إعداد: مركز سيتا
عُرف الألماس، أو الماس، منذ القدم كأحد الأحجار ذات القيمة التجارية، وازدادت شعبيته في القرن التاسع عشر مع ازدياد الإنتاج العالمي وتحسن الطرق التجارية في أرجاء العالم، فهو حجر ذو قيمة مهمة في صناعة الحلي بالإضافة إلى الإستعمالات الصناعية.
من هنا، أصبح هذا المعدن مكاناً للتنافس بين الشركات العالمية لا بل سبباً للنزاعات، في بعض المناطق، لتكون القارة الأفريقية قِبلة الكثير من الدول التي تعمل على تأجيج الصراعات والحروب الأهلية لتثبيت موطئ قدم لها، والإستحواذ على المناجم واليد العاملة الرخيصة وتحقيق أكبر المكاسب من خلال السيطرة على الثروات المعدنية وفي مقدمتها الألماس.
طبيعته وإستخداماته
يتكون الماس من ذرات كربون مرتبة في بنية بلورية محددة تشكل معظمه في ظروف حرارة وضغط كبيرين، على أعماق تتراوح بين 150 إلى 250 كلم في باطن الأرض، وبعضها على عمق يصل إلى 800 كلم، تم نقلها إلى سطح الأرض في ثوران بركاني وترسب في الصخور البركانية المعروفة باسم “الكمبرلايت” و”اللامبرويت”. تتراوح أعمار حجارته بين 1 إلى 3.5 مليار عام، ويمتلك أعلى صلابة وموصلية للحرارة من بين المواد الطبيعية، وله ألوان عدة تظهر بحسب الشوائب أو العيوب التي تعرض لها الحجر.
بالمجمل، يستخدم الماس في صناعة مجوهرات للزينة، ولكن نظراً لخصائصه التي يتميز بها، كالصلابة الشديدة والموصلية الحرارية، فقد أصبح يستخدم ضمن مجالات صناعية عدة، كقطع الصخور والزجاج، فيما يستخدم غباره ضمن عملية تلميع الماس والأحجار الأخرى. وفي أمر لافت، قيل إنه كان يستخدم كترياق للسموم؛ فعلى الرغم من عدم وجود أدلة علمية تدعم ذلك، فلقد ذكر أنه كان يستخدم في علاج الطاعون.
الحجر الأثمن
بعد تحرير القطاع، سعت أنغولا لأن تصبح أول منتج له على صعيد أفريقيا، حيث قامت بتوسيع وتحديث طرق البحث عنه، إذ يبلغ إنتاجها المحلي حوالي 60% خاصة وأن أراضيها تحتوي على خام الماس. أيضاً، تعتبر منطقة كويدو، شرق سيراليون، الوحيدة في صناعة الماس حيث توسع الإنتاج فيها بعد إنشاء شركة كويدو هولدينغز القابضة، التي تقوم بإرسال الماس إلى شركة “تيفاني” الأمريكية المشهورة.
في غانا، يعتبر الماس من أهم الموارد التي يعتمد عليه الإقتصاد، كما تعد ناميبيا إحدى الدول الأفريقية التي يعتمد إقتصادها عليه حيث بلغ حجم تصنيعه ما يقرب من 1.3% من الإنتاج العالمي، بالإضافة إلى دولة جنوب أفريقيا التي تتميز بكثرة توافر خامه فيها، أما الكونغو فتنتج 19% من الماس، وبوتسوانا يبلغ حجم إنتاجها نسبة 40% من الناتج المحلي و20% من الإنتاج العالمي، وفيها أكبر شركات التعدين الحكومية.
تشير الدراسات إلى إن مناجم هذا المعدن موجودة ضمن 35 دولة حول العالم (غالبيتها في وسط وجنوب القارة السمراء) لكن صناعته تنحصر في عدد محدود من الدول. وتنقسم البلدان المنتجة إلى فرقتين رئيستين؛ الفرقة الشمالية، وتضم روسيا وكندا. الفرقة الجنوبية، وتضم بوتسوانا وجنوب إفريقيا وناميبيا وأستراليا، إضافة إلى فرقة أخرى هامشية نسبياً، تضم ساحل العاج وسيراليون في إفريقيا وفنزويلا والبرازيل في أمريكا اللاتينية.
نعمة ونقمة
كان تدخل الدول الغربية هو الحل الأسهل لإذكاء الصراعات في أفريقيا، وبدل إيجاد حلول كانت تتم تزكية الصراعات والهدف الأوحد من ذلك هو السيطرة على الموارد الطبيعية؛ ومنها مناجم الماس، فيجب على الحرب أن تستمر طويلاً حتى تحصل الدول الأجنبية إليه وبثمن بخس.
على سبيل المثال، شهدت سيراليون حرباً دامت 11 عاماً، حتى العام 2002، بينما كانت ليبريا جانياً ومجنياً عليه في ذات الوقت، حيث أشارت العديد من المعلومات بأن الرئيس الليبيري السابق، تشارلز تايلور، كان يبيع السلاح لمتمردي سيراليون في مقابل حصوله على الماس الذي تنتجه، بالإضافة إلى رغبته بإنشاء “ليبيريا الكبرى” التي تضم غينيا وحقول الماس في سيراليون.
تشير بعض التقارير إلى خروج حوالي 55 مليون قيراط من سيراليون وحدها، أي ما يعادل 15 مليار دولار، في حين أن دخلها السنوي منه يعادل 450 مليون دولار، وأن 65% من تجارة الألماس العالمية، المقدرة بـ 10 مليار دولار سنوياً، تأتي من سيراليون وليبيريا وساحل العاج وأنغولا وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو.
إستثمار “دموي”
تبلغ قيمة الألماس غير المصقول المنتج عالمياً نحو 13 مليار دولار سنوياً، إذ تسهم إفريقيا فيه بما يقارب على الـ 65%، ويبلغ عدد العاملين في تلك الصناعة على المستوى العالمي، في الإنتاج المباشر أو غير المباشر، نحو عشرة ملايين عامل. وتعتبر التكنولوجيا الرقمية أحد العوامل المؤثرة على مسألة الإستثمار لا سيما في عمليات الإنتاج والتصنيع.
ومع نمو الطلب عليه بشكل ثابت بنسبة 2% سنوياً حتى العام 2030 مدعوماً بطلب أمريكي قوي، يقول جون نيل، الإستشاري المختص في شركة ميستري جيم البريطانية للأحجار الكريمة الملونة، إن إحدى أبرز مشكلات الصناعة يكمن في أن عائدها الحقيقي لا يعود، في الكثير من الأحيان، على البلدان المنتجة بل على الدول التي تقوم بتقطيعه وصقله، كالهند وبلجيكا. هذا الخلل، يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتهاكات واسعة لعملية الإنتاج؛ فلقد ظهر مصطلح “الماس الدموي” في إشارة إلى الكميات القادمة من المناجم الإفريقية نتيجة النزاعات المسلحة وهو ما فجر موجة عالمية من الإنتقادات للشركات المنتجة، وأضعف رغبة قطاع كبير من المستهلكين والمستثمرين على حد سواء في التعامل مع تلك الأحجار الثمينة.
أطماع خارجية
تعتبر القارة السمراء “كنزاً” حقيقياً لجميع دول العالم لجهة ما تحويه أرضها من موارد وثروات طبيعية، حيث تضم 10% من إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي، و40% من إنتاج الماس، و9% من الحديد، و25% من الذهب، و12% من احتياطي النفط. فهذه الثروات تشكل مورداً مهماً جداً لمن يقوم بإستغلالها، وأيضاً تشكل سبباً مهماً للنزاعات.
إن موارد أفريقيا اللا محدودة جعلتها قبلة المستعمرين، ووضتعها بشكل دائم تحت وصاية الإستعمار الغربي، والأوروبي تحديداً، حيث باتت دولها تتعرض لعملية نهب متواصلة لثرواتها. على سبيل المثال، لم تترك فرنسا النفط أو الغاز أو اليورانيوم أو الأحجار الكريمة أو المعادن النادرة، ما فوق الأرض وتحتها، حتى تملكته وباتت تتصرف فيه على النحو الذي تريده، ناهيك عن أن باريس شنت عدداً من التدخلات العسكرية، إن لم نقل الحروب، على بعض دول الساحل الأفريقي من أجل حماية إستثماراتها والمواد الخام فيها.
بالعودة قليلاً إلى التاريخ القريب، كان للإتحاد السوفيتي السابق نفوذاً كبيراً في القارة السمراء، لكن وطأته السياسية والاقتصادية انحسرت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أما الآن، تنظر موسكو لأفريقيا كمجال حيوي جيو- سياسي – إقتصادي في مواجهة النفوذ الغربي، ما دفعها للتحرك لتأمين موطئ قدم لها فيها من خلال اتفاقيات عسكرية واقتصادية، حيث أنفقت موسكو مبلغ 70 مليون دولار لإستضافة القمة الروسية – الأفريقية الى جانب المنتدى الإقتصادي الروسي – الأفريقي.
في هذا الشأن، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن تقوية العلاقات مع البلدان الأفريقية يعد أحد أولويات السياسة الخارجية الروسية، حيث عقدت موسكو إتفاقيات كثيرة من بينها التنقيب عن الألماس الذي يأتي على رأس القائمة، كما وأبرمت الشركات الروسية المتخصصة في استخراجه وإنتاجه عدة اتفاقات مع وزراء التعدين والمناجم والصناعة في دول عدة، كجنوب أفريقيا ونيجيريا وأنجولا وزيمبابوي وزامبيا، للبحث عنه وإنتاجه. هذا، وتعد روسيا أكبر دولة في العالم في إنتاج الألماس، حيث تتركز فيها نسبة تصل إلى حدود الـ 47% من احتياطيات الماس عالمياً.
من هنا، يمكن القول بأنه وخلال السنوات التي طورت فيها البرازيل والهند والصين وسنغافورة وماليزيا وغيرها من “الأسواق الناشئة” اقتصاداتها، ظلت الدول الإفريقية الغنية بالموارد ما دون الصفر وذلك لسبب بسيط يتمثل في أن مواردها ليست ملكاً لها على أرض الواقع بل “غنيمة” الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات.
أيضاً، ركزت إسرائيل على دولة غانا، منذ إستقلالها التام في العام 1957، حيث بادرت بتعيين سفير لها فيها، وعقدت شراكات اقتصادية قوية في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية. وكان هذا “الطُعم” الذي ألقته اسرائيل لإستقطاب الدول الأفريقية حيث قدمت كل من أوغندا وكينيا وساحل العاج، ونيجيريا طلباً رسميا لها من أجل إرسال خبراء في جميع المجالات، لا سيما قطاع الألماس.
من هنا، تعتبر إسرائيل واحدة من أهم الدول التي تستورد الألماس الخام غير المصقول ومن أبرز الدول التي تصدر الألماس المصقول أيضاً، ويأتي معظمه من دولة أفريقية مرتبطة بشكل مباشر بإرتكاب جماعات فيها المجازر بحق المدنيين للحصول عليه ما يؤدي إلى مقتل عشرات الآلاف سنوياً. لكن اللافت هو إرتباط عمليات بيعه وتصديره بصفقات كبيرة من الأسلحة وصناعة الحروب الأهلية وتمويل المجموعات المتقاتلة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه ما بين العامين 1997 و2003، شهدت القارة الأفريقية الكثير من الحروب والنزاعات كان الهدف منها السيطرة على مناجم الألماس، حيث قام التجار الإسرائيليين بتزويد الأطراف المتحاربة بالسلاح والعتاد المختلف طوال سنوات الحروب مقابل الماس خصوصاً وأن إسرائيل كانت تبدي مرونة في تلك الصفقات حيث كانت تقبل بمبدأ المقايضة على الألماس بدلاً من الدفع نقداً.
أخيراً، إن الحديث عن هذه الصناعة يحتاج إلى دراسات مطولة، لكن من خلاصة ما ورد أعلاه يمكن القول بأن “لعنة” الماس أصابت الكثير من البلاد الأفريقية. فعلى الرغم من أن هذا الحجر الثمين يعد دليلاً على الثراء والرفاهية، إلا أنه سيظل شاهداً على الكثير من المآسي الأفريقية التي تُفقِد هذا الحجر اللامع بريقه. سيحكي الألماس الأفريقي دوماً عن الأيادي المبتورة والأجساد المقتولة التي انتشلته من الوحل لكي يصل إلى مجموعة الحُلي لدى الطبقات الثرية حول العالم.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: Resource Global Network – دي دبليو.