حوار: سمر رضوان

إثر هجوم واسع شنته قوات سوريا الديمقراطية – قسد، المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أُعلن النصر الكامل على آخر جيب لتنظيم “داعش”، وبذلك قد خسر كامل السيطرة على كافة المناطق في الشمال السوري بنسبة 100%.

عن هذا الإنتصار ومستقبل الأزمة السورية بين الحكومة الرسمية وقوات سوريا الديمقراطية وموقف الأخيرة من الوجود التركي وملفات أخرى، سأل مركز “سيتا” الأستاذ كادار بيري، مدير مؤسسة “كرد بلا حدود” عن هذه الملفات.

حوار سوري – كردي

فيما يخص مستقبل الأزمة السورية بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية وعبر مجلسها المدني، يمكن القول بأنها تشهد تقدماً اليوم أكثر من ذي قبل، حيث طرحت دمشق الحوار والمبادرات أكثر من مرة بشكل جيد جدا، إذ لا سبيل للحل سوى الحوار وذلك رفضاً منهم لإراقة أي دم سوري جديد خاصة بعد تحرير منطقة الباغوز من رجس تنظيم “داعش” الإرهابي الذي كان ممولاً بالدرجة الأولى من العدو المشترك، للدولة السورية والكرد، ألا وهو تركيا، التي كانت تدعم كل التنظيمات الإرهابية وسعت إلى تخريب سوريا طمعاً بالسيطرة على أجزاء واسعة منها، لكن الكرد هم من أفشلوا سياساتها ولم يسمحوا بتمريرها.

أما عن مسألة الإنفصال، فالكثير من القيادات الكردية طرحت هذا الموضوع خاصة قوات سوريا الديمقراطية والإعتراف بالإدارة الذاتية الديمقراطية وبأنها خطوط حمراء غير قابلة للنقاش. ولنكن واقعيين ونشاهد الأمر بمنظور آخر. إن عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام 2011 أمر مُحال، خاصة بعد الأعداد الهائلة للضحايا من كافة الأطراف؛ فالسكان القاطنين في منطقة الشمال السوري، ترفض العودة إلى حكم القطب الواحد.

وحدة الأراضي السورية

لا يمكن الجزم بأن وحدة الأراضي السورية مهددة إذ لا يوجد أي طرف كردي، من المتواجدين ضمن الإدارة، المشكلة من كل الأطياف أو خارجها، أو من قوات سوريا الديمقراطية تطالب بالإنفصال عن سوريا، وكل ما يطلبونه قيام إدارة ذاتية ديمقراطية لا مركزية. أعتقد أن هذا المطلب هو مطلب جميع السوريين، وهنا تصبح الكرة في ملعب النظام وعليه أن يعي خطورة الموقف الذي يتواجد فيه خصوصاً وأن قوات سوريا الديمقراطية أصبحت قوة معترف بها من كل دول العالم سواء من خلال الصحافة العالمية أو عبر الدعم العالمي لها.

إن وجودهم على الأرض، أثبت قوة تنظيمهم وانضباطهم التي تضاهي قوى حكومات ودول وخاصة بمحاربتهم لتنظيم “داعش”، لا سيما مع خسارة النظام في الكثير من المناطق. لقد كنا من بين الوحيدين الذين قاوموا إرهاب “داعش”، حيث صمدنا بوجهه لا سيما وأنه لم يجد في المنطقة أرضية خصبة له وهو ما يعتبر إحدى العوامل الأساسية في دحره في آخر نقاطه دير الزور- الباغوز.

هذه النقط يجب تأخذها دمشق بعين الإعتبار وخاصة أن هناك العديد من المناطق لا تزال تحت سيطرة الإرهابيين، مثل إدلب التي يتواجد فيها تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” إلى جانب الكثير من التنظيمات الإرهابية العالمية المدعومة تركياً ويجب محاربتها سوياً.

دلالات الإحتفال

إن الإحتفال بحقل عمر النفطي، ربما تعتبره دمشق رسالة لها، إذاً فلنعتبرها كذلك لأن اعترافها بالوضع القائم هو قوة ومنفعة لها في الوضع الحالي خاصة أننا وجدنا، في الآونة الأخيرة، تقارباً من بعض الأطراف معها. ومع الإعتراف بسورية قسد، يمكن لدمشق ان تعتبرها شريكاً في بناء “سوريا المستقبل” الذي نطمح إليه جميعاً ما يعطيها مزيداً من الشرعية على المستوى العالمي.

أما عن اختيار حقل عمر النفطي للإحتفال، فأقول: لا توجد أية دلالة عليه وإنما مكاناً مناسباً يتسع للحفل وقريب من نقطة نهاية تنظيم “داعش” والإنتصار عليه، فلا يوجد أي رابط ما بين مكان الإحتفال وربطه بموضوع النفط.

مصير الإسلحة الأمريكية

بالنسبة إلى الموضوع مع تركيا فهو لا يتوقف على مسألة الأسلحة، إنما هي حجج واهية لأن أنقرة تسعى إلى ضرب المشروع الديمقراطي الذي يمتلكه الكرد، وضربهم أينما كانوا. فإن كان موضوع الحساسية التركية سببه هذه الأسلحة المتواجدة لدى قوات سوريا الديمقراطية والتي تقول بأنها موجودة لدى قوة كردية إرهابية، فماذا عن كردستان العراق أو شمال العراق، هل مسعود البارزاني هو أيضاً قوة إرهابية تعمل ضد تركيا ولديه أطنان من الأسلحة والدبابات؟

لقد سبق التدخل التركي الجميع، وهو ما ظهر خلال وقت الإستفتاء على الإستقلال. لقد رفضت أنقرة نتائجه وقامت بغلق الحدود ومحاصرة المنطقة وجوعت الشعب الكردي هناك. وعندما رفع العلم الكردي فوق مدينة كركوك، كانت تركيا أول من نددت وهددت، إذ كان من المفروض أن يكون العراق هو المبادر.

أنقرة تحارب الكرد لأنها تعلم بأن وجودهم يعني نهاية الدولة التركية. طبعاً، نتمنى نهاية الدولة التركية لأنها دولة فاشية، حتى أن “الهتلرية” النازية تعلمت منهم مسألة التغيير الديموغرافي، والتطهير العرقي، بل أن تنظيم “داعش” نفسه تعلم منها قطع الرؤوس. وبالتالي، لا يهمنا بتاتاً الموقف التركي.

أما عن موضوع الأسلحة فلقد استهلكت في الحرب على الإرهاب، فكمياتها التي وصلت ليست تلك الكميات الكبيرة الطائلة كما يحاولون الإدعاء. أما إذا أرادت تركيا الإستفسار عن مصير تلك الأسلحة، فعليها الذهاب إلى قبور شهدائنا وسؤالها.

المنطقة الآمنة

دائما ما يتم الحديث عن المنطقة الآمنة. تدّعي تركيا بأنها ستكون تحت سيطرتها، إلا أن تلك المنطقة ستقام أساساً خوفا من أنقرة نفسها. فوجود هذه المنطقة هو لوقف التهديدات والحرب التركية، التي خبرناها في عفرين. هذه المنطقة المسالمة مع كل المناطق المجاورة لها، التي آوت بقدر عدد سكانها من النازحين السوريين، لم تكن تحارب أحداً ولم تطلق طلقة واحدة بإتجاه تركيا. ورغم ذلك، تدخلت أنقرة فيها واحتلتها، وغيرت ديموغرافيتها بالشكل الذي تطمح إليه حيث جلبت كل مرتزقتها ووطنتهم في عفرين. نعم، هناك مستوطنون جدداً في عفرين وهذا تماماً ما تسعى إليه الدولة التركية لتفعله بباقي المناطق. الآن، عفرين التي كانت ترمز للسلام والأمان في كل سوريا، تحولت إلى نقطة قتل وإرهاب، لا أمان ولا سلام. كل شيء يسرق وكل شيء مهدد.

من هنا، أعتقد ان هذا الأمر لن يحدث مع وجود المنطقة الآمنة، على الأقل في المدى القريب. أما عن موقف دمشق منها، أعتقد أن التدخلات التركية في باقي المناطق هي التي كانت تشكل خطراً عليها، وعلى عموم الشعب السوري. فعندما تكون هذه المنطقة الآمنة وبرعاية دولية، فهذا يعني وقف التهديدات التركية ليس فقط ضد الكرد وإنما ضد كل سوريا.

الإستثمار الأمريكي

إن الحديث عن اعتبار الكرد ورقة بيد الأمريكي هو أمر مرفوض تماماً. من ناحيتي، انظر إلى الأمر على الشكل التالي: الكرد هم من استخدم الورقة الأمريكية، فهم لم يستقدموا التنظيمات الإرهابية ولا الوجود الأمريكي، بل لقد حموا أنفسهم وأرضهم، وعندما اشتدت الأزمة عليهم، تحديداً في منطقة كوباني وتهديدها من قبل تنظيم “داعش”، وقف الجيش التركي على أسوار المدينة، وحينها صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بنفسه عن سقوطها أو قربه، وهو “حلم” أرادت أنقرة تحقيقه.

في ذلك الحين، لم يقم أحد بتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، أو قوات الحماية الشعبية آنذاك، في حين كانت المنطقة بأمس الحاجة إلى الدعم الذي وفره التحالف الدولي. تلك كانت نقطة التحول في محاربة الإرهاب، وأعتقد أن هذا الدعم أخذ شرعيته من محاربة الإرهاب نفسه. بالتالي، إن الوجود الأمريكي سيكون ورقة ضامنة للسلام والتفاوض بين كل الأطراف، خصوصاً مع وجود اتفاق روسي – أمريكي في العموميات في كل سوريا، وأحد أسباب تثبيت الأمن والسلام في تلك المنطقة لأنه عاجلاً أم آجلا سيخرج الأمريكي من سوريا كما باقي القوى الأجنبية المتواجدة فيها.

إن السوريين هم من سيتكفل بمستقبل سوريا ولا اعتقد بوجود قوات شرعية في سوريا غير قوات قسد، أما باقي ما تبقى من التنظيمات الإرهابية فمصيرها الزوال.

إن التحالف بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الآن بضرب ما تبقى من البؤر الإرهابية سوية، بالتحديد إدلب وعفرين، سيشكل ضربة قوية للإرهابيين وستكون أفضل من توجيه ضربة لنقطة معينة فيتحول الإرهاب إلى مكان آخر؛ فإن تم ضرب إدلب بمفردها، ستتنقل العناصر الإرهابية إلى عفرين والعكس صحيح. إذاً، علينا ضربهم مرة واحدة في المنطقتين كي يتم تحرير سوريا ويكون هناك طاولة حوار وحل سياسي شامل يحول دون إراقة دم سوري جديد.

مصدر الصور: مونتي كارلو – رويترز.