د. نواف إبراهيم*

جردة حساب

عشر سنوات تقريباً على بدء الحرب غير العادلة ضد الجمهورية العربية السورية وشعبها، الحرب غير الأخلاقية التي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2011، مع عشرات الحكومات والحلفاء الإقليميين والدوليين الذين إتبعوها، تحت شعارات زائفة مثل حماية الحريات وحقوق الإنسان وحماية القانون الدولي.

تحت هذه الشعارات دُمرت دول بأكملها وقتلت الملايين من الناس في العالم، خاصة في الشرق الأوسط، تحت إطار ما يسمى “الربيع العربي” أو ما يسمى بـ “الشرق الأوسط الكبير”، الذي أدى إلى حالة مأساوية من القتل والتشريد والتدمير، مثل هذا وقع في العراق وليبيا واليمن وفلسطين وسوريا المحتلة جزئياً، وباقي الدول بحالة نسبية، لكن سوريا كانت العقبة الرئيسية أمام تنفيذ هذا المشروع.

جمع الغرب الأمريكي كل إمكاناته ضد منطقة الشرق الأوسط، من أجل السيطرة على قدراته والسيطرة على خطوط التجارة والنقل فيه، وخاصة خطوط نقل النفط والغاز، التي تمر عبر سوريا لإستبعاد روسيا إقتصادياً، فشل هذا المشروع بشكل بائس، لكن التكلفة كانت مرتفعة جداً، خاصة دمشق، التي لا تزال منذ بداية هذه الحرب تواجه هجمات وإرهاب دولي وإقليمي، والحرب التي تصاحبها كانت وسائل الإعلام والحصار والمجاعة والتشريد للشعب السوري، لكنها قادرة على الصمود بمساعدة جيشها وشعبها وقيادتها بدعم من حلفائها الإقليميين والدوليين، بقيادة الإتحاد الروسي وإيران ومن معهم من القوى الرديفة والحلفاء الإقليميين والدوليين، وما زالت قائمة وتواجه جميع المشاكل، على الرغم من الضغوط الهائلة التي تمارس عليها وعلى وحلفائها.

تتحمل الولايات المتحدة وجميع الدول والقوى، التي شاركت في قتل الشعب السوري وتدمير ممتلكاتهم ونهب ثرواتهم، المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذه الحرب بما في ذلك الكيان الصهيوني – “إسرائيل” ودول الإتحاد الأوروبي مع تركيا وبعض الدول العربية في الخليج، وكذلك المتطرفون الإسلاميون الذين جاءوا معهم، مسؤولون عنهم. جاؤوا بهم من جميع أنحاء العالم، كيف يمكنهم نشر الأمن والإستقرار والسلام من خلال الجوع والإستعباد وتشريد الشعب السوري، كل هؤلاء معهم أولئك الذين دعموهم، وأولئك الصامتون عن أفعالهم الإجرامية، جميعهم يجب أن يكونوا مسؤولين تماماً عما حدث للشعب السوري وعن الجرائم التي ترتكب ضد الدولة والشعب ومعهم الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجميع المنظمات التي تنتمي إليهم، لأنها لم تكن إلى جانب القانون وساهمت في إنتهاك القوانين والمعايير الدولية التي تضمن سيادة الدول وحقها أن تعيش بسلام وتعارض الإرهاب والإحتلال وحقهم في الحياة وتقرير المصير، نعم، لقد شاركوا جميعاً في محاولات قتل سوريا.

الصمود السوري وإنتزاع الحياة من رحم المعاناة والموت

اليوم، تعاني سوريا من نزوح وتشريد الملايين من سكانها داخل وخارج حدودها، ويصبح كل شخص ضحية للإتجار بالبشر وتقوض وتنتهك حياته بشكل غير قانوني، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي. إنها ديمقراطية يعاني منها الشعب السوري الذي يعاني من الجوع القسري، ويقطع عنه الغذاء والدواء، وتنهب ثرواته من النفط والغاز وتحرق المحاصيل. هل هذه هي الإنسانية والديمقراطية التي يتشدق بها هؤلاء المعتدون؟

اليوم، بعد كل هذه السنوات من الحرب، وصلت سوريا إلى أوضاع صعبة للغاية ولكن ينبغي أن تكون أصواتنا صامتة بأي حال من الأحوال، ولا يجب إتخاذ خطوات بطيئة، بل يجب إتخاذ إجراءات حازمة ويمكن القيام بذلك على الرغم من كل الصعوبات.

إغلاق الممرات الإنسانية، سواء كانت في طريق المساعدات الإنسانية دون تنسيق مع الحكومة السورية أو منع خروج المدنيين من المناطق التي لا يزال يسيطر عليها الإرهابيون، علاوة على ذلك، يتم نقل المساعدات الإنسانية دون تنسيق مع الحكومة السورية من خلال نقاط التفتيش القانونية، حيث يتم إرسالها إلى الإرهابيين الذين يبتزون المدنيين الذين يأسرونهم، والذين يلتقطونهم. كدروع بشرية، يتبادلون عناصر المساعدة هذه لكسب المال، علاوة على ذلك، نقل المعدات والأسلحة العسكرية تحت غطاء المساعدة الإنسانية. كل هذا يجب أن يوضع له حد بما تيسر.

لا بد من لفت الإنتباه هنا إلى حقيقة أن الشعارات التي إستعملت نيابة عن الشباب في سوريا والتي يزعم أنهم يريدون من خلال حياة جديدة، وأنهم تعبوا من الجيل القديم، كلها أكاذيب، وقد ظهر ذلك بوضوح منذ بداية الحرب ضدها، وأصبح أكثر وضوحاً بعد كل هذه السنوات من الحرب. هذا واضح ولا يحتاج إلى تفسير، هذا الشعب يقف وراء الجيش والقيادة السياسية للبلاد، بقيادة الرئيس بشار الأسد.

عندما نعود إلى حديثنا، نرى أن الشباب عاشوا بشكل جيد، ودرسوا مجاناً في المدرسة والجامعة، وحتى تلقوا علاجاً مجانياً. كل شيء على ما يرام الى حد مقبول جداً. إن الولايات المتحدة هي دولة تنتهك القانون الدولي تحت شعار تعزيز الديمقراطية وتتجاهل ميثاق الأمم المتحدة. وتستخدم أساليب الحصار والحظر لقتل الشعوب وتستخدم هذه الأساليب لسرقة الدول الأخرى بشكل عام ومسحها عن وجه الأرض. وفقاً لأحدث دراسة (هذه أرقام رسمية)، يعيش 20% من سكان الولايات المتحدة بدون أي تأمين، و30% لديهم مستوى معيشة منخفض، و30% آخرين ببساطة بدون مأوى. بدلاً من بناء فنادق للقطط أو الكلاب والفشل الذريع في مواجهة وباء “كورونا” الذي فضحهم، كما هو الحال غالباً في الغرب، كان من الأفضل لهم إطعام شعوب أفريقيا، حيث يموت الملايين من الناس كل عام. لذلك، أود أن أقول إننا نحمل مسؤولية كبيرة للغاية على أكتافنا. نعم، الولايات المتحدة قوية، لكنها قوية بأسلحتها. نحن أيضاً أقوياء بأسلحتنا، لكن أسلحتنا إنسانية، بالتسامح، والتعاون، والإيمان بالقضية وحماية القيم الإنسانية والإستثمار الذاتي لمقدراتنا وبدعم من أصدقائنا وحلفائنا المخلصين وبالقوة عند اللزوم بما لدينا.

الحرب الإعلامية التضليلية القذرة

لا يجب أن ننسى محاولات الأعداء لنشر أنباء كاذبة بأن الحكومة السورية تقتل شعبها وترميهم وتضربهم بالأسلحة الكيماوية. هذه السلسلة الزائفة شبيهة بسلسلة الأكاذيب والإفتراء على العراق الذي ما زال يعاني منها حتى يومنا هذا.

لم يسمع شخص واحد أي شيء عن هذا. بما أنه لم يكن هناك قصة واحدة تثبت هذا على القنوات الغربية، كل التحقيقات رغم تسييسها وتضليلها كانت تؤكد مرة تلو الأخرى أنه لم يكن هناك أي إستخدام للأسلحة الكيميائية من قبل الدولة السورية وحلفائها، إذ سلمت دمشق ترساناتها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية – OPCW في العام 2014. بعد أن قام الأمريكيون بمحاولات لعب نفس الأداء في العام 2013، أرادوا ببساطة قصف سوريا. ثم إستخدمت روسيا حق الفيتو مع الصين في مجلس الأمن الدولي.

تضغط دول حلف شمال الأطلسي على روسيا. وعلى عكس الغرب الذي يطلق العنان للحروب ويولد الفوضى، يسعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أجل السلام. سوف تظهر موسكو الجميع كل في مكانه الحقيقي خصوصاً وأنها عادت إلى الساحة السياسية الدولية، كما كانت خلال الإتحاد السوفيتي. روسيا هي الدولة الوحيدة التي تقول لا للغرب. إن زمن العالم الآحادي القطب الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية أصبح من الماضي.

روسيا الصديق الوفي والحليف المخلص يدعمه موقف إقليمي دولي

قبل الإنتقال إلى محاور تالية، لا بد هنا من التذكير بأن روسيا قدمت وتقدم دعماً إنسانياً وعسكرياً وإقتصادياً كبيراً لسوريا، وكذلك قدمت الدماء والشهداء، وتواصل دعم الشعب السوري لحمايته وحماية بلاده كدولة واحدة في جميع المحافل والمنظمات الدولية، ومن الواضح أنه في الظروف القاسية الحالية، تتعاون روسيا مع حلفاء آخرين، وخاصة الصين وإيران وبعض الدول. في وقت تسعى فيه أطراف أخرى من آسيا وأمريكا اللاتينية وحتى بعض دول المنطقة إلى الحفاظ على صمود سوريا في مواجهة هذه الحرب الوحشية والظالمة، ولكن بعضها مقيد بإلتزامات ومعاهدات إقليمية ودولية تعيق حركته في هذا الإتجاه. ولكن في نهاية المطاف، يؤكد التاريخ أن سوريا وحلفاؤها سينتصرون، وسيعود الأمن والإستقرار والسلام إلى ربوعها.

في العام 2015، تطورت الأوضاع ووصلت إلى وضع حرج في سوريا، إذ سعى العدو للاستيلاء على العاصمة دمشق. حينها لجأت القيادة السورية، بشخص الرئيس الأسد، إلى روسيا طلباً للمساعدة العسكرية. في سبتمبر/أيلول 2015، بدأت القوات الجوية الروسية في تقديم المساعدة العسكرية، وكانت نقطة تحول في الحرب ضد الإرهاب الدولي. وإستطاع الجيش السوري بدعم الحلفاء تحرير أكثر من 80% من أراضي الدولة. وفقاً لوزارة الدفاع الروسية، تم القضاء على 865 من قادة الجماعات الإرهابية، وأكثر من 130 ألف مقاتل مجرم وقاطع طريق، بما في ذلك أكثر من 4500 ألف متطرف جاءوا من دول الإتحاد السوفيتي السابق.

روسيا دعمت وتدعم الدولة السورية في ساحة الميدان في حربها ضد الإرهاب وأيضاً تساعد في الدفاع عن مصالحها على الجبهتين السياسية والدبلوماسية في جميع المحافل الدولية. وهذا كان واضحاً منذ البداية خاصة في خطاب الرئيس بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، العام 2015، حيث أعرب عن دعمه القوي للرئيس الأسد في الحرب على الإرهاب والحفاظ على كيان الدولة السورية، ودعا المجتمع الدولي إلى القتال المشترك ضد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”، وإقترح تشكيل تحالف، وأعلن الحاجة إلى عملية سلام لحل مشاكل سوريا.

في ظل هذه الظروف، نقدر بشكل خاص الدعم الذي تقدمه لنا كل من الصين وإيران وبالطبع الحليف الروسي الوفي. وبالعودة إلى العام 2018، وبعد إدراك أن استعادة سوريا أمر مستحيل دون التشغيل الطبيعي لقطاع الطاقة، تم مؤخراً خلال زيارة وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء، يوري بوريسوف، إلى دمشق وتم التوقيع على إتفاقية سورية – روسية بشأن ترميم 40 منشأة صناعية مختلفة، بما في ذلك محطات الطاقة الكهرومائية ومؤسسات إنتاج النفط في البلاد.

القضية السورية مركز سمت البوصلة الروسية

هنا لا بد من الإشارة وبإسهاب إلى أنه من الواضح أن روسيا تعيش حالة من البحث عن حلول لتواجدها وإستراتيجيتها في المنطقة بشكل عام وفي سوريا ولبنان على وجه الخصوص وهذا من حقها ومن الطبيعي أن يكون لدى روسيا تخوفات كبيرة على مصالحها في ظل الأحداث الدولية الحالية إذ تظهر بالشكل العام أو يفهم أن هناك بعض عدم القدرة على تحديد السمت اللازم للتحرك بما يضمن تحقيق هذه المصالح في مواجهة القوى الإقليمية والدولية التي تفعل كل ما بوسعها لإعاقة التمدد الروسي كلاعب دولي أساسي ومنعها من تثبيت تواجدها في المنطقة وعلى الساحة الدولية.

الدليل على ذلك أن جميع مراكز الدراسات والأبحاث والجهات الحكومية والمختصة تحاول في الوقت الحالي أن تعمل كخلايا نحل متفرقة ولكن الهدف واحد هو إيجاد حل سريع لمعرفة تموضع روسيا بالشكل الصحيح بما يضمن الحفاظ على حلفائها ومصالحها ووضع خطة إستراتيجية طويلة الأمد تحقق لها الإستقرار في المنطقة والعالم من خلال تقديم الدراسات والتقييمات اللازمة من أجل تأمين قاعدة إستشارات وبيانات ومقترحات تساعد الرئيس بوتين والقيادة الروسية على إتخاذ كل القرارات الدقيقة بهذا الخصوص بما يضمن مصالح الجميع، كون روسيا تعتمد على أساس إحترام سيادة الدول ومصالحها وليس كما تفعل واشنطن والعواصم الغربية.

هناك من يقول أن روسيا لا تستطيع فعل شيء وهذا التقييم غير دقيق، فهي قادرة على فعل كل شيء مع تعاظم دورها الدولي وقوتها العسكرية وإتزانها الدبلوماسي والإقتصادي الموجه لخدمة مصالح البشرية من خلال التقاسم العادل للثروات والمقدرات المتوفرة، ولعل روسيا فعلاً سلمت نفسها للقدر في فترة ما وتركت الحلول للسماء خاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وقبل وصول الرئيس بوتين إلى سدة الحكم، فهي قبل ذلك لم توفق في إيجاد نقاط توافق وإلتقاء حقيقية مع الولايات المتحدة ودول الغرب بسبب سياساتهم الرعناء ولا في منطقة الشرق الأوسط مع الحلفاء خاصة إيران التي لها وزن ثقيل في المنطقة وما جرى بعد ذلك في سوريا ولبنان والمنطقة ككل أثبت صحة ذلك.

هناك حاجة لروسيا إلى حلفاء إقليميين أقوياء يعون حدودهم وإمكاناتهم وقدرتهم ويحترمون المصالح، وهذا أيضاً ظهر في سلوك التركي بعد بداية الحرب على سوريا ومرت فترة لم تستطع روسيا لجم التركي الذي وصلت به الوقاحة إلى أن يسعر عدم الإستقرار على حدودها في ناغورنو كارباخ ومناطق أخرى في المحيط الجيو- سياسي الروسي ضمن إستراتيجية حلف الناتو لخنق روسيا، ويقول نحن هنا ولا يهمنا ردكم نتدخل أينما نريد وفي أي مكان يهدد مصالحكم، وكذلك الأمر بخصوص كيان الإحتلال الإسرائيلي فروسيا لم تستطع لجمها من متابعة الإعتداءات على سوريا وحلفائها منذ بداية الحرب والكثير من الأمور الأخرى التي تتعلق بالداخل السوري وتحديداً الوضع المعاشي والإقتصادي المنهار ليس لأنها عاجزة بل لأنها تعي تماماً من وإلى أين يحاولون جرها في هذه المعمعة العالمية المسبقة الصنع.

لا يكفي أن يكون هناك دعم لوجستي وعسكري إن لم يرتقِ التعاون في المجالات الأخرى بالتوازي ليصل إلى نفس المستوى لأنه بعد فترة قولاً واحداً سوف تنتهي الحرب وسوف تجبر القوات الروسية على الإنسحاب من الأرض بعد القضاء على الإرهابيين بشكل نهائي أو تنكفىء في قواعدها في حميميم وطرطوس بحكم الإتفاقات الإقليمية والدولية التي يتم ترتيبها؛ بالتالي، لن يحل التواجد العسكري الروسي المشاكل بالقوة والصواريخ في داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، فموسكو حتى اللحظة لم تحدد إيديولوجيتها وإستراتيجيتها في المنطقة ككل وفي سوريا تحديداً، وها هو لبنان “سكين” جديدة في خاصرة سوريا وهذا بحد ذاته يُعمل عليه لإيذاء روسيا ومصالحها في سوريا ولبنان والمنطقة ككل وخاصة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي بفعل التقسيمات السياسية والموضوع الإقتصادي المتعلق بقضية الغاز في البحر وضربة قاضية في تطبيق وتحقيق مشروع “طريق الحرير” و”طريق واحد حزام واحد” وهذا ما ينضم إليه فيما يجري في ناغورنو كارباخ وبحر الصين والعراق واليمن وحول إيران.

*كاتب وإعلامي سوري – روسيا.

مصدر الصور: أرشيف سيتا + TeleMedia OnLine.

موضوع ذا صلة: الإنسحاب العسكري الأمريكي من سوريا: تكتيك أم فوضى؟