إعداد: مركز سيتا
إفتتح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بحضور ولي عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد، ونائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، قاعدة “برنيس” العسكرية، على ساحل البحر الأحمر قرب الحدود السودانية. يأتي ذلك عقب إختتام المناورات المصرية “قادر 2020” والتي شاركت فيها جميع أسلحة الجيش المصري.
الأهمية الإستراتجية
تتواجد قاعدة برنيس في الإتجاه الجنوبي الشرقي لمصر، فهي تقوم بالإشراف على البحر الأحمر، وبالتالي تؤمن مسار الممرات الملاحية التي تصل من باب المندب إلى قناة السويس، فهي تقع بالقرب من الحدود الدولية الجنوبية شرق مدينة أسوان، وتبلغ مساحتها 150 ألف فدان وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكري وعدد من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة. كما تضم القاعدة رصيفاً تجارياً، ومحطة إستقبال ركاب، وأرصفة متعددة الأغراض، وأرصفة لتخزين البضائع العامة، وأرصفة وساحات تخزين الحاويات، بالإضافة إلى مطار “برنيس” الدولي ومحطة لتحلية مياه البحر، وهو ما يجعلها من أهم المناطق الاستراتيجية الهامة للدولة المصرية.
يتمثل الهدف الإستراتيجي لإنشاء القاعدة في حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية، وحماية الإستثمارات الإقتصادية والثروات الطبيعية، ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر، فضلاً عن تأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة البحرية من البحر الأحمر حتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها، وذلك ضمن “رؤية 2030” المستقبلية لمصر.
إهتمام خليجي
أكد الشيخ محمد بن زايد على أن القاعدة “إنجاز نوع يعكس رؤية مصر الطموحة لآفاق تنموية شاملة، تعزز دورها المحوري في منظومة الأمن العربي والإستقرار الإقليمي.. تمنياتنا لها مزيداً من التقدم والإزدهار”.
من هنا، يتنامى إهتمام دول الخليج بتعزيز أمن الملاحة وتأمين سواحل البحر الأحمر ضد أي تهديدات محتملة، خاصة بعد التطورات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، وتهديد الأخيرة بضرب القواعد الأمريكية في كل دول غرب آسيا، ومن بينها الدول الخليجية، إن فتحت أراضيها لإستهداف الأراضي الإيرانية.
إلى ذلك، قال الأمير خالد بن سلطان أن هذه القاعدة “تعد محوراً رئيسياً لمواجهة التهديدات في نطاق البحر الأحمر وتأمين حركة الملاحة العالمية”، لافتاً إلى أنها “تبين ما وصلت إليه جمهورية مصر العربية من تطور في منظوماتها العسكرية”.
في تقرير نشره مركز “سيتا” بعنوان “مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن: تعزيز للأمن المائي الإستراتيجي”، الذي تحدث عن تأسيس مجلس يضم دول البحر الأحمر وبعض الدول الأفريقية في إطار التوجه إلى التكامل بين هذه الدول عبر خلق آلية تمكنها من مواجهة التحديات التي تقابلها في البحر الأحمر إلى جانب تعزيز آفاق تعاون دول المنطقة أمنياً وتجارياً واستثمارياً، إلى جانب إفتتاح قاعدة “برنيس” والمناورات المصرية “قادر 2020” وتشكيل مجلس مشترك، كلها عوامل تأتي في توقيت توتر متصاعد في منطقة الشرق الأوسط ما ينذر أن الهدف الرئيس من إنشائها هو تأمين تلك المنطقة، وكبح التمدد الإيراني، بحسب العديد من السياسيين والمراقبين، في حين أن هناك اخطاراً محدقة أكثر أهمية وأبرزها سد النهضة ومصير مياه نهر النيل بين مصر وأثيوبيا، التواجد الإسرائيلي العميق بقوة في تلك المنطقة.
حرب مؤجلة
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019، صرح رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي أحمد، أمام البرلمان بأن ليس هنالك قوة قد تمنع بلاده من بناء سد النهضة، مجدداً تأكيده أن بلاده لا تعتزم إلحاق الضرر بشعبي مصر والسودان وحكومتيهما، مضيفاً “إذا كنا سنحارب.. فإننا نستطيع نشر ملايين كثيرة (من المقاتلين). لكن الحرب ليست الحل.”
وفي سياقٍ متصل، أعربت الخارجية المصرية عن أسفها لهذه التصريحات، وإعتبرتها إذا ما صحت بإنها تضمنت إشارات سلبية وتلميحات غير مقبولة بشأن كيفية التعامل مع ملف السد، الأمر الذي تستغربه مصر بإعتبار أنه لم يكن من الملائم الخوض في أطروحات تنطوي على تناول خيارات عسكرية.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل هناك تخوف مصري واضح إزاء التقارب الأثيوبي – السوداني ولربما تحالفهما معاً ضد مصر مستقبلاً، خاصة فيما يتعلق بمسألة منسوب السد المتفق عليها بين الخرطوم وأديس أبابا. لذا، جاء إنشاء قاعدة “برنيس” العسكرية كنوع من باب إحترازي مستقبلي يأتي في سياق أي تطور مقبل والخيار العسكري واحد من هذه الإحتمالات.
الرسائل والدلالات
أثار تباعد القواعد العسكرية التي تطورها أو تنشئها مصر عن إسرائيل من جهة، وتقاربها مع الغرب ناحية ليبيا والجنوب على البحر الأحمر من جهة أخرى، تساؤلات بشأن حقيقة إنشائها أو تطويرها والهدف منها وكذلك جهات تمويلها، حيث قال العديد من الباحثين العسكريين والسياسيين المصريين بإن “القواعد العسكرية التي يعلن رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، عن تدشينها مصحوبة بدعاية إعلامية كبيرة، ليست بالجديدة، وتثير مواقعها الكثير من التساؤلات.” فقبل افتتاح قاعدة برنيس كانت القاعدة البحرية الرئيسية للقوات البحرية المصرية على البحر الأحمر هي قاعدة سفاجا، وهي المقر الرئيسي لقيادة الأسطول الجنوبي المصري، ولا توجد قواعد أخرى إلا قاعدة السويس في الشمال.
إن تطوير القواعد العسكرية في مصر، يمتن العاقلات المصرية – الخليجية لجهة رغبة الأخيرة في بعث رسالة إلى إيران من خلال حضورهما حفل الإفتتاح خصوصاً وأنها تعتبر الأكبر والأضخم على البحر الأحمر، وكذلك رسالة إلى تركيا التي تمتلك أكبر قاعدة عسكرية لها في الصومال أي مواجهة نفوذ أنقرة، ما يعني أن الإهتمام العسكري الأخير لهذا المحور، يضمن تأمين الحدود البحرية وإستعداد أكثر من جبهة في حال أي تطور أو تصعيد محتمل من أي جهة كانت.
وعلى غير عادتها، رحبت إسرائيل بإقامة القاعدة العسكرية، وأشار تقرير تلفزيوني إسرائيلي إلى أنه سيكون من مهامها مساعدة إسرائيل التي من الممكن ان تقوم بإرسال بعض من أفراد قواتها إليها.
أخيراً، تشهد العلاقات المصرية – الإماراتية – السعودية تنسيقاً مستمراً عقب تصاعد النفوذ التركي في المنطقة، إضافة إلى النفوذ الإيراني، فقد جاء هذا التنسيق بعد فتور مرحلي عقب الحديث عن محاولات للمصالحة بين السعودية وقطر، إذ يبدو أن العلاقات ستشهد مزيداً من التطورات بعد تغير الخارطة السياسية قليلاً لجهة التهديدات المحتملة خاصة تصاعد الإرهاب في المنطقة، والعوز المائي المصري وتأمينه، كل هذه الأوضاع تتطلب تأمين الحدود والمياه والأمن القومي لهذا الحلف، إلا أن الخطر الحقيقي المحتمل يبدو أن أثيوبيا وتركيا تتزعمانه في الفترة الحالية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: العربية نت – العرب.
موضوع ذو صلة: “مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن”: تعزيز للأمن المائي الإستراتيجي