أمجد إسماعيل الآغا*

من الواضح أن تداعيات القرار الأمريكي بالإنسحاب من سوريا لا تزال تلقى الكثير من التنديد لجهة محور واشنطن، حيث أن هذه الخطوة الأمريكية باتت عبئاً ثقيلاً لا يمكن الإحاطة بنتائجه على المدى المنظور، ولا شك بأن الحرب أفرزت مسارات سياسية وعسكرية جديدة ستكون مشهداً للشرق الأوسط خلال العقود القادمة.

وللإلتفاف على تداعيات الانتصار السوري وتقويض مفاعيله على المستويين الإقليمي والدولي، لا بد من استراتيجية أمريكية تشكل في أهدافها، البعيدة والقريبة، سبيلاً لضعضعة محور المقاومة، وإبطال الزخم السياسي والعسكري لهذا المحور. وبالتالي وبعد الهزيمة الأمريكية غير المعلنة في سوريا، سيتم توجيه هذا الزخم نحو إيران، صاحبة النفوذ الإقليمي القوي والتأثير الدولي الفاعل، ولا شك بأن تغير النظام في إيران هو جزء من الإستراتيجية الأمريكية الكبرى القادمة للشرق لأوسط، وهو حقيقة الأمر ما يُفسر زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لـ “بيادق” واشنطن في المنطقة. إضافة إلى ما تؤكده جُملة التصريحات والتغريدات الترامبية عن عزم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على البدء بترسيخ نظريات الحرب العسكرية والسياسية والإقتصادية ضد طهران. فقد كانت البداية في انسحاب الرئيس ترامب من الإتفاق النووي وفرضه عقوبات اقتصادية على طهران، ومهدداً بفرض عقوبات على أي دولة أخرى تشتري النفط منها.

إن انسحاب واشنطن عسكرياً من سوريا لا يعني إطلاقاً غياب الدورين السياسي والدبلوماسي التخريبي في المنطقة، فالإستراتيجية الأمريكية  الجديدة للشرق الأوسط تعتمد على وجود قواعد عسكرية في الدول الإقليمية القريبة من إيران. إضافة إلى هذا النوع من الضغوط، تسعى واشنطن، وعبر أدوتها، لإستدامة سياستها والعمل على تحقيق أهدافها، بدءاً بـ “البيدق الكردي”، مروراً بتركيا، الحليف الأطلسي، وصولاً لبعض الدول الخليجية ذات “الأهواء” الإسرائيلية.

بالتالي، فإن الإنسحاب الأمريكي المزمع لا يشكل في ماهيته بُعداً استراتيجياً يمكن التعويل عليه لجهة انكفاء الدور التخريبي لواشنطن في المنطقة، حيث أن توزيع الأدوار وبلورة الرؤى، تستكمل ما بدأت به واشنطن، ولا ضير من سياسات تكاملية عبّر عنها بومبيو بقوله “عندما يكون لدينا تحدٍ مشترك لا تكون النزاعات بين البلدان ذات الأهداف المشتركة مفيدة، ونأمل أن تزيد وحدة مجلس التعاون الخليجي في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة لأن هذه الوحدة ضرورية من أجل تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي.”

كلام الوزير بومبيو هذا جاء ترجمة حقيقية للتوجهات الأمريكية المقبلة، وعلى اعتبار أن إيران تشكل في تموضعها الإستراتيجي القوي بُعداً إقليمياً ودولياً، في آن، ضاغطاً على بعض دول الخليج وإسرائيل، نتيجة دورها في محاربة النفوذ الإمريكي “الإرهابي” في المنطقة. وعليه، ستكون إيران هدفاً امريكياً –  خليجياً – إسرائيلياً مشتركاً في انتظار استكمال الإجراءات التي تُفضي في خواتيمها إلى حرب عسكرية ضدها؛ وفي هذا عين الحماقة الأمريكية، نظراً للعديد من الأسباب الجوهرية على رأسها النفوذ الإقليمي القوي و المؤثر لإيران والضاغط دولياً.

إن زيارة الوزير بومبيو وما حملته من رسائل تصعيدية ضد طهران، لم تُفلح على ما يبدو في تبديد هواجس أدوات واشنطن في المنطقة، عقب القرار الامريكي بالإنسحاب العسكري، حيث أن هذه الزيارة وضمن عنوانها العريض، حملت هدفاً يراد منه طمأنة الحلفاء، ورص الصفوف لمواجهة النفوذ الايراني، فضلاً عن بلورة التحشيد الإمريكي لعقد قمة وارسو، يومي 13 و14 فبراير/شباط 2019. هذه القمة ستبحث العديد من القضايا وسلّم أولوياتها تحشيد إقليمي ودولي ضد إيران، إذ من المتوقع أن تتمخض مقرراتها عن ولادة “ناتو عربي” بقيادة الكيان الصهيوني.

ما يُحاك ضدها إقليمياً ودولياً، تلقته الجمهورية الإسلامية بقليل من الإهتمام حيث أن “واثق الخطوة يمشي ملكاً”، وهذا هو حالها. فالدولة ذات النفوذين الإقليمي والدولي والمشرف بل والمتحكم بمعابر الطاقة العالمية، لديها الكثير من الأوراق الرابحة سياسياً وعسكرياً؛ فضلاً عن الحلف القوي الذي يجمعها مع كل من سوريا والعراق وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، يُضاف إليه الحلف الإستراتيجي مع روسيا.

كل هذه العوامل ستجعل من أي حلف أمريكي جديد ضد إيران، كمن “يلعب مع الشيطان”، والقادم من الأيام سيكشف حقيقة التوجهات الأمريكية – الخليجية – الإسرائيلية، وستكشف أيضاً حجم القوة الإيرانية ورسائلها التحذيرية.

*كاتب وإعلامي سوري

مصدر الصور: سبوتنيك.