كتاب “رئاسيات وإنتخابات” إصدار جديد للكاتب والصحافي أحمد زين الدين يحاوله من خلاله أن يبين ويكشف مدى الخلل السياسي وسوء الممارسة والتجربة التي تجعل اللبنانيين يعيشون في نظام سياسي بات يشكل عائقاً أمام تطورهم وتقدمهم ورفاهيتهم، وتطوير حياتهم السياسية.

 

فهذا النظام، برأي المؤلف، ببساطة متناهية مولد ومنتج للأزمات، حيث يقول في مقدمة الكتاب:

كأننا نعيش في جمهورية موز، وليس في دولة ديمقراطية حيث يزعم أن هناك حريات: حرية صحافة، حرية إعلام، حرية قول، حرية معتقد، وو…. لا شيء من هذا البتة، فالإعلام والصحافة يمتلكها شركات وعائلات وأشخاص، كل له مربط خيله، بعضها أنظمة من القرون الوسطى أو من مجاهل التاريخ، يوجهونها لإدارة صراع القبائل والطوائف والمذاهب.

جميعها أبواق لا تغيب العقول والحقيقة فحسب، بل تقود إلى الكراهية والتعصب وتأجيج الأزمات… وربما الهلاك. ببساطة ثمة حاجة صارت ضرورية لأن يعي شبابنا أن كل ما يسمعونه هو ما يريدون لك سماعه.. فانصرف إلى الجهة المعاكسة. ثمة عدة أسئلة يطرحها اللبنانيون على أنفسهم كلما استحق موعد إنتخاب رئيس جمهوريتهم الجديد، ومنها:

  • إلى متى يبقون يجهلون رئيسهم المحتمل أو المرشح الأوفر حظاً حتى ربع الساعة الأخيرة؟
  • إلى متى يظل الرئيس المحتمل مرهوناً بتجاذبات الإقليمية والدولية، ورهين ما يطلق عليه كلمة “الوحي”؟
  • إلى متى سيظل لا يقام وزن للرأي العام اللبناني في اختيار من سيتربع على الكرسي الأولى؟
  • وإلى متى سيظلون يسمعون أن فلاناً في سنة معينة نام رئيساً فإنتخب في اليوم التالي بديلاً منه؟

وغيرها من الأسئلة التي تظل على الدوام تقلق اللبنانيين، لأن هذا الإستحقاق صار موعداً دائماً لهم مع الخلافات السياسية الحادة، والإنقسام الخطير الذي يهددهم بوحدتهم الوطنية.

ألكسي دو توكفيل يقول “إن الديمقراطية مثل أولاد الأزقة تربي نفسها بنفسها، ولكن عندنا يبدو أن الديمقراطية لا تليق حتى بأولاد الأزقة”.

فمن مآثر الديمقراطية في زمن مضى، قبل الطائف أن زعيماً سياسياً إقطاعياً كان يباهي بأنه يستطيع أن يوصل 12 “عصاً” إلى البرلمان، ونسأل هنا: ترى هل يعتقد ذاك الإقطاعي أن هؤلاء أعلى مكانة وارفع شأناً من العصا؟ ماذا تغير في جمهورية ما بعد الطائف!

ثمة حقيقة، أن الديمقراطية عندنا هي ديمقراطية الأغبياء. فما معنى هذه الديمقراطية، حينما يقود ملوك “المذاهب” العملية الديمقراطية، فيختارون ممثلي الأمة، بمواصفات تجعلنا نترحم على أيام “العصا”، لأنهم ظلال، أو ناطقون، مجرد ناطقين بإسم السيدة “الببغاء.”

ويتساءل المؤلف: ماذا نريد من قانون الإنتخاب؟ وأي قانون انتخاب نريد؟

لعل الجواب على هذين السؤالين يعطي الرد على سؤال: أي لبنان نريد؟ وأي مستقبل ينتظر شباب لبنان وأطفاله؟ لأنه لم يعد مقبولاً أن نخضع الواقع، وكل المستقبل لأهواء وغرائز شخصية وقبلية وطائفية، تحت اسم “الديمقراطية” التي يصنع مقاييسها “أمراء مذهبيون” يدفعون بالأجيال الطالعة في مصالح رؤيتهم الضيقة، ونظرياتهم التي هي “نتاتيف” لوجهات نظر مستجلبة إلى اللبنانيين من كل فج وعميق.

وللإجابة على السؤالين بأي حال، لا بد من وعي وفهم أهمية الإصلاح السياسي لتطوير الدولة وبناها ومؤسساتها، التي تجعلها دولة حقيقية، لوطن يستحقه أبناؤه، فالإصلاح الديمقراطي الحقيقي للنظام السياسي هو الحل، أي الإصلاح الذي يرتكز على تعزيز الديمقراطية وآلياتها، لأنه لم يعد جائزاً أن يكون، كما يقول الرئيس سليم الحص، “في لبنان كثير من الحرية، وقليل من الديمقراطية”. فيما نرى في الواقع أن في لبنان كثير من الحرية، وأيضاً كثير من الديمقراطية، لقوى أمر واقع تفرض بسطوتها السياسية أحياناً، وبزلات لسانها احياناً أخرى، وبطائفيتها في أحيان كثيرة، وبتهديداتها دائماً ضد كل من لا يوافقها الرأي، مفهوم العمل السياسي والديمقراطية، إذ لا يمكن للديكتاتور في حزبه أو طائفته أن يكون ديمقراطياً، حتى لا يمكنه أن يقبل بحرية ورأي الآخرين.

إذاً المهمة الأساسية لتطوير الدولة والنظام السياسي في لبنان تقوم على تحديث النظام وتجاوز الصيغة التي حولت الوطن إلى شبه إقطاعية لا بل إقطاعيات ومزارع متخلفة، نحو نظام ديمقراطي قادر على مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الناجمة عن جمود النظام، وتطوره السياسي والإقتصادي المشوه، ويكون قادراً على الوفاء بمتطلبات التنمية الحقيقية التي تجعل من الإنسان اللبناني أساسها وغايتها، وقادراً ولو بالحد الأدنى على الوفاء بمتطلبات وموجبات انتماء لبنان وطنياً وقومياً.