إعداد: يارا انبيعة
بعد انتهاء الجولة الأولى من الإنتخابات البرازيلية، بدأ المشهد الانتخابي بالتغير في الأيام الأخيرة بعد أن أعادت القوى السياسية المختلفة ترتيب استراتيجيتها للإنتخابات الرئاسية، والتي جرت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2018، والتي تزداد احتداماً بين المرشحين جير بولسونارو، اليميني المتشدد، وفرناندو حداد، من حزب العمال اليساري، إذ يستعد البرازيليون لجولة الإعادة المقرر إجراؤها في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
هذا وتجري الإنتخابات في وقت يشعر فيه مواطنو البلاد بالإحباط وخيبة الأمل والغضب، حيث خرج كثيرون إلى الشوارع وقد تملّك منهم الغضب بعد سنوات من السياسات السيئة، والفساد المذهل، والركود الإقتصادي، ومستويات فاحشة من الجريمة.
وبما أن ما يقرب على 85% من الناخبين البرازيليين، والبالغ عدهم حوالي الـ 147 مليوناً، يتفقون على أن البلاد تسير في الإتجاه الخطأ، فلقد أصبحوا أكثر استقطاباً من اي وقت مضى، سواء على شبكات الإنترنت أو خارجها، لا سيما وأن الإنقسامات المتزايدة والعميقة باتت تهدد بإزهاق روح الديمقراطية في أكبر دولة أميركية جنوبية.
إلى الجولة الثانية
أعلنت رئيسة المحكمة العليا للانتخابات في البرازيل، روزا ويبر، أن مرشحي اليمين واليسار، بولسونارو وحداد سيلتقيان في الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية التي ستحدد هوية رئيس الدولة الجديد. وقالت ويبر، في مؤتمر صحافي في برازيليا، “أعلن حالياً، بأن مرشحين سيذهبان إلى الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية: هما، جير بولسونارو الذي حصل على 46% من الأصوات، وفرناندو حداد، الذي حصل على 28% من الأصوات.”
ووفقاً للقانون البرازيلي، يجب أن يحصل المرشح الرئاسي على أكثر من 50% من الأصوات في الجولة الأولى حتى يفوز، أو تنظم جولة ثانية للإنتخاب ويتم انتخاب الرئيس فيها بأغلبية مطلقة لمدة 4 سنوات، ويمكن إعادة انتخابه مرة واحدة.
تحريض على العنف
اتهم المرشح اليساري فرناندو حداد منافسه بولسونارو بتهديد الديموقراطية، قائلاً “خصمي يحرض على العنف، بما في ذلك نشر ثقافة الإغتصاب”، مذكراً بتصريح أدلى به بولسونارو العام 2014 ضد النائب عن حزب العمال، ماريا دو روزاريو. وشدد حداد على أن منافسه كان دائم التحريض على العنف، متسائلاً “تخيل كيف لشخص ينشر التعصب، وبطله في الحياة أحد أبرز الجلادين في القارة، أن يعد بالأمن؟” مشيراً إلى تحية وجهها بولسونارو لضابط بارز متهم بالتعذيب، خلال حكم الديكتاتورية العسكرية ما بين العامين 1964 و1985.
كما انتقد حداد دعوة خصمه إلى تحرير حمل السلاح، قائلاً “تسليح الناس لن يحل شيئاً، وعلى الدولة الإهتمام بالسلامة العامة”، ورأى أن لدى مرشح اليمين المتطرف القليل من الإقتراحات لتسوية المشكلات الأمنية، مشيراً إلى أن الأمن مشكلة مؤسساتية يجب حلها عبر إصلاح يمنح الشرطة الإتحادية صلاحيات جديدة من أجل تنسيق التصدي للجريمة المنظمة.
إستعدادات اليمين للحكم
هيأت الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية البرازيلية بولسونارو، الشعبوي اليميني المتطرف، ليكون مستعدا للرئاسة، إذا فاز في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حيث سيكون آخر إضافة إلى ناد عالمي من القادة الأقوياء يشمل فلاديمير بوتين في روسيا، وشي جين بينغ في الصين، وناريندرا مودي في الهند، ورجب طيب أردوغان في تركيا، ورودريغو دوتيرتي في الفيلبين، وفيكتور أوربان في المجر، وبالطبع دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
هذا وتنتشر هذه المجموعة من الديموقراطيات والأوتوقراطيات في الغرب والشرق، لكنها موحدة بشكل فضفاض من خلال أسلوب حكم يعتمد إلى حد كبير على شخص واحد يجمع بين القومية وطائفية القيادة.
إن إضافة البرازيل إلى هذه المجموعة من البلدان، التي يقودها زعماء أقوياء، أمر مهم للغاية كونها خامس بلد من حيث عدد سكان العالم، والأكبر في أمريكا اللاتينية، وينظر إليها حتى وقت قريب باعتبارها أنموذجاً لأمة نجحت في تبني العولمة والديمقراطية، وتركت الأيام السلطوية المظلمة وراءها. لكن الركود المتوحش وسلسلة من فضائح الفساد وخيبة الأمل في حزب العمال اليساري، أضعفت صدقية السياسيين المنتمين إلى التيار السائد في البرازيل.
“حصن منيع”
اكتسب بولسونارو قاعدة عريضة بدرجة مدهشة، ومتعصبة في بعض الأحيان، من الأتباع، ويشاطره قسم من قاعدته الإنتخابية، 60% منهم من الرجال بين سن 16 الى 24 عاماً، رؤيته للعالَم. كما يعشق الكثير من البرازيليين، بمن في ذلك بعض النساء، رسالته “الخشنة الصارمة المناهضة للجريمة”. ويرى العديد من كبار رجال الأعمال في البلاد أن بولسونارو، جنباً إلى جنب مع رفيقه في الإنتخابات الجنرال العسكري المتقاعد هاملتون مورافو ومستشاره المالي من كلية شيكاغو باولو جويديس، يشكل حصناً ضد عودة حزب العمال.
وعلى مدار ما يقرب ثلاثة عقود من الزمن، انتظر بولسونارو في الظل، في البداية كعضو في مجلس المدينة ثم كعضو في الكونغرس، حتى هذه اللحظة على وجه التحديد. وعلى وعد بتنصيب “حكومة نظيفة” وفرض “القانون والنظام” وبتصوير نفسه على أنه بطل الجيش والشرطة، اكتسب بولسونارو المؤهلات اللازمة لقيادة ردة فعل سلطوية عنيفة، وقد أيد بشكل متكرر السلطة العسكرية التي حكمت في الفترة من 1964 إلى 1985. وفي العام 1999، دعا إلى إغلاق الكونغرس الوطني، وأعرب عن أسفه لأن النظام لم يقتل ثلاثين ألف شخص آخرين، بدءاً بالرئيس البرازيلي السابق فرناندو إنريكي كاردوسو.
ومن المهم هنا التأكيد على أنه في حال فاز بولسونارو بالرئاسة، فإنه سيصل إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، وليس عن طريق انقلاب عسكري، لكنه دعا بالفعل إلى المقارنة بالحكام الأوتوقراطيين في أمريكا اللاتينية في العصور الماضية من خلال الإشادة بشكل متكرر بسجل الحكام العسكريين في البرازيل، مجادلاً بأنهم أنقذوا البلاد من الشيوعية، وقدموا نمواً اقتصادياً سريعاً، وطبقوا القانون، وأرسوا النظام.
وعلى الرغم من أن ثلث البرازيليين، على الأقل، يحتشدون حول بولسونارو، إلا أن نسبة أكبر من الناخبين، بما في ذلك ائتلاف النساء متنامي الحجم، يعارضونه بشدة.
إتفاقية المناخ.. عملية إحتيال
يرفض بولسونارو بشكل أساسي علم المناخ ويؤيد انسحاب البرازيل من “إتفاقية باريس للمناخ”، التي أبرمت في العام 2015، زاعماً أن الحديث عن تغير المناخ “خزعبلات” وليس أكثر من “مؤامرة دبرها أنصار العولمة”. ومع تصديق الكونغرس على الإتفاقية، يجعل من مسألة انسحاب البرازيل أقل ترجيحاً، على الرغم من دأب بولسونارو المستمر، مع ثلاثة من أبنائه وجميعهم مسؤولون منتخبون، على وصف الإنحباس الحراري الكوكبي بأنه “عملية إحتيال”.
إلى ذلك، تعد بعض مواقف بولسونارو غريبة بعض الشيء، فقد سبق له وأعلن أنه سيرفض نتيجة الإنتخابات إذا لم يفز، وكما أنه يرى بأن الديمقراطية في البرازيل أحدث عهداً وأكثر هشاشة من الديمقراطية في الولايات المتحدة.
“ترامب” البرازيل
إن الإنتخابات التشريعية التي جرت إلى جانب انتخابات الرئاسة، تؤكد على تحوُّل عميق في المشهد السياسي البرازيلي حيث من المتوقع أن يصبح “الحزب الإجتماعي الليبرالي”، الذي يقوده بولسونارو بعد أن كان حزباً ضعيفاً في الماضي، أكبر قوة في البرلمان نتيجة الأوضاع الإجتماعية الصعبة وموجة الغضب المتصاعد من حزب العمال الذي “خيب آمال” الطبقات الشعبية، وتسبب بتراجع الطبقة الوسطى.
وعلى منوال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الذي يعتبره بولسونارو مثله الأعلى، يتحدث مرشح اليمين المتطرف لغة الشعب ويمكن أن نقول إنه يشبه الرئيس السابق لولا دا سيلفا، عامل الميكانيك الذي أصبح رئيساً في العام 2002، الذي شكل ظاهرة شعبوية يسارية نجحت في الحد من عدم المساواة في البلد المترامي الأطراف.
لكن فيما يخشاه المراقبون الحياديون ليس تحقيق انتقال عادي للسلطة، في حال فوز بولسونارو، بل حصول تراجع كبير في ديمقراطية ناشئة لأن آخر ديكتاتورية عسكرية سقطت في 1985 وأول دستور جمهوري للبلاد جرى إقراره في 1988.
من هنا، يمكن أن نقول بأن التهديد يخيم على مصير الجمهورية الأولى البرازيلية وذلك على ضوء تراجع الديمقراطيات في العالم لصالح الأنظمة السلطوية وصعود الهويات الوطنية والفئوية، “فإذا أردت أن تعرف ماذا يجري في إيطاليا عليك أن تعرف ماذا يجري في البرازيل”، عبارة كانت تتردد في برنامج كوميدي بداية سبعينيات القرن الماضي، وكانت تقصد الربط بين بلدين لجهة كرة القدم وتنافسهما على بطولتها العالمية. ما يحصل اليوم هو تشابه في مشهد سياسي يتنقل عبر القارات.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: يورو نيوز.