلية في الأجواء السورية، فلقد أضحت مكشوفة، وبصرف النظر عن التوجيهات الروسية، ستقوم الدولة السورية بمعالجة أي اعتداء بطريقة صاروخية. اليوم، باتت خيوط اللعبة بيد سوريا وجيشها، وعلى الأعداء اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر.
*كاتب وإعلامي سوري
مصدر الصورة: عربي اليوم.