حوار: سمر رضوان
وسط اضطراب سياسي على خلفية الانسحاب من الإتحاد الأوروبي، تبدو المهمة المُلقاة على عاتق الحكومة البريطانية صعبة في ظل انقسام حاد بين مؤيد ومعارض، فيما تقوم رئيسة الوزراء تيريزا ماي بجهود حثيثة رافضة أي استفتاء جديد على هذا الملف.
حول هذا الموضوع وتداعياته على الاقتصاد البريطاني والعلاقات مع الدول الأوروبية وروسيا، سأل مركز “سيتا”، الدكتور ماركوس بابادوبولوس – الخبير البريطاني في شؤون العلاقات الخارجية ورئيس تحرير مجلة بوليتيكس فيرست.
الإنسحاب من الإتحاد
دخلت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وحكومتها في مفاوضات صعبة مع الإتحاد الأوروبي بشأن تسوية الإنسحاب بين لندن وبروكسل، وهذا الحدث بالتحديد سيطر على مدة ولاية ماي بشكل كامل. ووفقاً لرئيسة الوزراء، فإن هناك اتفاقاً مع بروكسل سيتم إنجازه تقريباً، وهو ما سيكون “إنقاذاً” للعديد من رجال الأعمال والصناعيين البريطانيين، فضلاً عن المستثمرين الأجانب، كالصينيين واليابانيين.
ففي 31 مارس/آذار 2019، ستغادر المملكة المتحدة الإتحاد، ومن غير الواضح حتى الآن حدوث أمر ما يمنع هذا الخروج أو يعيقه، إذ أن كثير من المسؤولين الذين التقيت بهم، في وستمينستر، أكدوا أن الخروج سيتم خلال بضعة أشهر ولا شيء يمكن أن يوقف هذا “الأمر المؤكد”. في جميع الحالات لن يخاطر كل من رئيسة الوزراء ماي وجيرمي كوربين، زعيم المعارضة، انتخابياً بتجاهل رأي الشعب البريطاني.
من هنا وبمجرد الخروج من الكتلة الأوروبية، لا يمكن التنبؤ بمستقبل لندن الإقتصادي، ولكن من وجهة نظري الخاصة أرى أن الإقتصاد البريطاني سيظل واحداً من أكبر وأقوى الإقتصادات في العالم، لكنه سيتكبد خسائر بهذا الخروج، وأن أي مكاسب ستكون نوعاً ما نسبية.
تفكك بريطانيا؟!
من المتصور أن يعاني الإقتصاد الإسكتلندي من هذا الخروج، وهذا ما قد يكون دافعاً قوياً وراء الطلب مجدداً بتنظيم استفتاء جديد للإستقلال. غير أن عدم تأثر الإقتصاد من هذا الخروج أو تأثر النمو فيه، برأيي، لا يمكن أن يشكّل دافعاً لمناقشة قضية الإستقلال مرة أخرى.
بما يتعلق بويلز، فإن النزعة الإستقلالية ضعيفة للغاية فيها، وهو ما يتضح من عدد النواب الوطنيين القليل في وستمنستر.
أما إيرلندا الشمالية، وطالما أن الغالبية البروتستانتية هي المسيطرة على غالبية السكان هناك، فإن الفرصة شبه معدومة فيها للإنفصال والتوحد مع الجزء الجنوبي من إيرلندا كون المجتمع البروتستانتي هو مجتمع موحد و”شرس”. غير أنه قد يأتي يوم، بإعتقادي ليس ببعيد، ستتغير فيه تركيبة المجتمع ويصبح المجتمع الكاثوليكي، المؤيد بشدة للإندماج مع الجنوب، ليمثل الأغلبية فيها خصوصاً وأن عدد أطفال الأسر الكاثوليكية، في أولستر تحديداً، يفوق عدد أطفال العائلات البروتستانتية.
واشنطن “تُحيك” السياسة
على الرغم من بقاء الإتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً أساسياً بعد البريكسيت، إلا أن الحقيقة الواضحة هي تبعية السياسة الخارجية في لندن للولايات المتحدة حيث يتم رسم معالمها في واشنطن. للأسف، أنه في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، والتي من غير المرجح أن تحدث، ستقف بريطانيا إلى جانب الأمريكي.
غير أن المفارقة تكمن في الشعارات والحجج التي تستخدمها بريطانيا للخروج من الإتحاد وأبرزها الرغبة في “استعادة البلد لإستقلاله”. حسناً، كما كنت أقول دائماً على وسائل الإعلام: ماذا عن قيام بريطانيا بإجراء استفتاء حول “استعادة استقلالها عن الولايات المتحدة”؟ فعلى سبيل المثال، لا تستطيع لندن استخدام أسلحة الردع النووي، خصوصاً صاروخ ترايدنت، بدون إذن واشنطن كونه أمريكي الصنع.
علاقات تاريخية سيئة
تميزت العلاقات الدبلوماسية بين لندن وموسكو، والتي بدأت في العام 1553، بالعلاقة بين خصمين يسودها التخاصم والعدائية المتبادلة. خلال الحربين الكونيتين، وجدت كل من بريطانيا وروسيا نفسيهما في “حرب مشتركة” على نفس الجانب في مواجهة عدو مشترك، أي الإمبراطورية الألمانية ومن بعدها ألمانيا النازية، أما فيما عذا ذلك فلم يمكن يكن هناك علاقات ودية تذكر بين الطرفين.
في الواقع، إن كلا البلدين مختلف تماماً عن الآخر، سواء لجهة الثقافة أو القيم السياسية. بإختصار، لا تجمع العلاقة بين البلدين وليست قضية العميل “سكريبال” سوى حلقة من سلسلة طويلة من اللأحداث المريرة بينهما على مدار مئات السنين.
مصدر الصورة: بي بي سي عربية.