تستمر الاشتباكات النشطة في السودان، بين قوات الرد السريع والجيش السوداني، بعد أن دعا قائد قوة الرد السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” مقاتليه إلى التعبئة واحتلال المدن الرئيسية في البلاد، ووصف نواب مجلس السيادة برئاسة عبد الفتاح البرهان هذه الأعمال بأنها غير قانونية.

لكن من الغريب أنه، قبل يومين من التصعيد، عقد حميدتي اجتماعات مع المبعوثين الخاصين للولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج. في السودان.

وفيما يلي ملخص واضح لفهم ما حدث ويستمر في الحدوث، حيث تطورت التوترات بين قوات الرد السريع والنخبة العسكرية بقيادة البرخان، حيث رفضت قوات الرد السريع الاندماج في هياكل الجيش، وكان هذا أحد شروط تشكيل حكومة انتقالية، لكن حميدتي، من ناحية أخرى، يعتقد أن حل قوات الرد السريع في الجيش النظامي سيقوض مواقفه السياسية، بالتالي، إن السبب المحتمل لما يحدث كان احتلال القوات الجوية المصرية والجيش السوداني لمطار مروي.

وهنا جدير بالذكر أنه منذ 4 أبريل، تجري السودان ومصر تدريبات مشتركة هناك، لكن الشائعات بدأت تنتشر بأن البرهان سينقل المطار إلى مصر للاستخدام الدائم، ومطار مروي هو واحد من نقاط الانطلاق الرئيسية لقوة الرد السريع للأسلحة والذهب.

ففي الساعات الأولى من التصعيد، استولت القوات الثورية على مطار مروي واعتقلت الكوماندوز المصريين، حيث لا يزال مكتب المخابرات العسكرية محتجزاً بالمنشأة، لكن حميدتي قال إنه كان يعمل مع مصر لإعادة السجناء، الذين لم يصب أحد منهم بأذى، ومن المعروف أنه على الصعيد القانوني والدولي هذا قد يخلق أزمة دبلوماسية كبيرة إن لم يتم إطلاق سراح الجنود المصريين.

أحداث الخرطوم

ومن تبعات هذا الوضع أن توقف مطار السودان الدولي عن استقبال الرحلات الجوية، حيث تسبب قصف بقذائف الهاون في إصابة طائرتين مدنيتين، إحداهما أوكرانية، كما أنه خلال القتال العنيف في المدن، استولت قوات الرد السريع على القصر الرئاسي ومبنى هيئة الأركان العامة للجيش السوداني، ما لبث أن نفى ممثلو مجلس السيادة هذه المعلومات.

بالإضافة إلى ذلك، اندلع قتال عنيف بالقرب من مكاتب شركات الاتصالات التلفزيونية والإذاعية في السودان، واللافت أن كلا الطرفين المتقاتلين يدعي السيطرة على المرافق، أيضاً، أغلقت القوات المسلحة جميع مداخل المباني، وأمرت نخبة الجيش بتقييد التلفزيون الحكومي والإنترنت في البلاد، وأصبح يعرض التلفزيون أغانٍ شعبية بدل برامجه المعتادة وفق ما أفاد به مواطنون محليون.

لكن بعد فترة من بدء النزاع، بدأت القوات الجوية السودانية الموالية لقيادة الجيش في قصف منشآت قوات الرد السريع في الخرطوم، حيث شوهدت معدات ثقيلة في الشوارع، وكلا الجانبين يستخدمان قذائف الهاون.

وجدير بالذكر أن قوات الرد السريع شنت هجوماً على مخبأ مزعوم للبرخان، رئيس الأركان العامة ووزير الدفاع، لكن لم يتم الإعلان عن نتائج الهجوم، إنما مقطع فيديو تم نشره يؤكد أن البرهان طليق ومنشغل بتفتيش القوات، أيضاً دارت اشتباكات في محافظات مختلفة من البلاد، نتيجتها أن سقط قتلى مدنيين في مدينة الفاشر بشمال دارفور، أما في جنوب دارفور فهناك معارك جارية تهدف للسيطرة على مطار عاصمة الإقليم نيالو.

وبحسب قوة الرد السريع، سلمت الحامية المحلية الشيء إلى المتمردين وذهبت إلى جانبهم، كما تمكن متمردو قوات الرد السريع من الاستيلاء على المطار الذي سمي على اسم الشهيد صبيرة في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

تستخدم قوات الرد السريع والقوات المسلحة السودانية بنشاط المعلومات المضللة وتطالب بالسيطرة على المواقع وتحويل وحدات العدو إلى جانبهم من أجل إحباط معنويات المعارضين، كما تجعل عمليات إغلاق الإنترنت من الصعب التحكم بشكل موضوعي والقدرة على التأكيد الموثوق به للجانب الذي له اليد العليا حالياً، ومع ذلك، بالنظر إلى الموارد الرائعة لقوات الرد السريع – ما يصل إلى 100000 فرد – والحجم المماثل للجيش النظامي، سنشهد في الأيام المقبلة على ما يبدو استمرار الاشتباكات في مناطق مختلفة من البلاد.

المرافق الحيوية البحرية حيث اندلعت الاشتباكات بالقرب من بورتسودان، ويزعم الجيش السوداني أنه سيطر على قواعد لقوات الرد السريع في سبع مدن، من بينها بورتسودان، لكن لا يوجد تأكيد لهذه المعلومات، والسبب معروف قطع الإنترنت والاتصالات.

المعروف حتى الآن أن القوات المسلحة السودانية كانت قد سيطرت على مقر قوة الرد السريع بولاية القضارف على الحدود مع إثيوبيا، وشن الجيش أيضاً غارات جوية على قاعدة لقوات الرد السريع في مروي، وأعلنت قوة الرد السريع عن سيطرتها على عدد من المنشآت الاستراتيجية في العاصمة وخارجها، بما في ذلك القيادة العامة للقوات المسلحة والثكنات العسكرية في منطقة دارفور.

بالنتيجة وحده الإنسان من يخسر في هكذا صراعات، فقد لقي ما لا يقل عن 56 مدنيا مصرعهم وأصيب 595 آخرين منذ بدء القتال، وهذا وفق ما ذكرته نقابة الأطباء السودانية.

من جانبه، أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان حل قوات الرد السريع وأعلنت قيادة الجيش اليوم أنها لن تقبل أي مفاوضات مع المتمردين، وهذا من شأنه أن يؤجج الصراع بدل أن يهدئ الأحوال، بدورها، تحاول قوات الرد السريع العثور على البرهان واعتقاله، وبالتالي، فإن أطراف النزاع ليس لديهم عملياً أي خيارات سوى المزيد من التصعيد، وهذا هو المتوقع.

حرب أهلية مرتقبة وردود أفعال دولية

أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن قلقه العميق من تصاعد العنف في السودان ودعا إلى وقف فوري للقتال الدائر، مع الإشارة إلى أن أصابع الاستخبارات الأمريكية واضحة في هذا الصراع، إضافة إلى ذلك، وصف الوضع في الخرطوم بأنه “هش” وقال إنه على اتصال بفريق السفارة الأمريكية (الذي كان مع ذلك آمناً).

وقال أيضاً إنه قبل أسابيع قليلة، توصلت الأطراف المتصارعة في الخرطوم إلى اتفاق إطاري مهم للغاية بشأن الانتقال إلى حكومة مدنية – رغم أنه لا تزال هناك بعض القضايا المهمة التي “تحتاج إلى حل”.

لم يتوقف بلينكن عند هذا الحد وكأن إدارة بلاده على علم بما يحدث فقبل بعض الوقت، تحدث أيضاً إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حول القتال في السودان الذي “يهدد سلامة المدنيين السودانيين ويقوض الجهود المبذولة لاستعادة الانتقال الديمقراطي”، ولا أسهل من حدوث هذا الأمر حتى تتهم أمريكا، روسيا بضلوعها فيما يحدث في السودان، خاصة وأنها على حد زعمهم تستغل موارد السودان من الذهب لتمويل الصراع الأوكراني، الأمر الذي صرحت به بدورها القيادة الحالية للسودان.

كما يطلق على القيادة العسكرية في السودان اسم “المتلقين الرئيسيين للأسلحة الروسية وخدمات التدريب”.

يدعو الاتحاد الأوروبي بدوره، جميع القوات في السودان للتوقف فوراً الاشتباكات المسلحة وضمان حماية المدنيين، مشدداً على استعداده لدعم أي مبادرات وجهود تتخذ لحل الصراع في السودان، وذلك بالتعاون مع مصر والإمارات لتجنب مزيد من التدهور في السودان.

أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد ناقش الوضع في السودان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ودعا جميع الأطراف إلى وقف القتال وإعادة الهدوء وبدء حوار لحل الأزمة الحالية.

بدورها، دعت المملكة المتحدة القيادة السودانية إلى بذل كل ما في وسعها لاحتواء القوات ووقف التصعيد من أجل تجنب المزيد من إراقة الدماء، وقالت إن “العمل العسكري لن يحل الوضع”، أما كندا فقد عبرت عن قلقها العميق بشأن الوضع في السودان ودعت أطراف النزاع على وجه الخصوص إلى المشاركة العاجلة في العملية السياسية وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية.

الصين التي لها مصالح واستثمارات كبيرة في إفريقيا والسودان منها، فقالت إنها تراقب عن كثب الوضع في السودان وتعرب عن أملها في أن تكثف الأطراف المتصارعة الحوار. والمضي قدما بشكل مشترك في عملية الانتقال السياسي، وكان لماليزيا رأي مشابه، فقالت إنها تراقب بالمثل.

لكن ثمة تطورات تحدث في كل ساعة، فقد أعلنت قوات الرد السريع، أن معظم أراضي إقليمي كردفان ودارفور تحت سيطرتهم، ولم تنجح حتى الآن محاولة القوات المسلحة لتطويق القاعدة التي تسيطر عليها قوة الرد السريع في مدينة مروي، والآن تقوم حكومة تشاد المجاورة بسحب الجيش مع المعدات إلى الحدود مع السودان، والسبب الرسمي المعلن هو ضمان أمن المناطق الحدودية ومنع انتشار الأعمال العدائية إلى أراضي تشاد.

في موازاة ذلك، عرضت مصر وجنوب السودان التوسط في المفاوضات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الرد السريع، أما الأمم المتحدة فقالت إن الأطراف اتفقت على وقف القتال لمدة ثلاث ساعات لفتح ممرات إنسانية.

إلا أن المعارك الأشد ما زالت مستمرة داخل الخرطوم، حيث أعلنت قوة الرد السريع عن استيلائها على عدد من المنشآت الاستراتيجية، وبحسب آخر التقارير، فإن نحو 90٪ من العاصمة تخضع لسيطرة قوات الرد السريع، لكن من غير المرجح أن تكون هذه المعلومات صحيحة.

نجح الجيش السوداني، بسبب ميزاته في المعدات الثقيلة والطيران، في اعتراض ميزة قوات الرد السريع في العاصمة، وعلى وجه الخصوص، أعادت القوات المسلحة السودانية أراضي هيئة الأركان العامة للجيش التي كانت تحت سيطرتها.

المواجهات الإقليمية

تمكنت القوات المسلحة السودانية من بسط سيطرتها على قواعد قوات الرد السريع في منطقة مدن شمبات والقضارف وكراري وكسال وسط وشرق البلاد، ومن المرجح أن تصريحات ممثلي قوات الرد السريع بأن المتمردين يسيطرون بشكل كامل على مناطق كردفان ودارفور هي أيضًا مبالغ فيها – ولا تزال المعلومات حول الاشتباكات ترد من هناك.

في المرحلة الحالية من المواجهة يرفض الطرفان عروض السلام ويطرحان الإنذارات على بعضهما البعض بشأن الاستسلام، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار التصعيد في الأيام المقبلة.

في جولة على أهم التطورات الحاصلة، نجد أن الحرب الأهلية هي المتوقعة وسط تعنت الطرفين المتقاتلين، فلا رئيس عسكري سينجح في إدارة البلاد، ولا آخر مدني، والاحتراب مستمر حتى تنتهي السودان التي قدّر لها الخراب منذ أن أصحبت سودان شمالي وآخر جنوبي، تقول من له مصلحة في ذلك، أطراف الخبث معروقة وكل من طالب بالتهدئة هو شريك في تأجيج هذه الأوضاع، فهذا البلد غني جداً بالموارد ومن غير الممكن لبلد غني أن ينعم في خيراته وسط قوى عظمى تطمح بخيراته، ومع ذلك نأمل أن ينتهج العقلاء دور خير ويدعون إلى مصالحة جادة لأن البلاد العربية لا ينقصها جبهات جديدة فيما القديمة لا تزال مشتعلة، بالتالي، إن سبب الصراع هو الانقسام داخل النخب العسكرية التي تقاتل من أجل السلطة والوصول إلى الموارد، رغم أن البلاد على شفا حرب أهلية، لكن لا حياة لمن تنادي.

وإلى الآن، هذه قراءة متواضعة للأحداث وسط استمرار تطور هذا الملف، وفي هذا المقال قراءة متواضعة ليست أماني بقدر ما هي معلومات من ساحات السودان الملتهبة لأن التضارب الآن خاصة في التصريحات سيد الموقف، لكن وجهة نظري شبه الثابتة، أن الأوضاع في السودان لا تختلف عن أي مكان، ليس في الإقليم فحسب، بل في العالم بأسره، فالخريطة الجيوسياسية مليئة بتناقصاتها الثابت أن التغيرات العالمية بدأت تبرز بشكل أكثر وضوحاً والسودان جزء من هذه المتغيرات، فضلاً عن أن السودان سار بركب التطبيع، وهذا ما يضع الكيان الصهيوني في عين هذه الأزمة، وبلد غني بالموارد والثروات لا يمكن إلا أن يتربص به الأعداء.

مصدر الصور: ريا نوفوستي.

إقرأ أيضاً: تطورات الوضع السوداني.. إلى أين؟

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت