إعداد: يارا انبيعة
ثاني اكبر اقتصاد في العالم، واكبر دولة صناعية، واكبر دولة تجارية، واكبر دولة في احتياطي العملات الأجنبية، ساهمت في نمو الإقتصاد العالمي بنسبة 30% لعدد من السنوات على التوالي، فأصبحت الصين قوة رئيسية ومصدراً هاماً في دفع عجلة نمو الإقتصاد العالمي، اذ اثبتت الحقائق ان تنفيذ سياسة “الإصلاح والإنفتاح”، التي اطلقها الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ، كانت سياسة حكيمة ساعمت في رسم تاريخ الصين المعاصر، وبالتالي اثرت تأثيراً عميقاً على المجريات الإقتصادية في العالم ككل.
الذكرى الـ 40
نظمت بكين احتفالاً كبيراً بمناسبة مرور 40 عاماً على البدء بتنفيذ سياسة “الإصلاح والإنفتاح”، وفي كلمته امام الجموع، وصف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تلك السياسة بـ “الصحوة الكبرى” للحزب الشيوعي. وقال شي لقد “انجز الشيوعيون الصينيون اكثر التحولات الإجتماعية عمقاً وعظمة في تاريخ الصين، وهيأوا الظروف السياسية الأساسية، ووضعوا الأساس المؤسسي لكل التنمية والتقدم في الصين الآن.”
هذا، وقرأ وانغ هو نينغ، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي، قراراً لتكريم الأشخاص الذين قدموا اسهامات عظيمة لمسيرة “الإصلاح والإنفتاح”، حيث بلغ عدد المكرمين 100 صيني و10 اجانب، قدم القادة الصينيون الميداليات تكريماً لهم.
نقلة نوعية
كان الدبلوماسي الأمريكي البارز، شارلز دبليو فريمان جونيور، على علم فوري “بثورة” جارية في الصين، صيف العام 1979، حينما سمع كلمات “المالك الواحد” من بائع جائل في شارع ببكين اشترى منه وعاء نودلز، حيث توقع نهوض الصين السريع حينما عاد الى واشنطن.
في الحقيقة، لم يكن في مقدور احد ان يتوقع، في ديسمبر/كانون الأول 1978 عندما اطلقت الصين سياسة “الإصلاح والإنفتاح، ان يزداد عدد مثل هذا النوع من المالكين اكثر من 500 مرة وعدد الشركات الخاصة 338 مرة، بمعدل نمو سنوي بلغ 9.5%.
وقال اوجينيو بريجولات اوبيولوس، السفير الإسباني لدى بكين لثلاث فترات، ان سياسة الإصلاح والإنفتاح اطلقت “تحديث الصين وغيرت العالم بأسره”، فيما يشير اشيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة للتنمية، ان تخفيف حدة الفقر فصل مهم في قصة نجاح الصين فـ “الإنجازات التي حققتها الصين عظيمة بكل المقاييس، لم تحققه دولة اخرى من قبل.
اضافة الى ذلك، ذكر الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، ان تلك الجهود تفيد الصين والعالم بأسره، مشيداً بسياسة الإصلاح والإنفتاح لتحقيقها نتائج لا تصدق.
الطريق الناجح
بعد اربعة عقود على سياسة “الإصلاح والإنفتاح”، تحت قيادة الحزب الشيوعي، شق فيها الشعب الصيني طريقاً ناجحاً لتحقيق رخاء الدولة وسعادة الشعب وذلك وفقاً للظروف المحلية وتجارب الأعمال خلال العقود الأربع تلك. فقد نجح الشعب الصيني في تحقيق انجازات كبيرة ساهمت في دفع تطور الدولة والأمة، ومنها انشاء نظام مسؤولية المقاولة العائلية في المناطق الريفية، والتطور السريع للمؤسسات الإقتصادية في المناطق الريفية، واعمال اعادة الهيكلة الإقتصادية في المدن وتعميق الإصلاح على نحو شامل، والنمو المزدهر للإقتصاد والرقي، وغيرها من الإنجازات.
هذا وقد بلغ معدل الزيادة السنوية للناتج المحلي الإجمالي، خلال تلك الأعوام، نحو 9.5%، وفقاً للأسعار المقارنة في نفس الفترة، حيث تحولت حالة حياة الشعب الصيني من العوز الى الإكتفاء، ومن الفقر الى الرغد، اذ يمكننا القول بإن سياسة “الإصلاح والإنفتاح” قد حققت نجاحاً كبيراً.
“قفزة كمية”
وواصفاً سياسة “الإصلاح والإنفتاح” بـ “الثورة الكبيرة في تاريخ الشعب الصيني والأمة الصينية”، قال الرئيس شي ان “قفزة كمية” تحققت في قضية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، واشاد الرئيس الصيني بميلاد الحزب الشيوعي، وتأسيس جمهورية الصين الشعبية، والسعي للإصلاح والإنفتاح، والاشتراكية ذات الخصائص الصينية، ووصفهاً اياها بأنها “معالم رئيسية” في الطريق نحو الإحياء الوطني.
واضاف الرئيس شي “ما حققناه خلال الأربعين عاماً الماضية لم يكن حظاً مفاجئاً ولم يتصدق به الآخرون، بل جاء ثمرة للعمل الشاق والحكمة والشجاعة لدى كل اعضاء الحزب وافراد جميع المجموعات القومية في الصين، وعلى مدار اربعين عاماً، انتشلت الصين 740 مليون شخص من الفقر، واقامت البلاد اكبر نظام للضمان الإجتماعي في العالم، حيث يغطي نظام معاش الشيخوخة الأساسي اكثر من 900 مليون شخص كما يغطي التأمين الصحي اكثر من 1.3 مليار شخص.”
هذا وقد ارتفع نصيب الصين من اجمالي الناتج المحلي العالمي من 1.8% الى 15.2%، ما يمثل اكثر من 30% من النمو العالمي لسنوات، حيث اثرت “الروح العظيمة للإصلاح والإنفتاح، بحسب الرئيس الصيني، بدرجة كبيرة “شخصيتنا الوطنية واصبحت اكثر سمة مميزة للشعب الصيني في العصر الحديث.”
لُبنة للمستقبل
عند النظر الى نتائج تطبيق تلك السياسة، يمكن ان نرى بوضوح مدى دقة وبعد نظر واستشراف واضعيها، خصوصاً وانها قد توافقت مع السياسة الإشتراكية للصين، حيث انها ستؤسس لمرحة انتقالية كبيرة على مدى العقود القادمة.
وعن المضي قدماً، قال الرئيس شي انه يجب على البلاد رؤية الحزب الشيوعي الصيني يمارس القيادة على كل الأعمال، نظراً لأن قيادة الحزب هي السمة الجوهرية للإشتراكية الصينية، واكبر مبعث لقوة هذا النظام. كما اكد شي على الحاجة الى الالتزام بالنهج الموجه للشعب لمواصلة تحقيق تطلعات المواطنين نحو حياة افضل، مضيفاً ان الشيوعيين الصينيين ملزمون بأداء واجباتهم بشأن تطوير الماركسية في القرن الـ 21 وجعلها ملائمة للسياق الصيني.
من هنا، يرى الرئيس الصيني بأنه “لا يوجد كتاب يشتمل على قواعد ذهبية لإتباعها في الإصلاح والتنمية في الصين، وهي دولة تتمتع بحضارة استمرت لأكثر من 5 آلاف عام ويعيش فيها اكثر من 1.3 مليار نسمة”، كما اضاف “لا يوجد احد يمكنه ان يملي على الشعب الصيني ما ينبغي وما لا ينبغي عليه فعله.”
وشدد الرئيس الصيني على انه ينبغي تحقيق الإستفادة الكاملة من الدور الحاسم للسوق في تخصيص الموارد، بينما يجري تحسين دور الحكومة بشكل افضل وتنشيط حيوية كيانات السوق المختلفة، قائلاً “ان الصين لا تزال ملتزمة بالسياسة الوطنية الأساسية للإنفتاح، مشيراً الى ان بلاده لا يمكنها تطوير نفسها “بمعزل عن العالم لأن العالم بحاجة للصين من اجل الازدهار العالمي”، مشيراً الى ان الصين ستخلق “عجائب جديدة، بل واعظم، ستبهر العالم بحق”.
حالياً، تتشكل التنمية المشتركة المستقبلية في العالم جزئياً مع تحول الصين الى نمو عالي الجودة في جولتها الجديدة من الإصلاح والإنفتاح، وهو نمو قائم على الإبتكار والتنسيق والتنمية الخضراء والإنفتاح والتشارك.
السلام والتنمية… والمصير المشترك
في اغسطس/آب العام 2018، افتتحت دولة المالديف اول جسر عبر البحر لحركة المرور، ويعد جسر الصداقة الصينية – المالديفية في المحيط الهندي مشروعاً نموذجياً في اطار مبادرة “الحزام والطريق”، وفي مناطق أخرى هناك عدد كبير من المشروعات المماثلة تشكل روابط اوثق بين الدول والشعوب وتجعل التعاون المربح للجميع الذي يتسم بالمنفعة المتبادلة يصبح واقعاً ملموساً.
وتحولت مبادرة “الحزام والطريق”، تدريجياً، الى اكبر منصة للتعاون الدولي بعد مضي خمس سنوات على اطلاقها، في سبتمبر/ايلول العام 2013، ملخصة فكر الصين فيما يتعلق بالتنمية والدبلوماسية والرؤية العالمية والمسؤولية الدولية، ما يمثل محصلة اربعة عقود من “الإصلاح والإنفتاح”. لكن السؤال المحوري اليوم: هل سيجلب “التنين” المستيقظ في الشرق فرصاً ام تهديداً للعالم؟
في هذا الخصوص، يتسم الرد الصيني بالإلتزام بمسار التنمية السلمية، والتخلي عن العقلية الغربية العتيقة بأن القوة ينتج عنها الهيمنة، وارادة سياسية قوية تسعى لتحقيق منافع مشتركة عبر التشاور والتكامل، حيث تهدف الصين الى اقامة نمط جديد من العلاقات الدولية ومجتمع مصير مشترك للبشرية.
من هنا، يقول افتاب صديقي، مؤسس مجموعة عمل الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني البريطانية، ان مشاركة الصين بشكل متزايد وعميق في الشؤون الدولية على مدار السنوات ساعدها في ممارسة تأثير عالمي، اضافة الى تقديم نموذج يحتذى به بشأن منهجها السلمي الذي يسعى الى التوافق في الوقت الذي يرفض فيه التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
فوسط تحديات جديدة ناجمة عن عالم متغير، لم تتوقف الصين مطلقاً عن السعي نحو ابتكار الحلول، من بينها ان السلام والتنمية اتجاهان عالميان رئيسيان، وايجاد رؤية مجتمع مصير مشترك للبشرية، فالماضي كان شهادة على ان نمو الصين يعزز تدعيم السلام والتنمية على المستوى العالمي.
في هذا الشأن، تقول مجلة “بوليتيكا اكستيرير” الأسبانية ان نهج الصين الخاص بالمواءمة بين مصالح البلاد ومصالح باقي دول العالم هو محاولة من اجل بناء عالم متعدد الأطراف اكثر شمولاً وديمقراطية وانفتاحاً وابتكاراً وكفاءة، كما ان هذا النموذج يلهم عدداً متزايداً من شعوب العالم للإقتاء به.
تبديد المخاوف
من خلال ما تم عرضه سابقاً، يمكن القول بأن رحلة الصين برهنت مراراً على ان كل الطرق تؤدي الى التحديث، وان العولمة ليست محاكاة للغرب، وهذا يعني يعني ان كل دولة يتعين عليها تقرير مسار تنميتها الخاص بناء على التاريخ والواقع والخبرات الحضارية.
من هنا، يشير مارتين جاك، الأستاذ في جامعة كامبريدج، الى حاجة الدول الغربية لتعلم المزيد قائلاً “ان الصين، بمنظورها الجديد بشأن الإشتراكية قدمت للعالم نموذجا جديداً وامكانية جديدة.” فالعقود الأربعة الماضية، من سياسة “الإصلاح والإنفتاح”، شهدت تنمية مشتركة وتقدماً في تفاعلاتها العميقة مع العالم، كما برهنت العملية ايضاً على ثقة الصين وقدرتها على تدعيم النمو العالمي والإسهام في غد افضل للبشرية.
وفي هذه النقطة بالذات ومن اجل تطويرها، يبقى على بكين ان تحرص دائماً على تطمين الجيران والحلفاء من سياستها، عبر توثيق الروابط الثنائية والجماعية والعمل التكاملي ومواجهة التحديات المشتركة، كي تتمكن من التقدم بشكل سريع وسلس خصوصاً وان الكثير من دول العالم ترى بأن الصين، بقوتها وسرعة نهوضها، تشكل عامل استقرار في العلاقات الدولية.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: روسيا اليوم – سبوتنيك – الجزيرة.