د. عبدالله الأشعل*

المشروع الصهيوني هو مشروع سياسي استعماري استيطاني يهدف إلى تجميع اليهود وحدهم في كيان واحد واستقروا على فلسطين، فحاولوا أن ينشئوا علاقة تاريخية ودينية بينهم وبين فلسطين، وتستروا باليهودية لكي تكون كل فلسطين دولة اليهود وحدهم، ثم تحايلوا فى مختلف محطات المشروع وهم مصرون على تنفيذه فابتدعوا عدداً من الأساطير التي تعني تفندها هذه المقالة.

الأسطورة الأولى هي أن اليهود كانوا في فلسطين وشردوا منها وهم يستردون ملك أجدادهم وأن هذا الوعد موجود في التوراة. وردنا أننا لو أخذنا بنظرية الإسترداد بناء على فترة مكوث معينة في أرض لغيَّرنا جميع خرائط العالم ولعاد المسلمون إلى أسبانيا خصوصاً أنهم أقاموا فيها حضارة لأكثر من ثمانية قرون، ولعاد العثمانيون إلى الدول العربية، وقد استمروا فيها من العام 1416 حتى العالم 1924 أي أكثر من خمسة قرون، ولعاد سكان أمريكا إلى أرضهم التي طردهم منها المستعمرون الأوروبيون منذ ما سمى بـ “إكتشاف القارة الأمريكية” بعدما تبين أن الكشوف الجغرافية مبرر أوروبي يسبق الإستعمار لأن كل البلاد التي زعموا اكتشافها كانت مسكونة بأهلها الأصليين.

فيما يخص المبرر الديني، فلقد أخبرنا القرآن الكريم أن اليهود حرفوا التوراة كي تتفق مع أطماعهم، وهم كانوا يكذبون الرسل رغم كثرة أنبيائهم، وكانوا يقتلونهم “أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم فريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون”. لذلك، يسقط كلا المبررين التاريخي والديني. وقد استند الصهاينة العرب على تفسير مشبوه للقرآن الكريم، فقالوا أن الله كتب فلسطين لليهود “ادخلوا الأرض التي كتب الله لكم” وهو ما لا يستقيم مع صلب الأحكام في القرآنية لأن الله لم يخصص سوى المسجد الحرام والمسجد الأقصى بيوت الله، إذ لا يتصور أن يخصص فلسطين لليهود الذين قال القرآن فيهم أكثر مما قال “مالك في الخمر”، فهم الذين لعنهم الله بكذبهم عدة مرات وكتب عليهم العذاب والتمزق إلى يوم القيامة وهم الذين تحايلوا ومكروا على الله بل وتطاولوا عليه سبحانه.

الأسطورة الثانية هي أن بني إسرائيل “شعب الله المختار”. وردنا أن معيار التفاضل عند الله هو التقوى وأن الله سبحانه لا يفضل بعض خلقه ولا يصطفيهم إلا بهذا المعيار، ثم أن الله جلت قدرته لا يخصص الأرض لأحد خلقه ولا يستعدي بعضهم على بعض وقد سبق أن زعم اليهود والنصارى أنهم أصفياء الله وأحباؤه افتراء وكذباً كما زعموا أن الجنة لن يدخلها إلا اليهود والنصارى مثلما زعموا أن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، بل وتلاسن كل من اليهود والنصارى فقال اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ، وقد أفحمهم القرآن الكريم.

صحيح أن الله اختار بني إسرائيل واختصهم بنزول الرسالة الأولى عليهم كما أنزل عيسى بالإنجيل من شدة كفرهم، فإحتاجوا الى رسولين برسالتين. فقد بعث الله أنبياءه إلى جميع الأمم مبشرين ومنذرين لكي لا يكون لهم حجة بعد الرسل، ولم يرسل الله رسوله الخاتم وكتابه الحق للعالمين كافة من العرب بسبب حبه لهم. ولو صدق زعم اليهود في مسألة التفضيل، لكان العرب أولى بهذا الشرف خصوصاً بعد ثبوت عدم صلاحية اليهود لحمل الرسالة لكفرهم بالله عدة مرات والذي لعنهم إلى يوم القيامة لكفرهم وكذبهم عليه وتحريف الكلام عن مواضعه، وتلاعبهم بالدعوة إلى الإيمان.

الأسطورة الثالثة هي أنهم جاءوا فلسطين هرباً من الإضطهاد وأنهم لاجئون مستعطفون، والصحيح أنهم غرورا بأهل البلاد التي عاشوا فيها كعادتهم بما لديهم من “عقد نفسية” بأنهم أرقى من شعوب تلك البلاد وأنه لا سبيل إلى العيش معهم، والصحيح أيضاً أنهم جاؤوا إلى فلسطين وفي نيتهم طرد أهلها بعد أن يستقر لهم المقام والتمكين.

الأسطورة الرابعة هي أنهم قسموا فلسطين حتى يفصل التقسيم بين الطرفين توطئة للإتحاد مرة أخرى، والصحيح أن بريطانيا تعمدت التقسيم لتوهم العرب والعالم أن هذا هو الحل علماً بأن هذا الزعم سوى بين الضيف وصاحب البيت، وافترض أن الطرفين متساويين في حق البقاء وإن كان مؤقتاً. من هنا، كان قرار التقسيم الخطوة الأولى في تجسيد الأساطير على الأرض، برعاية بريطانية وأمريكية. لذلك، فإن من أعظم الأساطير أن العرب هم الذين رفضوا قرار التقسيم ولو قبلوه لكان خيراً لهم. صحيح أيضاً أن العرب، أصحاب الأرض، كبر عليهم أن يقسموا أرضهم مع المهاجرين والغرباء فكان رفض التقسيم موقفاً نفسياً صحيحاً وليس صحيحاً وهنا نذكر قول الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقييه، الذي قال “خذ وطالب”. فقد جربها الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في أوسلو، التي كانت من أهم محطات المشروع الصهيوني.

الأسطورة الخامسة هي أن السلام ممكن بين العرب وإسرائيل، والصحيح أن السلام الذي يراه العرب يناقض السلام الإسرائيلي – Pax Israeliana، فإسرائيل رفعت شعار السلام بمعنى البقاء للأقوى، في حين أن المشروع يريد كل الأرض من البداية مع التخلص التام من السكان، وكان ذلك واضحاً في كل الوثائق وأظهرها الحكم الذاتي في “كامب ديفيد”.

الأسطورة السادسة هي وجود صراع عربي – إسرائيلي وأن العرب جميعاً كانوا متربصين بإسرائيل، وأن استيلاءها على الأرض كان هدفه ضمان أمنها. فلماذا تم الإعتراف بها ولم يكن لهذا الكيان حدود نهائية؟ لكن الصحيح أن إسرائيل، منذ البداية، تسلحت بما يلزم عسكرياً ونفسياً وسياسياً ودولياً لكي تحقق مشروعها من خلال “إستحمار” العرب وتواطئهم وهزيمتهم هزيمة ساحقة في اعتداءات متتالية حتى ينكسروا من الداخل ويسلموا بتفوق إسرائيل. لذلك، كان من العبث إنشغال المفكرون العرب بتفسير طبيعة المشكلة مع إسرائيل هل الصراع على الوجود أم على الحدود.

لم تقم حرب بين العرب وإسرائيل وإنما الأخيرة هي التي اعتدت؛ حتى العام 1948، كان الأداء العربي منذراً لما بعده. فهي التي شنت العدوان على مصر، في العامين 1956 و1967، واحتلت سيناء وقايضتها بتحييد مصر وإخراجها من موازين القوى الإقليمية. وحتى في العام 1948، هي التي بدأت بتنفيذ المذابح ضد الفلسطينيين في وقت لم يكن العرب جادين بقمعها.

الأسطورة السابعة هي أن السلام مع العرب يقتضي قهرهم وهزيمتهم وأن إسرائيل لا تحتمل هزيمة واحدة، كما زعم المفكر المصري محمد حسنين هيكل، وتحتاج إلى أم رشراش المصرية – إيلات لأن استردادها سيحرم إسرائيل من منفذ على خليج العقبة، كما قال قائد سلاح الحدود المصري.

الأسطورة الثامنة هي أن الشرق الأوسط بإسرائيل وبلا عروبة وفلسطين أكثر نفعاً للعرب وأقرب إلى الإستقامة السياسية وتثبيت للحكام في مناصبهم وإن كان يضمن تفكيك الأوطان العربية، والصحيح أن إسرائيل التي زعمت أنها الأنفع للمنطقة هي التي دمرتها وأحبطت التحول الديمقراطي وكرست “حكم المستبد” وإفقار الشعوب وتحولها جميعاً إلى لاجئين وأقعدت هذه الدول عن أي تقدم.

الأسطورة التاسعة هي أن إسرائيل لا تهدد دول الخليج وإنما تعادي إيران بسببهم، والصحيح أن الخليج وإسرائيل أدوات واشنطن لمناهضة إيران والضغط عليها حتى تقبل الدخول في “بيت الطاعة” الأمريكي واقتسام “الجثة” العربية.

الأسطورة العاشرة هي أن إسرائيل عندما تكون دولة يهودية لن تكون دولة دينية وإنما هي أقرب إلى المسلمين السنة من الشيعة. والصحيح أن دولة اليهود، وهم ملعونين في القرآن، هي تكريس للكفر والشر والكيد لكل المسلمين وشق صفوفهم والتستر خلف التوراة، فهي أسطورة هدفها قبول طرد الفلسطينيين من أرضهم وتوطين من يوجد منهم بالخارج.

الأسطورة الحادية عشرة هي أن “صفقة القرن” تضمن السلام والرخاء للفلسطينيين والجميع، والصحيح هو أنها تضمن تكريس فلسطين لليهود وسلام المقابر للفلسطينيين.

الأسطورة الثانية عشرة هي أن اليهود المطرودين من الدول العربية لهم الحق بالتعويض ولا حق للفلسطينيين في العودة أو التعويض لأنهم هم من فر إلى الخارج، والصحيح أن الدكتاتورية العربية قدمت أكبر خدمة لإسرائيل في هذا الملف عندما طردت يهوداً من سكان البلاد العربية الأصليين لكي يكونوا وقودا للمشروع الصهيوني في فلسطين، والحل عندي هو عرض عودة هؤلاء المطرودين إلى بلادهم ولكن دون أن يكونوا حصان طروادة لإسرائيل.

الأسطورة الثالثة عشرة هي أن إسرائيل إكتسبت شرعية بعضويتها في الأمم المتحدة وبإعتراف معظم دول العالم بها في حين أنها لا بقرار التقسيم، والصحيح هو أن إسرائيل لا شرعية لها لأنها استخدمت قرار التقسيم مرحلة للتمكين ولم تحترم ما جاء فيه، كما لم تحترم شروط قبولها في المنظمة الدولية. أما الإعتراف بها، فيجب سحبه لأنه لا تتوفر لها مقومات الدولة وإنما هي “عصابة” اغتصبت الأرض وقتلت السكان وتسترت بالدين وتمكنت بالقوة الخرقاء.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصور: سي.أن.أن عربية – يورو نيوز.

موضوع ذا صلة: شرعية الحاكم العربي بين إسرائيل وفلسطين