إبراهيم شير*
كانت الأشهر الثلاثة الأخيرة، من العام 2018، مليئة بالتطورات الكبيرة على الساحة السياسية السورية، بدايتها كانت في نهاية الشهر التاسع بلقاء وزير الخارجية، وليد المعلم، مع نظيره البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة. وفي بداية الشهر العاشر، افتتح معبر جابر – نصيب الحدودي مع الأردن، وعلى الفور قام وفد برلماني أردني بزيارة رسمية دمشق، ومن ثم أتت زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد. فيما بعد، قيام رئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك، بزيارة رسمية إلى العاصمة المصرية القاهرة، وفي الأيام الأخيرة للعام إعادة الإمارات فتح سفارتها في دمشق.
هذا كله نضيفه لدعوة البرلمان العربي لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لكي تلعب دورها المحوري في المؤسسات العربية، وهو ما قد يترجم فعلياً على عودة سوريا للجامعة وحضورها القمة المقبلة في تونس نهاية مارس/آذار 2019.
هذه الأحداث جميعها هي نجاح مهم للسياسة الخارجية السورية التي ترجمت انتصارات الجيش على الأرض لأوراق رابحة تلعبها في السياسة، وبالطبع ستؤدي جميعها إلى انفراج ما وخروج دمشق من عزلتها التي وصلت إلى نحو 8 سنوات. فخلال تلك الفترة، شهدت سوريا أصعب حصار يفرض عليها بحكم أنها تعاني من الحصارات الغربية منذ أيام حلف بغداد، العام 1955، علماً أن هذا الحصار كان موجهاً ضد القطاعات المدنية بشكل خاص، مثل الأدوية والطعام والتكنولوجيا العلمية والطبية وغيرها.
إن عودة العلاقات العربية والغربية، ستساهم في إضعاف وفك الحصار خصوصاً وأن الدول العربية، العائدة إلى سوريا، هي من أغنى الدول وساهمت بشكل مباشر في محاولة إسقاط الدولة السورية. والقاعدة تقول “من دمر يجب أن يعمر” خصوصاً إذا علمنا أن السعودية تطرق أبواب دمشق بعدة أمور؛ أولها، الرسائل التي ترسلها للقيادة في دمشق عبر حلفائها. ثانيها، تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن الرياض تعهدت بإعادة الإعمار. أما ثالثها، فأتى عبر رسالة واضحة كل الوضوح بأن المملكة تريد فتح صفحة جديدة مع سوريا تمثلت في إقالة عادل الجبير من منصبه كوزير للخارجية وتعيين الرئيس السابق للجنة السعودية – السورية المشتركة كوزيراً للخارجية. فالجبير هو أكثر مسؤول عربي طالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وهدده بأعمال عسكرية ضده. ولهذا، أتى قرار رحيله وتعيين شخص تعرفه دمشق جيداً ليبدأ كتابة هذه الصفحة الجديدة.
لكن السؤال هنا موجه لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري الذي يصر على عدم عودة العلاقات مع سوريا، وهو: ماذا ستكون ردة فعله إذا أعادت الرياض سفيرها إلى دمشق؟ لماذا لا يبحث الحريري عن مصلحة بلاده كحال الدول الأخرى لطالما أن سوريا هي “شريان الحياة” الرئيسي لبلاده حيث الكثير من الأزمات اللبنانية ستحل في حال عادت العلاقة مع دمشق وبدايتها أزمة اللاجئين والإستثمار؟
ربما يعتقد البعض أن هذه الأحداث هي دليل على عودة سوريا إلى المحيط العربي، أو للحاضنة العربية، لكن الحقيقة هي العكس أي أن العرب هم من عادوا إلى حضن دمشق، لأن الأخيرة لم تغادر محيطها ولم تتخلى عن القضايا الرئيسية، مثل القضية الفلسطينية ودعم حركات المقاومة فيها والتي تدافع عن فلسطين ولا تعمل وفق أجندات خارجية، إضافة إلى دعم دمشق للمقاومة اللبنانية، ووقوفها إلى جانب الدول العربية في المحافل الدولية خصوصاً فيما يتعلق بأراضيهم المغتصبة، مثل الجزر المغربية المحتلة من قبل إسبانيا سبتة ومليلية وجزر الجعفرية.
لقد استنتجت الدول العربية أخيراً أن سوريا هي الدرع الأول في حمايتهم، خصوصاً من تركيا التي أحست دول الخليج (مثل السعودية والإمارات والكويت) الآن بخطرها، إضافة إلى مصر وتونس والمغرب والجزائر. بالتالي، فإنهم بدون دمشق لن يستطيعوا التحرك خصوصاً أن المعارضات المسلحة التي أوجدوها سقطت في حضن أنقرة. إضافة إلى أن دمشق هي عجلة الإقتصاد العربي أو المنطقة ككل، ولم نستغرب عندما أعلنت الإمارات أنها ستعمل على خط بري للتجارة من جبل علي في دبي إلى معبر نصيب في سوريا. لقد باتت دمشق محور دورة رأس المال العربي لا سيما في مسألة إعادة الإعمار، وذلك إذا علمنا أن الاقتصاد العالمي ككل مقبل على ركود وأزمة كبيرة تفوق أزمة العام 2008.
إن عودة العلاقات العربية مع سوريا لا تعني تطبيع العلاقات بشكل كامل بين الطرفين، وربما يكون لدمشق شروط قاسية على تطبيعها من بينها تسليم المطلوبين بجرائم فيها، والمعاملة بالمثل بخصوص تأشيرات الدخول، والأموال التي ستنفق لإعادة الإعمار. لكن دون أدنى شك، يبقى انتصار السياسة الخارجية لسوريا هو العنوان الأهم لعام 2018 وليهنأ وزير الخارجية وليد المعلم بعطلة نهاية عام مريحة بعد نحو 8 أعوام من التعب.
*كاتب واعلامي سوري
مصدر الصورة: كنوز ميديا.