إعداد: يارا انبيعة

في إطار الأولوية الخاصة بمواجهة إيران، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عن عقد مؤتمر دولي في وارسو، في 13 و14 فبراير/شباط 2019، دعا إليه الدول الخليجية ومصر والأردن وبعض الدول الأخرى بهدف تأسيس حلف دولي جديد ضد إيران.

للتذكير هنا، فإن وارسو كانت مقراً لـ “حلف وارسو” الشهير الذي تزعمه الإتحاد السوفياتي سابقاً وضم دول الكتلة الشرقية، وكان هو الحلف المواجه لحلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) إبان مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.

لماذا بولندا؟

إن اختيار بولندا لم يأتِ من فراغ، فلقد أرادت الولايات المتحدة أن ترسل رسائل في عدة جهات، أهمها إلى روسيا التي يجمعها مع بولندا تاريخ طويل من الخلافات والنزاعات، إضافة إلى أن اختيار وارسو بالذات يعد “ضرباً” لمفهوم قيام حلف مقابل، وللقول بأنه لا ولن يكون هناك قوة تنافس حلف شمال الأطلسي – الناتو، وأنه سيتوجه، عاجلاً أم آجلاً، إلى الحدود مع روسيا لتطويقها ومنع خروجها من محيطها. 

في نفس السياق، رأى عباس علي كدخدائي، المتحدث بإسم مجلس صيانة الدستور الإيراني، بأن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يريد أن يحول بولندا إلى قاعدة مهمة للناتو يطلق عليها “حصن ترامب”. وقال كدخدائي في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر” إن “هناك عقداً بقيمة 4.7 مليار دولار لشراء منظومة دفاعية (باتريوت) بين بولندا وأميركا”، مضيفاً “أن بولندا تريد أيضاً استبدال شراء الغاز الطبيعي من أميركا بدلاً عن الغاز الروسي بدءاً من العام 2022.”

حلف جديد

تستنهض واشنطن حلفاءها ضد إيران في موازاة تطمينها إياهم إلى مرحلة ما بعد الإنسحاب العسكري من سوريا، فجولة الوزير بومبيو المطولة في منطقة الشرق الأوسط بدت ترتيباً جديداً لجدول الأعمال، وعملية تحشيد ضد طهران ستبدأ من قمة وارسو بعدما أسهمت الإدارة الحالية للبيت الأبيض بتأجيج الخلافات العربية – الإيرانية لتتمكن من استخدام الأخيرة كـ “فزاعة” تخيف بها الدول الخليجية والعربية المحيطة فتجبرها على تأسيس هذا الحلف للمواجهة.

وقد يبدو ذلك منطقياً إذا ما تم الإستناد إلى ميثاق الدفاع المشترك للجامعة العربية، الموقع في 18 يونيو/حزيران 1950 الذي كان موجهاً بالأساس ضد إسرائيل ولم يفعَّل بالشكل المطلوب، لجهة تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة هدفها حماية المصالح العربية، ومكافحة الإرهاب والدول التي تقف وراءها، وبحسب المفهوم الأمريكي ستكون بالطبع إيران.

هذا “الناتو العربي” وهو ما يريده ويسعى إليه الرئيس ترامب منذ بداية ولايته ويحاول تسويقه، خصوصاً وأن الولايات المتحدة تريد من ذلك عدم الغوص في الحروب “غير المدفوعة”، وإخلاء بعض النقاط الساخنة لوكلائها، وحماية إسرائيل من أي خطر مستقبلي قد يهددها.

في هذا الشأن، يرى العديد من المراقبين بأن المناورات المشتركة والمكثفة، التي تقوم بها الدول العربية، تعتبر مقدمة لدمج القوى فيما بينها والإستعداد لمثل هذا الأمر في أسرع وقت ممكن بجاهزية كبيرة للتدخل عند حصول أي حدث.

توحيد الصفوف

إن ما تنصب عليه الحسابات الأميركية هو “توحيد صفوف الحلفاء” سواء عبر دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى القمة، جنباً إلى جنب مع القادة العرب، أو تكرار المواقف الداعية إلى وحدة مجلس التعاون الخليجي وحل الأزمة بين قطر وجيرانها.

رسالة “رأب الصدع” التي حملها بومبيو إلى قطر وطار بها إلى الرياض، في محطته التالية، عبر عنها بوضوح لا يحتاج إلى تفسير، فـ “عندما يكون لدينا تحدٍ مشترك لا تكون النزاعات بين البلدان ذات الأهداف المشتركة مفيدة، نأمل أن تزيد وحدة مجلس التعاون الخليجي في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، لأن هذه الوحدة ضرورية”، يأتي هذا في وقت توحي فيه العديد من المؤشرات بأن عودة العلاقات القطرية – الخليجية غير ممكنة في المدى المنظور.

مواقف إيرانية

اعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، قمة وارسو بأنها “مؤتمر أمني”، وعلق على ما قاله بومبيو بالقول “إن هذا الذي يتحدث عن عقوبات وممارسة الضغوط في أعلى مستوى، وعندما يصل الأمر به إلى عقد ملتقى ومؤتمر هذا يدل على أنه فشل.”

أما نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، فإعتبر مؤتمر وارسو استمراراً لما وصفها الحرب الإقتصادیة الأمريكية على إیران، مشيراً إلى أن هدف أميركا في هذه الظروف الراهنة هو السعي وراء زرع اليأس بين الشعب بعد “فشل العقوبات في تركيع إيران”.

إلى ذلك، وصف المتحدث بإسم الوزارة، بهرام قاسمي، قرار وارسو استضافة المؤتمر بأنه “إجراء خاطئ ومرفوض”، مضيفا أن هذا القرار يمثل “خطوة غير قانونية لا يمكن تبريرها”. وبحسب المسؤول الإيراني فإن عقد المؤتمر يهدف “لبث التفرقة في أوروبا تجاه إيران”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تريد، بعد انسحابها الأحادي الجانب من الاتفاق النووي، ضرب الجهود الأوروبية للحفاظ على هذا الاتفاق.

وقال قاسمي إن على بولندا أن تتحمل تبعات ونتائج استضافتها لـ “مؤتمر ضد دولة مستقلة”، مضيفاً أنه “من المنتظر أن تتخلى بولندا عن مواكبة أمريكا في عقد هذا المؤتمر الذي يجسد سياسة أمريكا المعادية لإيران”، داعياً الحكومة البولندية إلى اتخاذ خطوات “للتعويض” عن ذلك وإلا فإن “طهران ستتخذ إجراءات في إطار الرد بالمثل” لا سيما بعدما تم استدعاء القائم بأعمال السفارة البولندية في طهران لتبلغه احتجاجها على التعاون بين وارسو وواشنطن في مسألة عقد لقاء يعتبر خطوة معادية إزاءها.

مؤتمر “غوادلوب”

بدورهم، رأى ناشطون إيرانيون على مواقع التواصل بأن قمة وارسو يمكن أن تكون مثل مؤتمر “غوادلوب”، الذي ضم أربع قوى غربية هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا الغربية في جزيرة غوادلوب من 4 إلى 7 يناير 1979، حيث ركزت المناقشات على الأزمة السياسية الإيرانية الذي قيل بأن قرار رحيل الشاه والإطاحة به تم اتخاذه فيه، وربما هذا ما يفسر سبب القلق العميق لدى المسؤولين الإيرانيين.

إسرائيل حاضرة

افادت وسائل إعلام اسرائيلية بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تلقى دعوة للمشاركة في القمة جنباً إلى جنب مع وزراء خارجية عرب، ورجحت أنه سيقبلها لأن جلوسه حول طاولة واحدة مع مسؤولين عرب كبار سيكون بمثابة دليل على صدقية تصريحاته عن التقارب بين تل أبيب ومحيطها العربي، مما سيصب في مصلحة حملة رئيس الوزراء الانتخابية.

في الوقت نفسه، ذكرت القناة أن رئيس الوزراء لم يتخذ بعد قراراً نهائياً بشأن ما إذا سيشارك في القمة أم لا، مشيرة إلى أن وزراء خارجية مصر والأردن والمغرب وعدد من دول الخليج مدعوون أيضاً للقمة، فيما من غير الواضح ما إذا كانت الدعوة وجهت إلى الجانب الفلسطيني أم لا.

في الختام، يرى عدد من المراقبين بأن ادارة الرئيس ترامب قد استخدمت فزاعة إيران لتستطيع جمع دول الخليج والثورات المضادة، ولتعيد تشكيل الوعي في المنطقة بإعتبار أن إيران هي العدو المشترك وليست إسرائيل، التي يمكن أن تكون جزءاً من هذا المحور، وإن تأخر الإعلان جاء بسبب “تكتيكات” مؤقتة من بينها التمهيد الإعلامي والنفسي والسياسي لذلك.

إن الولايات المتحدة، بالرغم من قوتها، تدرك تماماً بأن هناك خسائر لا يستهان بها في حال حدوث مواجهة عسكرية مع إيران، وخصوصاً وأن الأخيرة لن تتوانى عن استهداف القوات الأمريكية الموجودة في الخليج إذ أنها تعلم بأن واشنطن هي المحرك الأساس في أي عدوان عليها أياً تكن الدول التي ستشنه، إضافة إلى استهداف حليفتها إسرائيل (بحسب ما يكرره المسؤولون الإيرانيون)، ناهيك عن استهداف المصالح الإقتصادية الأمريكية في تلك المنطقة لا سيما لجهة تدفق النفط (الذي سيرتفع سعره بشكل جنوني وسيصب ذلك في مصلحة روسيا وفنزويلا اخصامها) وتأمين خطوط التجارة والمواصلات العالمية.

بالتالي، يمكن القول بأن هذه القمة هي أقرب إلى استكمال التطبيع العربي مع إسرائيل منها إلى إحداث أزمة، والتي لن تتأخر كثيراً، في منطقة الشرق الأوسط.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الجزيرة – العربي الجديد – وكالة مهر.