إعداد: يارا انبيعة
بحر الصين الجنوبي بات يغلي على وقع التوتر الكبير الذي ضربه منذ بداية عام 2019. فالرئيس الصيني، شي جين بينغ وفي خطاب بمناسبة مرور 40 عاماً على بيان سياسي لتحسين العلاقات مع تايوان، حث شعبها على قبول حقيقة إعادة وحدة الصين وتايوان.
وبعد سنوات من الهدوء، انفجرت الأزمة التايوانية من جديد، بعدما رفضت رئيستها، تساي اينج وين، دعوة الرئيس الصيني لإعادة الوحدة بين البلدين مؤكدة على أن الغالبية العظمى من الرأي العام التايواني متمسكة بمعارضة مبدأ “الصين الواحدة” وفكرة “دولة واحدة ونظامان”. كما اتهمت تساي بكين بـ “الإستفزاز” وبشن حملة متعمدة لتقويض الديمقراطية في الجزيرة برفضها التحاور مع حكومتها، كما طالبت من حلفائها المساعدة في الدفاع عن سيادة تايوان، بعدما كثفت بكين مناوراتها العسكرية قرب الجزيرة. يأتي ذلك بعد تدهور العلاقات بشكل لافت بين البلدين منذ استلام وين رئاسة تايوان، في العام 2016، وهي التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يميل الى الإستقلال.
فتش عن واشنطن
ازدادت حدة التوتر بين تايوان والصين بعد أن فرضت الولايات المتحدة، الداعمة لتايوان، عقوبات على الجيش الصيني وذلك إلى جانب الحرب التجارية بين البلدين، إضافة إلى إرسالها، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، سفينتين حربيتين عبر مضيق تايوان، في إشارة قوية لدعم الأخيرة، في ثاني عملية من نوعها خلال نفس العام. وجاء هذا التحدي بعد شهر واحد فقط من موافقة واشنطن على بيع تايوان قطع غيار وتبديل لطائرات حربية من طرز “إف – 16″ و”إف – 5″ و”سي – 30” بقيمة إجمالية تصل إلى 330 مليون دولار، كما قامت واشنطن أيضاً، العام 2018، بتمرير قانون السفر إلى تايوان الذي يشجع كبار المسؤولين الأمريكيين على تعزيز التعاون مع تايبيه.
إلى ذلك، أصدر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في أول يوم من العام 2019، “قانون مبادرة إعادة الطمأنة لآسيا Asia Reassurance Initiative Act”، الذي يؤكد على التزام الولايات المتحدة أمن حلفائها الآسيويين، ومن بينهم تايوان، بما في ذلك مبيعات الأسلحة. وكل هذه التحركات الأمريكية الداعمة لتايوان ربما تكون هي العامل الرئيسي الذي أشعل غضب الصينيين ودفع بكين لإظهار “العين الحمراء” في الملف التايواني.
بالتالي، يبدو بأن الرئيس ترامب ذاهب نحو تصعيد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن يساهم، بشكل ملموس، في تفاقم التوتر بين الصين وتايوان، حيث يرى عدد من خبراء الشأن الآسيوي أن الإدارة الأمريكية تستخدم الملف التايواني من أجل “ابتزاز” الصينيين والضغط عليهم للاستجابة لمطالبها في المجالين التجاري والسياسي.
من هنا، يؤكد الباحث في معهد بحوث الدراسات العسكرية في جيش التحرير الشعبي الصيني، تشانج جونشي، أن العمليات البحرية الأميركية في بحر الصين الجنوبي قد تشعل صراعاً، وسيقع اللوم على واشنطن في حالة وقوع أي اشتباك، وأضاف أنه عندما تقترب القوات البحرية من بعضها البعض فمن السهل أن يكون هناك سوء فهم أو خطأ في التقدير، أو حتى تصادم
القبول بالإنفصال
دعت الرئيسة وين، قبل يوم واحد من كلام الرئيس شي، بكين إلى قبول وجود تايوان واللجوء إلى الطرق السلمية لحل الخلافات بين الطرفين، وطالبت بإحترام إصرار 23 مليون شخص على تحقيق الحرية والديمقراطية. ورداً على تهديدات الصين، اعتبر وزير الدفاع التايواني، فنغ شي كوان، أن التهديد الذي يشكله أعداء بلاده يتصاعد يوماً إثر يوم، لذلك على تايوان المحافظة دائماً على الإستعداد القتالي، وأضاف أن على بلاده تكثيف تدريب العسكريين لتمكينهم ليس من النجاة من المعارك فحسب بل من تدمير العدو وإكمال مهماتهم أيضاً.
وجاء هذا الرفض القاطع للوحدة مع بكين، من جانب رئيسة تايوان، بعد تحذير الرئيس الصيني أن مطلب استقلال تايوان “تيار معاكس للتاريخ” ولا مستقبل له، محذراً من أن استقلالها لن يجلب سوى البلاء والكوارث، وتابع “أن القضية مسألة داخلية، وأن الصين لن تسمح فيها بأي تدخل خارجي.”
وبعد هذا الخطاب بعدة أيام، كرر الرئيس الصيني طلبه من كبار القادة العسكريين تعزيز قدرات القوات المسلحة الصينية لمواجهة الطوارئ والإستعداد للمعارك، في رسالة واضحة لكل من يهمه الأمر، خاصة في واشنطن وتايبيه، بأن مسألة انفصال تايوان تمثل “خطاً أحمر” لا يمكن المساس به. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها قادة الصين عن الخيار العسكري لمنع استقلال تايوان، ففي ديسمبر/كانون الأول 2018، أكد وزير الدفاع الصيني على أن الجيش سيتحرك “مهما كان الثمن” لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان.
تصعيد عسكري متبادل
أعلن الجيش التايواني عن سلسلة من التدريبات العسكرية واسعة النطاق والتي تم تصميمها حديثاً لهذا العام، رداً على تهديد الصين المستمر بإستخدام القوة للسيطرة على الجزيرة. وبينما تقوم القوات المسلحة التايوانية بمثل هذه المناورات بشكل منتظم، نقلت وكالة الأنباء المركزية الرسمية عن مدير التخطيط في وزارة الدفاع، الميجر جنرال ييه كو هوي، قوله إن تدريبات هذا العام (2019) “تجري صياغتها بناء على تكتيكات تم تبنيها حديثا للتصدي لغزو صيني محتمل”.
في المقابل، أكد الرئيس شي، خلاله اجتماع له مع كبار القادة العسكريين، أنه على القوات المسلحة تعزيز قدراتها لمواجهة الطوارئ وبذل كل ما يمكن للاستعداد للمعارك، وأضاف أن الصين تواجه مخاطر وتحديات متزايدة وأن على الجيش العمل على تأمين احتياجاتها الأمنية والتنموية، مشددا على أن القوات المسلحة ابتكار استراتيجيات مواكبة للعصر الحديث وتحمل مسؤوليات الإعداد للحروب وشنها.
حساسية صينية
من شروط الأساسية لإقامة علاقات مع بكين هو الإعتراف بـ “الصين واحدة”، وهي قاعدة لا ولن تتخلى عنها مطلقاً. وبالتالي، فإن أي إخلال بها سيعرض المُخل لوقف العلاقات، لا بل قد تصل إلى قطعها حتى.
ومن الجدير ذكره هنا بأن الصين لم تمانع جلب الإستثمارات أو الصفقات التجارية، غير التسليحية، التي تعقدها تايبيه مع الدول فهي تقف إلى جانب تنمية الجزيرة كونها تعتبر أن هذه التنمية ستعود إليها في النهاية بعد ضمها إليها. أما الشق العسكري، لا سيما استيراد الأسلحة، فهذا أمر “خطير جداً” خصوصاً وأن بكين تعلم جيداً بأن خلفية هذا التسلح متوجه ضدها.
من هنا، تخشى بكين أن تتحول الجزيرة، بالفعل، إلى قاعدة أمريكية على “أنف خليجها”، وبالتالي وقوع طرق المواصلات التجارية الصينية تحت “رحمة” الأسطول الأمريكي في محاولة لخنقها اقتصادياً. إضافة إلى ذلك، هناك تخوف واضح من نشر صواريخ، هجومية واعتراضية، على الجزيرة وهو كان أحد الدوافع لتدخل الصين في التوفيق بين سيول وواشنطن من أجل إيجاد حل للخلاف بينهما كي لا تتخذ الأخيرة من كوريا الشمالية حجة لنشر منظوماتها الصاروخية بذريعة حماية قواعدها وتواجدها العسكري في تلك المنطقة.
في المقابل، لن تقف الصين مكتوفية الأيدي وتسمح بأن تكون إرادتها مرتبطة بـ “أهواء” الولايات المتحدة في بحر الصين، بالتحديد، خصوصاً بعد التضييق عليها في مسألة الجزر، فهي لن ترضى بأن تكون تايوان “كوبا” ثانية.
لذلك، في حال زادت الأمور عن حدها لا يمكن استبعاد شبح الحرب لإستعادة الجزيرة وضمها إلى الدولة الأم، ولكن هذه المرة قد تكون بشروط بكين وليس بالتوافق مع تايبيه كما تطرح الأمور اليوم، أي “دولة واحدة ونظامان”.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.