يقول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي “نحن الذين نعيش الآن أجزاء من إنسانية تمتد جذورها إلى ماضٍ سحيق، وأن تراث الإنسانية الذي نعتز به ليس من صنع أيدينا، بل إنه ثمرة كد وكدح وكفاح الجماعة الإنسانية المتصلة، طوال رحلة الإنسانية الصاعدة، ونحن نكون حلقة من حلقاتها، ومهمتنا نقل التراث وتعديله وتنقيته وبلورته، بحيث نسلمه للجيل الذي بعدنا أكثر صفاء وأكثر أمناً وأيسر منالاً وشمولاً.”
من خلال هذه المقدمة أعلاه، ترتبط الحياة البشرية وتطورها بكل النواحي، وبالطبع الناحية الإقتصادية هي جزء رئيس منها، بعضها بعضاً. على سبيل المثال، إن المعاهدة المنشئة للجماعة الإقتصادية الأوروبية الموقعة، في روما، تنص على أن “مهمة الجماعة بإقامة سوق مشتركة وبتقارب متطور لسياسات الدول الأعضاء الإقتصادية، هي أن ترتقي بتنمية متناسقة للنشاطات الإقتصادية في الجماعة كلها”.
والمقصود هنا بالجماعة الدول الأوروبية كلها؛ بالتالي، لتحقيق الأهداف أعلاه أنشأت المعاهدة تنظيماً يتمتع بسلطات تجاه الدول وتجاه رعاياها، لكن هذا لا يتضمن أي نص متعلق بالحقوق الأساسية. لكن سرعان ما تأثرت بذلك بعض البلدان، مثل ألمانيا، حيث إعتبرت المحاكم الألمانية أن القواعد الدستورية الداخلية يجب أن ترجع إلى القواعد المشتركة للحقوق الأساسية.
ومع ذلك، ثبت منذ العام 1968 أن القواعد المشتركة تتضمن بالقوة حماية حقوق الإنسان، وهي في المقام الأول لأن معاهدة روما نفسها، مع أنها ذات صفة إقتصادية، تكرس بعض الحريات التي ينبغي أن تفرض إحترامها على الدول كما تفرضه على السلطات المشتركة. وفي المقام الثاني، إن القواعد المشتركة يمكن أن تكمل تباعاً القواعد الناتجة عن الإتفاقية الأوروبية والمبادئ العامة المشتركة لكل الدول الأعضاء.
وقد حصل التطور المعلن لأنه أظهر بأن الصفة الإقتصادية للجماعة لا تمنع من أن يتمكن عملها من المس بعدد كبير من الحقوق، وسوف يكون من الخطأ التفكير بأنها ستكون حقوق الملكية وحقوق التجارة والصناعة فقط، فحق إحترام الحياة الخاصة والحرية النقابية وحرية الضمير وغيرهم، أيضاً مهمة.
وقد تحقق إدماج حقوق الإنسان بالقواعد المشتركة، بإجتهاد محكمة العدل الأوروبية، في حالات قدمت إليها طعون ضد أعمال مشتركة، أو طعون من أجل تفسير معاهدة روما. فلقد طورت المحكمة إجتهاداً إنشائياً جديداً حول إحترام الحرية التي تحميها معاهدة روما في حيز السوق المشتركة، كما أنها رجعت إلى مفهوم المبادئ العامة التي توجد قانوناً لتطبق في مادة الحقوق الأساسية.
في الواقع، إن الإجتهاد المشترك، غير المنصوص عنه في المعاهدات، يقر بأن إحترام الحقوق الأساسية يشكل جزءاً من مبادئ قانونية عامة تكفل المحكمة إحترامها. وهكذا، أعدت مرحلة أخيرة لم تكن سوى مرحلة تمهيدية وهي مرحلة تكامل القانون المشترك للإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
أخيراً، يبدو أن المرغوب فيه وما هو في مصلحة تناسق القانون الأوروبي، أن تخضع الجماعة الأوروبية الإقتصادية على الأقل شكلاً إلى أحكام الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
*مستشار قانوني – الكويت.
مصدر الصورة: رويترز.
موضوع ذا صلة: الأمم المتحدة ودورها في قضايا حقوق الإنسان