إعداد: يارا انبيعة

ضج العام 2018 بأحداث سياسية واقتصادية جمة لم تشهدها السنوات الماضية. احداث كثيرة مرت بأطوار وتفاصيل عديدة، بعضها كان يفصح عن ملامح جديدة تتعلق بالشأنين السياسي والإقليمي وتحولاتهما؛ والبعض الآخر، ينذر بفصول جديدة في قضايا تاريخية ملحة، فضلاً عن التطورات الإقليمية والدولية.

الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي

من اهم احداث العام 2018 كان، في 8 مايو/ ايار، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران الذي، وقع عام 2015 بين ايران والقوى الكبرى لمنع طهران من امتلاك السلاح النووي، حيث قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اعادة العمل بالعقوبات ضد طهران والشركات التي تقيم علاقات اقتصادية او تجارية معها، وحجته في ذلك ان الاتفاق “متساهل جداً” حيال ايران ولا يشمل الصواريخ البالستية ولا تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة في نزاعات اقليمية عدة كما في سوريا واليمن.

ففي يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد فرض رزمة اولى من العقوبات الاقتصادية في اغسطس/آب، اعادت واشنطن العمل بعقوباتها التي تطاول قطاعي النفط والمال الايرانيين.

نقل السفارة الأمركية إلى القدس

فاجأت الولايات المتحدة دول العام بقرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس، في شهر مايو/ايار 2018، حيث اكد الرئيس الأمريكي، ان “القدس عاصمة حقيقية لإسرائيل”.

ومن جانبه، اعلن نائب وزير الخارجية الأمريكي، جون ساليفان، ان الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة اليها، هو بمثابة خطوة لإحلال السلام، في القدس والمنطقة وكل العالم، والإعتراف بالواقع القائم منذ اعوام، وذلك اثناء الكلمة التي القاها امام المدعوين في احتفال افتتاح سفارة واشنطن بالقدس.

“قمة سنغافورة”

في خطوة مفاجئة التقى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ اون، للمرة الأولى في تاريخ البلدين ضمن اطار قمة سنغافورة، 12 يونيو/حزيران 2018، وذلك بعد فترة طويلة من العلاقات العدائية بين واشنطن وبيونغ يانغ، والتي استمرت لفترة هي الأطول في تاريخ العلاقات الدولية.

خلال القمة، وقع الفريقين وثيقة تعهد فيها الزعيم الكوري الشمالي بنزع السلاح النووي بشكل كامل من شبه الجزيرة الكورية، وكان التقارب الدبلوماسي بين الكوريتين بدأ في فبراير/ شباط، واتاح ارسال بعثة من الشمال الى الجنوب للمشاركة في الألعاب الاولمبية الشتوية. وفي ابريل/نيسان، اعلنت بيونغ يانغ وقف تجاربها النووية وتجاربها للصواريخ العابرة للقارات، لكن المفاوضات حول البرنامج النووي الكوري الشمالي لا تزال تراوح مكانها حتى اليوم.

قمة “الكوريتين”

في واحدة من ابرز الخلافات والإنقسامات الحادة منذ الحرب الباردة، جاءت القمة التاريخية بين الكوريتين، في ابريل/ نيسان، حيث استقبل رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه ان، نظيره الشمالي، كيم جونج اون، عند خط ترسيم الحدود العسكرية ليصبح كيم بذلك اول زعيم لكوريا الشمالية تطأ قدماه الجنوب منذ الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953.

وتعهد الزعيمان على العمل من اجل تخليص شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، كما اتفقا على الدفع بإتجاه تحويل الهدنة، التي انهت الحرب الكورية في العام 1953، الى معاهدة سلام، اضافة الى وقف الأنشطة العدائية بين البلدين، وتغيير المنطقة منزوعة السلاح التي تقسم البلاد لتكون “منطقة سلام”، وذلك عبر وقف بث الدعاية، وتخفيض الأسلحة في المنطقة، في انتظار تخفيف التوتر العسكري، وربط وتحديث السكك الحديدية والطرق عبر الحدود.

عودة روسية نوعية

اعادت روسيا ترتيب اوراقها عالمياً ووزعت حقائبها الدبلوماسية في اروقة الأزمات، فشبكت خيوطها صانعة نسيج علاقات متين اسس لها مكاناً هاماً في الشرق الأوسط ودوراً لا يمكن تخطيه. لقد تعاظم الدور الروسي دولياً وانعكس على المنطقة بشكل استراتيجي، حيث كان هناك محورين اساسيين في هذ المنطقة؛ الأول يتمثل بالمحور السوري الذي شن الحرب على الإرهاب، والتي يشارك بها الجانب الروسي بشكل قوي. اما الثاني، فهو المحور الإيراني الذي تقف روسيا الى جانبه في الملف النووي.

روسيا، من خلال المحورين المذكورين، طورت علاقتها بسوريا وايران الى مستوى الشراكة الإستراتيجية؛ اما على صعيد لبنان، فقد بادرت روسيا الى المساعدة في حل قضية النازحين التي تشكل عبئاً كبيراً عليه وعلى اقتصاده، كما هي الحال في الأردن وتركيا.

ومن خلال سعيها الدائم الى استغلال نقاط ضعف الولايات المتحدة لتفعيل دورها في العالم، حاولت روسيا ان تلعب لعبة سياسية عالية المستوى وجهتها صوب امريكا عندما صافح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال قمة العشرين في الأرجنتين، في ظل استياء السعودي من الأميركيين. وهنا، لعبت روسيا على وتر هذا التوتر في العلاقات محاولة ان تصيب منها ضرراً كما اصابت جانباً من العلاقات الأميركية – التركية التي يسعى الرئيس ترامب اليوم الى اصلاحها.

لم يعد “الدب” الروسي يألف النوم ولم يعد قطبياً يبحث عن الشتاء للسبات، بل اضحى يتآلف مع الملفات المشتعلة ويبحث عنها لإعادة دور اسلافه وبناء أمجاده.

صعود اليمين الأوروبي

يرى خبراء ان تنامي وصعود اليمين في اوروبا يعود بسبب تزايد اعداد المهاجرين، وتفشي الحوادث الإرهابية. وفي ظل الأزمة الإقتصادية التي تعانيها الحكومات الأوروبية والرأسمالية العالمية، فإن استدعاء الخطاب اليميني يكون قوياً ومؤثراً، للتغطية على العجز والفشل، بإعتبار ان وجود اللاجئين والمهاجرين انما يتسبب في مشاكل بسوق العمل الأوروبي، الذي ينافس فيه الأجانب ابناء البلد انفسهم، ويعد استثمار هذا الخطاب العنصري والتحريضي ضدهم لحصد مكاسب سياسية حيوية، خاصة في الإنتخابات الأوروبية.

لقد تعددت اشكال صعود اليمين الأوروبي في حكومات العديد من الدول، كالسويد والنمسا وايطاليا وغيرهم (خاصة بعد الأزمات التي تواجه دول الإتحاد مثل تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد او “البريكست”). فعلى سبيل المثال، تشكلت في النمسا حكومة ائتلافية من اليمين الممثل في حزب الشعب المحافظ وحزب الحرية الأكثر تطرفاً وتشدداً.

“السترات الصفراء”

في 17 نوفمبر/تشرين ثاني، اطلقت حركة السترات الصفراء اول تحرك لها ضد ارتفاع اسعار الوقود وتراجع القدرة الشرائية في فرنسا. وعلى مدى اسابيع عدة، قطع المتظاهرون الطرق في مختلف انحاء البلاد، وتخلل التحرك اعمال عنف ومواجهات، في باريس والعديد من المدن الكبرى، وهو ما اجبر الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، على الغاء تلك الزيادة معلناً، في 10 ديسمبر/كانون الأول، عن سلسلة من الإجراءات الإجتماعية في محاولة لإحتواء الغضب.

يأتي ذلك في ظل انتقال عدوى “السترات الصفراء” الى ايطاليا وبلجيكا، وبعض الدول العربية مثل تونس ولبنان والأردن، للإحتجاج على ارتفاع الإسعار، وغلاء المعيشة، التدهور الإقتصادي، والتي من المرجح ان تتفاقم في ظل عدم القدرة على ايجاد سياسات اقتصادية تخفف عن كاهل المواطن اعباء الحياة.

إنفراجات في سوريا

نتيجة الإنجازات الميدانية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في حربهم على الإرهاب، حصدت سوريا العديد من الأوراق السياسية الرابحة التي جعلت منها قدوة وحاجة في نفس الوقت.

فمن المحطات السياسية الأساسية التي شهدتها سوريا بفعل الانتصارات برزت في مؤتمر “سوتشي” ومحادثات “أستانا”، وتزامن ذلك مع استقرار مناطق خط التصعيد، والإتفاق على مناطق منزوعة السلاح في ادلب، اضافة الى انعقاد اللقاء الرباعي، المانيا وتركيا وفرنسا وروسيا في اسطنبول، وفي هذا اللقاء كان اعتراف ضمني بالتقدم الحاصل على الأراضي السورية لصالح الدولة السورية وحلفائها.

الى ذلك، جاء الإنفتاح العربي والأوروبي على سوريا، سواء بشكل علني او سري، حيث شكل نقطة فارقة في الملف السوري، لا سيما مع زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، الى دمشق، ما يؤكد تغير وضع سوريا تجاه الساحة العربية، حيث ظهرت اشارات واضحة لإمكانية عودة العلاقات وفتح السفارات في دمشق، ومن ابرزها سفارة دولة الإمارات العربي المتحدة والتصريح البحريني بأن العلاقات الثنائية لم تنقطع حتى ضمن الأومة.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: روسيا اليوم – أرشيف سيتا.