حوار: سمر رضوان

إنطلاقاً من حماية الأمن القومي التركي من “الخطر” الكردي على طول الحدود المشتركة التركية – السورية، تتحرك أنقرة بسرعة للقضاء على “الإرهاب”، مهما اختلفت تسمياته، بعدما قامت تلك المجموعات بعدة عمليات إرهابية داخل أراضيها؛ في حين لا تسعى إلى تقسيم سوريا وليس لها أطماع فيها، وذلك كله بحسب التصريحات التركية.

حول إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا والمواقف الدولية والإقليمية منها، سأل مركز “سيتا” الأستاذ حقي أوغور – Hakki Uigur، المحلل السياسي التركي، ومدير مؤسسة “دراسات إيرنفي” في أنقرة حول تطورات هذا الموضوع. 

مواجهة الخطر الكردي

تركيا لا تسعى لتقسيم سوريا وليس لديها أية أطماع فيها. تمتلك أنقرة حدوداً مع سوريا تبلغ حوالي 900 كلم، وهناك مجموعات إرهابية على الطرف المقابل لحدودها قامت بعدة عمليات إرهابية داخل اراضيها، وبعضها أطلق صواريخ من داخل الأراضي السورية بإتجاه المدن التركية ما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات والأضرار.

لذلك، لا يمكن لتركيا أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه من يهدد أمنها القومي ويحاول زعزعة استقرارها. وبالفعل، تمكنت أنقرة من خلال إطلاق مسار “أستانا”، وبالتعاون مع شركائها الروس والإيرانيين، من تأمين جزء واسع من هذه الحدود، وشكلت قوات “درع الفرات” وعملية “غصن الزيتون” مناطق آمنة لا توجد فيها جماعات إرهابية تهدد الأمن القومي التركي وتشكل خطراً على المجتمع الدولي، لكن ما زال هناك جزء مهم من المنطقة الحدودية ينتشر فيه الإرهاب تحت مسمى “وحدات حماية الشعب” الكردية، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا منذ عدة عقود.

تعتبر أنقرة هذه القوات جماعات إرهابية، ولا ترى أن هناك فرقاً بينها وبين “داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية. لذلك، ترى أن عليها التحرك للقضاء على الإرهاب، مهما اختلفت أشكاله ومسمياته. من هذا المنطلق، ستتحرك تركيا لتأمين حدودها وإبعاد الخطر عن مواطنيها.

التدخل التركي

بداية، لا بد من التذكير أن ما يسمى “وحدات حماية الشعب” الكردية، تسيطر على المنطقة منذ عدة سنوات وتقيم إدارة ذاتية، بحسب مزاعمها، وتنتشر فيها صور زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي.

إضافة إلى ذلك، لم يقم النظام السوري بشيء فعلي لإنهاء وجودها، وكان يمكنه القيام بذلك، لكنه لم يؤد واجبه بحماية أراضيه. إن تخلي النظام السوري عن واجبه بالقضاء على هذه المجموعات الإرهابية وعدم السماح لها بتهديد أمن دول الجوار، فرض على تركيا التدخل لحماية أراضيها وإزالة الخطر الذي يهددها.

أما إذا أراد النظام السوري الإعتراض على تدخل تركيا لحماية حدودها، كان الأجدر به أن يعترض على الوجود الأمريكي في منطقة الشمال، وهي التي تملك حوالي 14 قاعدة عسكرية وحوالي 2000 جندي.

أسباب جدية

لا تتحدث أنقرة عن “أحلام” فموقفها ثابت على الدوام، فلقد كانت أول من طرح فكرة إنشاء منطقة آمنة وخالية من الإرهاب. فالهدف التركي من إقامة منطقة عازلة يتمحور في إبعاد خطر الإرهاب عن حدودها، وتوفير بيئة آمنة ومناسبة لعودة اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى تركيا، بعد العام 2011 والتي تتحمل العبء الأكبر في استضافة أكثر من ثلاثة ملايين ونصف شخص من اللاجئين السوريين الذين اضطرتهم الظروف إلى ترك وطنهم والقدوم إليها.

من هنا، تأمل تركيا بأن تشكل إقامة هذه المنطقة فرصة مناسبة لعودة طوعية لمئات آلاف اللاجئين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، في وقت تمتلك فيه أنقرة القدرات والإمكانيات اللازمة لتأمين هذه المنطقة، مستعينة بأبنائها لتوفير الأمن فيها.

مخاوف أمريكية

لا شك أن هناك تخبطاً وانقساماً في الإدارة الأمريكية بين من يريد الإنسحاب من سوريا وبين من يعارضه، وبين من يرى أن من حق تركيا تأمين المنطقة وبين من يعارض ذلك. سمعنا مؤخراً من الرئيس المريكي، دونالد ترامب، تفهمه للهواجس الأمنية التركية. ومن هذا المنطلق، تطرق لفكرة إنشاء المنطقة الآمنة.

تأمل تركيا أن يتمكن الرئيس ترامب من إقناع إدارته بتنفيذ هذه الفكرة. وبرأينا يعود تردد الإدارة الأمريكية في هذا الأمر إلى خشية بعض الأطراف المعادية لها، ضمن الإدارة الأمريكية نفسها، من تعزيز مكانة تركيا ودورها الرائد في المنطقة في حال تسلمها إدارة لتلك المنطقة. بنفس الوقت، هناك مخاوف لدى إدارة الرئيس ترامب من قيام تركيا بعملية عسكرية لتأمين المنطقة إن استمرت واشنطن بالمماطلة، ودون التنسيق معها.

إن وجود هذه الآراء ربما يكون هو السبب الحقيقي في تردد الإدارة الأمريكية، حتى الآن، في قبول المقترح التركي.

إختلاف في الرؤى

تتمتع تركيا بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وكلا الدولتان عضوان في حلف الناتو؛ لكن هذا لا يمنع من وجود تباين واختلاف في الرؤى بين البلدين. فيما يتعلق بالملف السوري، طالبت أنقرة، منذ بداية العام 2012، بإقامة منطقة آمنة في الشمال، لكن واشنطن أصمّت آذانها عن ذلك. وحذر المسؤولون الأتراك الإدارة الأمريكية من الإعتماد على مجموعات إرهابية في مواجهة مجموعات إرهابية أخرى، أي الإعتماد على حزب العمال الكردستاني “الإرهابي” وفروعه السورية لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي، لكن المسؤولين الأمريكيين لم يصغوا لتحذير أنقرة فيما بعد توصل الطرفان إلى خارطة طريق حول منبج تقضي بإنسحاب الميليشيات الكردية منها وتسليم إدارة المنطقة لأبنائها.

لكن واشنطن ما تزال تماطل في تنفيذ الخطة. لقد شارف صبر أنقرة على النفاذ وتحملت كثيراً، حتى الآن، فالأمن القومي التركي “خط أحمر”، وهي لن تتردد في القيام بكل ما بوسعها لتحقيق هذا الأمن، سواء عبر عملية عسكرية أو دونها. إن تركيا مصممة على تأمين حدودها ولن يحول أحد دون تنفيذها لقرارها.

مصدر الصور: ترك برس.