سمر رضوان
بعد إعلان الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقه، عدوله عن الترشح لولاية خامسة وإرجاء الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان 2019، إلى أجل غير محدد وذلك بعد أسبوعين من مظاهرات غير مسبوقة في البلاد رفضا لبقائه في الحكم، الأمر الذي اعتبرته بعض الأوساط أنه “انتصار” جزئي من شأنه إنقاذ البلاد.
حول آخر التطورات في الجزائر، ومستقبل الحكم وشكله بعد عزوف الرئيس الحالي عن الترشح، سأل مركز “سيتا”، الأستاذ هواري قايد عمر، الكاتب والصحفي الجزائري حول ذلك.
الجزائر إلى أين؟
تتجه الجزائر رويداً رويداً نحو الجمهورية الثانية. صحيح أن هذا التحدي ليس سهلاً وقد تشوبه الكثير من المثبطات والأشواك في الطريق بسبب رفض المعارضة والكثير من الجزائريين، إلا أن هذا النظام اقتنع أخيراً أنه حان وقت تسليم المشعل للشباب الذي أثبت حضوره القوي في الحراك الشعبي السلمي الذي شهدته مختلف المدن.
أما الهدف الحقيقي من وراء تأجيل الانتخابات الرئاسية، بإعتقادي، فهو تجنيب البلاد ويلات “الخريف العبري” لا سيما وأن تشبث النظام بفكرة البقاء في السلطة وعدم التخلي عنها قد يؤدي إلى “تعفن” الأوضاع، وانحراف الحراك السلمي وتحوله إلى صدام حقيقي قد يؤدي بالبلاد إلى المجهول.
قرارات مصيرية
إن القرارات التي اتخذها الرئيس بوتفليقه لا يمكن إلا وصفها بالتاريخية والإستثنائية لأنها جنبت البلاد الكثير من الويلات ليس اقلها اعادة سيناريو سنوات “العشرية السوداء”، التي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل وما يزرد على الـ 20 مليار دولار خسائر في البنية التحتية للبلاد.
صراحة، لم يكن الجميع يتوقع صدور هذه القرارات لا سيما وأن الأمور كانت غامضة الى حد كبير في ظل قلة وشح المعلومات بخصوص صحة الرئيس، حيث نقلت العديد من الأوساط أن الرئيس بوتفليقة قد توفي، ومنهم من قال إنه لم يعد من سويسرا بسبب تمديد فترة العلاج، لكن الأمور اختلفت عندما عاد من رحلة العلاج واتخذ هذه القرارات الشجاعة والإستثنائية.
الجزائر اليوم ليست بحاجة إلى مزيد من الدماء، وهنا أريد أن أشير إلى مسألة مهمة جداً. أن الرئيس بوتفليقة مثلما أنقذ البلاد من الإرهاب سابقاً، ها هو يجنبها ويلات “الخريف العبري” الذي دمر الكثير من الدول العربية.
خلف الرئيس
موازاة مع قرار عدوله عن عدم الترشح لولاية جديدة، أعلن الرئيس بوتفليقه عن إطلاق ندوة وطنية مستقلة مشكلة من كبار المجاهدين والثوريين، على غرار جميلة بوحيرد ولخضر بورقعة وزهور ونيسي وظريف بيطاط والعديد من الوجوه السياسية والنخب المثقفة، لبحث مسألة تشكيل وإعطاء أهم ملامح الجمهورية الثانية التي ينشدها الملايين من الجزائريين.
إلى ذلك، هناك تسريبات عبر الإعلام تشير الى وجود بعض الأسماء التي يمكنها خلافة الرئيس، من بينها رمطان لعمامرة، الذي جدد الرئيس فيه الثقة بتعيينه نائب وزير أول ووزير للخارجية، دون أن ننسى الوزير الأول الأسبق، عبد المجيد تبون. ولكن كل ذلك لا يعدو اكثر من تخمينات إعلامية.
أما بالنسبة إلى الندوة الوطنية، فلا شك بأن دوريها سيكون مهماً وكبيراً لأنها ستتكفل بتعديل الدستور، وتحديد ملامح الدولة العصرية الديموقراطية القائمة على أسس مبادئ ثورة “الفاتح نوفمبر” المجيدة. يكفي فقط أن نشير إلى أن كل هذه التطورات لم تكن لتحدث لولا الضغط الشعبي الذي مارسه الجزائريون بشكل واعٍ ومسؤول ومختلف تماماً عن ذلك الذي شهدناه في الكثير من الدول العربية، بل وحتى الأوروبية منها، على غرار “السترات الصفراء” الفرنسية الذين تصادموا مع الشرطة وخربوا العديد من المحلات وأحرقوا السيارات وتسببوا في انقطاع وسائل النقل وغيرها. وهذا يدل على النموذج الفريد للشعب الجزائري في التعبير عن مطالبه الشرعية والمشروعة بطريقة حضارية.
مصدر الصورة: سي.إن.إن.