حوار: سمر رضوان
مما لا شك فيه أن الإتحاد الأوروبي ما زال يقف عند حدود “الإتحاد الإقتصادي” وليس “السياسي” بالرغم من بعض المواقف الموحدة التي يعبر عنها بين الحين والآخر. فسياسات أي دولة داخله، دون تنسيقها مع السياسة العامة له، ستؤثر فيه وعليه بشكل كبير خصوصاً إذا ما كانت “تطمح” إلى قيادته في وقت ما مستقبلاً، ومنها وأهمها فرنسا التي يقف على رأس الحكم فيها شاب نخبوي بطموح “إمبراطوري”.
عن سياسات فرنسا وتأثيراتها الأوروبية، والمدى الذي ستصل إليه المعارضة الداخلية المتمثلة بـ “السترات الصفراء”، ومدى الإستفادة شعبياً من هذه الحركات، سأل مركز “سيتا” الأستاذ ماتيو كارنيليتو (Matteo Carnieletto)، الخبير في الشؤون الأوروبية.
صراع إيديولوجيات
العولمة مقابل القومية… العامة مقابل النخبة. هذا هو شعار ستيف بانون، المساعد السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي شغل سابقاً منصب كبير مستشاري الرئيس للشؤون الإستراتيجية. تميل الأحزاب القومية والشعبوية إلى عدم الرضوخ لما يسمى “المؤسسات” أو “الإستبلشمنت”، على غرار ما حدث في فوز دونالد ترامب، بإنتخابات الرئاسة الأمريكية، على منافسته هيلاري كلينتون، عضو “الإستبلشمنت”.
إن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هو أحد رجال هذه النخبة بل إنه “رجل النخبة”. فلقد شغل عدة مناصب في البنوك، إضافة إلى أن أحد رعاته الأساسيين كان جاك أتالي (الكاتب الإقتصادي والمستشار الإقتصادي للرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران).
لذلك، ترى الناس في ماكرون “لويس السادس عشر الجديد”، حاكم فرساي، الذي يريد قيادة الإتحاد الأوروبي في توقيت غير مناسب، فهو لا يمتلك القوة اللازمة على ذلك بعد. هنا تكمن مشكلته الأساسية.
سياسات خاطئة
سياسات فرنسا هي سبب كل ما يحدث. نعم بالطبع. لقد كان بيان “السترات الصفراء” واضحاً إذ أشار بصراحة إلى “إنهاء مشاركة فرنسا في الحروب العدوانية الخارجية، الخروج من الناتو، وقف النهب والتدخل السياسي والعسكري في الدول الفرانكوفونية لا سيما أفريقيا التي تعاني من الفقر والعوز، إعادة جميع الجنود الفرنسيين من الخارج على الفور، وأخيراً إقامة علاقات مع الدول الإفريقية على أساس المساواة.”
من هنا نقول إن على الرئيس ماكرون أن يفهم ذلك جيداً.
إيطاليا و”السترات الصفراء”
قبل موعد الإنتخابات الأوروبية القادمة، بدأت الحكومة الإيطالية بالبحث عن شركاء جدد لها؛ من هنا، يبدو اهتمام حركة “النجوم الخمس” بـ “السترات الصفراء”. لكن الأخيرة قالت “لا” للتعاون مع الحركة إذ ليس هناك من توجه واضح لديها بعد. هل ستذهب إلى اليمين، مع زعيمة الجبهة الوطنية ماري لوبان، أو اليسار، مع جان لوك ميلونشون؟ أم انها ستشكل حزباً جديداً مستقلاً عن الجناحين؟
إن مستقبل أوروبا يتوقف على ما ستفعله “السترات الصفراء”، وسواها من حركات مماثلة. فإذا ذهبت بإتجاه تشكيل حزب، فهي بذلك ستخاطر بتقسيم الجبهة المناهضة للـ “الإستبلشمنت”. الحل الصحيح يكمن في الإدلاء بأصوات اعضائها للأحزاب القائمة بالفعل؛ وبالتالي، يمكن السعي إلى إنشاء تحالف أوروبي كبير لإعادة بناء الإتحاد على قواعد جديدة.
ما يبدو مهماً اليوم هو أن يبدأ المواطنون الأوروبيون، بشكل عام، تقرير مصيرهم السياسي بعيداً عن أية تأثيرات أو تدخلات خارجية.
مصدر الصورة: أرشيف سيتا.