إبراهيم ناصر*

في وقت تتبادل فيه أنقرة وباريس حربا كلامية بسبب “إبادة الأرمن”، صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت، خلال مشاركته بالجلسة الرئيسية لمؤتمر ميونيخ للأمن، حيث قال: ” إن مصر استضافت قبل 100 سنة الأرمن، بعد المذابح التي تعرضوا لها في بدايات القرن العشرين، وأنهم ووجدوا الأمن والسلام والاستقرار لدينا”.

ويزعم الأرمن أن 1.5 مليون من أسلافهم قتلوا بشكل منظّم قبيل انهيار الدولة العثمانية، وأقرّ عدد من المؤرّخين في أكثر من عشرين دولة بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا بوقوع الإبادة، وهذا ما ترفضهُ تركيا البتة، معتبرة المجازر التي تزعم أرمينيا بأنها تعرضت لها أيام الدولة العثمانية، قد تكون مزاعم لا أساس لها من الصحة، وتقول إنّ السلطنة العثمانية شهدت في نهاية عهدها حربا أهلية تزامنت مع مجاعة، مما أدى إلى مقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمنيا، وعدد مماثل لهم من الأتراك.

وبالتاكيد تصريح السيسي سيكون بمثابة صب الزيت على نار العلاقات المصرية التركية والمتأزمة من أصلها لأسباب عديدة، تتقدمها، رفض تركيا لإنقلاب السيساوي ضد الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، بجانب إيواء ودعم تركيا لمنسوبي جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك إحتضان القاهرة لمجموعة فتح الله غولن الإرهابية، وبجانب السباق بين الدولتين في تصدر قيادة منطقة الشرق الأوسط.

دلالات توقيت تصريح السيسي

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن في الخامس من فبراير/ شباط الجاري أن بلاده ستحيي يوما وطنيا لذكرى  “إبادة الأرمن” ليفي بذلك بوعد أطلقه خلال حملته الانتخابية بإدراج الإبادة الأرمنية ضمن جدول الفعاليات الرسمي الفرنسي، وما إن أعلن ماكرون ذلك حتى ثارت ثائرة أنقرة وسارعت إلى التنديد بقراره وإدانته، إذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة له مع قناة “ايه خبر” التركية “لقد قلت لماكرون أنت ما زلت مبتدئا في السياسة، تعلم أولا تاريخ بلدك”، على حد قوله.

وتركيا مشغولة بحرب ضد كل الأطراف المهددة لأمنها القومي في سوريا والعراق، تسعى بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية لإعاقتها من خلال الضغط عليها بتهديدها بفرض عقوبات إقتصادية عليها، وأخرى بالإعتراف بـ “إبادة الأرمن”، كفرنسا كما ذكرنا في أعلاه.

والسيسي بدوره يريد إغتنام فرصة الضغط الدولي على أنقرة، من أجل تنفيذ أجندته الخاصة، بحيث يتمكن للتفاوض مع تركيا من مصدر قوة، ويدفع أنقرة الى الإعتراف بنظامه الإنقلابي ضد أول رئيس مصري منتخب، فضلاً عن إجبارها لتوقف عن تحركاتها في إقليم البحر الأحمر، والمهددة لأمن مصر القومي.

وترى تركيا بأن العلاقات التي نسجتها مع دول منطقة القرن الإفريقي خلال السنوات الماضية تعتبر عن مكتسبات لها، وبالتالي من المستبعد أن تتخلى تركيا عن سياستها حيال هذه المنطقة مهما مورست ضدها من ضغوط خليجية ومصرية.

وحاصل القول، عقب تصريح السيسي الذي لوح فيه بأنه سيعترف نظامه بـ”إبادة الأرمن”، وبالتالي يمكننا نتوقع حدوث تصعيد سياسي بين أكبر دولتين شرق اوسطيتين، وهذا التصعيد قد يضر بالعلاقات الإقتصادية التي لم تعصف بها عواصف السياسة.

*متخصص في الشؤون الإفريقية وباحث في مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام

 

مصدر الصورة: مصر العربية.