حوار: سمر رضوان
بعد صدور نتائج الإنتخابات البلدية في تركيا، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: كيف يمكن للرئيس رجب طيب أردوغان أن ينهض بإقتصاد تركيا مجدداً، كما فعل ذلك في العام 2002 بعد خوضه لمعارك سياسية مع الحلفاء الغربيين ومع الحلفاء العرب؟ وهل سيتمكن من تحريك المال الخليجي لإستثماره داخلياً وبشكل يعوض خسارته؟
إن خسارة حزب “العدالة والتنمية” في كبرى المدن تشير إلى نمط وسلوك تململ من قبل المواطنين الأتراك، الأمر الذي سيعيد النظر بسياسات الرئيس أردوغان جمعاء للحؤول دون خسارة القاعدة الشعبية نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية.
حول هذا الملف وتداعياته وتأثيراته المستقبلية على السياسة العامة التركية، سأل مركز “سيتا”، المحلل السياسي سركيس قصارجيان حول هذا الموضوع.
أسباب الخسارة
يعتبر العامل الإقتصادي السبب الرئيسي في هذه الخسارة، وهو العنوان الأبرز الذي اعتمد عليه حزب العدالة والتنمية على مدى 16 عاماً منذ استلامه للسلطة والذي اعتمد عليه خلال مسيرته في خوضه لكل العمليات الإنتخابية السابقة التي نجح فيها. فالخسارة اليوم مردها الوضع الإقتصادي والنتائج الإقتصادية الجيدة التي جاءت مع وصول الرئيس أردوغان إلى الحكم. وبالتالي، من الطبيعي بعد تراجع هذا الوضع أن يكون له تأثيرات سلبية، فحزب العدالة ليس له تاريخ سياسي عريق إذ أنه جاء نتيجة توقف حزب الرفاه الإسلامي، والذي تنكر لأردوغان لاحقاً.
إن تراجع الإقتصاد التركي، في الآونة الأخيرة، ألقى بظلاله على صناديق الإقتراع، فهذا التراجع يعني أن الرئيس أردوغان قد فشل حتى الآن في حل الأزمة لكون عجلة الإقتصاد بدأت تتراجع يوماً بعد يوم، وهنا يمكن أن نتحدث عن هبوط قيمة العملة، وزيادة نسبة البطالة، وارتفاع حجم التضخم، ناهيك عن الأزمات السياسية التي أدت إلى إحجام الكثير من الدول بفتح علاقات تجارية أو استمرار العلاقات التجارية مع تركيا كسابق عهدها، كما هو الحال بالنسبة لسوريا وعدد من دول الخليج وعلى رأسها، السعودية والإمارات العربية ومصر.
هذه الأسباب، وغيرها، أدت إلى خسارة تلك المدن الكبرى، كإسطنبول وأزمير وأنقرة وأضنة وأنطاليا ومرسين، والتي تعتمد على الإقتصاد بالدرجة الأولى من حيث الشركات الكبرى والشركات السياحية وشركات المقاولات. بالتالي، هناك تململ من قبل سكانها فأرادوا إيصال رسالة إلى الرئيس أردوغان بأنهم يعارضون سياساته الإقتصادية أو على الأقل ممتعضين من هذه السياسات، فجاءت نتيجة الإنتخابات على هذا النحو.
دور المعارضة
لا يمكن اعتبار أن الوضع الإقتصادي قد افاد المعارضة لأنها لم تستلم السلطة لنعرف ما هي خطواتها من أجل تطوير الإقتصاد والدفع بعجلته إلى الأمام، لكن بطبيعة الأحوال يمكن القول إن فوز المعارضة جاء نتيجة إلى التململ من السياسات الإقتصادية الفاشلة لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية. هناك أيضا أسباب أخرى، منها مثلا، الضغط المتواصل من قبل السلطات على حريات التعبير والرأي، الإعلام والإعتقالات المتواصلة لكل من يعارض سياسات الرئيس أردوغان في الداخل بحجة إنتمائه لتنظيم فتح الله غولن، الذي تعتبره تركياً إرهابياً، أو اتهامه بالتحالف مع الكرد، أي مع حزب العمال الكردستاني الذي هو تنظيم إرهابي بالنسبة لها أيضاً، إضافة إلى شعور الأتراك من سكان هذه المدن بوجود محاولة للإنقلاب على الأسس التي أسسها وركنها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، وخاصة تلك التي تحفظ العلمانية.
بالتالي، كان هناك توجه شعبي من الناخبين الأتراك نحو المعارضة، بزعامة حزب الشعب الجمهوري أي حزب “اتاتورك”، إضافة إلى دور حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، حيث عزف عن الترشيح، في محاولة منه لدفع قاعدته الشعبية باتجاه إنتخاب الشخصيات المرشحة من قبل المعارضة لإفشال الرئيس أردوغان في هذه الولايات.
خسارة المدن الكبرى
تعتبر إسطنبول أهم من العاصمة انقرة. فالمدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة وإزمير وغيرها، لها تأثير قوي جداً، ولعدة أسباب:
اولاً، هذه المدن تشكل أكثر من 35% من عدد الناخبين الأتراك، فهي مدن كبيرة جداً، ومركزية في الإنتخابات التركية.
ثانياً، إن بلدياتها كبيرة وقوية وبالتالي خسارتها تعني خسارة الحزب الحاكم وحليفه، الذي يعتبر أحد المصادر المالية وقناة التواصل مع القاعدة الشعبية “المواطن التركي”، إضافة إلى الحرمان من قدرات البلديات من العقود الإستثمارية وتأجير العقارات ومن تأسيس المشاريع الكبرى والشراكات. كل هذه الأمور تدخل ضمن صلاحيات البلديات، ومن الطبيعي أن البلدية التي تسيطر عليها المعارضة ستتجه للشراكة أو للعمل أو لتنشيط تفعيل العمل مع مؤيديها من القاعدة الشعبية. على سبيل المثال، في إسطنبول بلديتها ستعطى الأولوية لمؤيدي حزب الشعب الجمهوري، وسيكون لهم الأولوية في مشاريعها واستثماراتها، وحتى في فرص العمل فيها، الأمر الذي يعني زيادة شعبية حزب الشعب الجمهوري، وتراجع شعبية العدالة والتنمية.
إجراءات إنقاذية
أعتقد أن الخطوة الأولى، لدى حزب العادالة والتنمية، هي محاولة استدراك التدهور الإقتصادي، كوقف تدهور الليرة ومحاولة إيجاد سبل بديلة لتنشيط الإقتصاد عبر فتح أسواق جديدة، أي تعديل الإجراءات التي من شأنها أن تعيد تركيا إلى حقبة العامين 2005 – 2010، فترة التطور والنمو الإقتصادي. طبعاً، تم الإعلان عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، وهنا أقصد تغيير نظام الضرائب ومنح القروض وغير ذلك، ليشعر المواطن التركي بأن هناك شيئاً ما تغير بما يخص الجانبين الإقتصادي والمعيشي، بشكل أساس، لكن هذه الإجراءات هي غير كافية حتى الآن.
أما عن الإنتخابات القادمة فستحل في العام 2023، أي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وستكون انتخابات مهمة جداً؛ وبالتالي، سيحاول حزب العدالة والتنمية تدارك الأمور لتعويض هذه الخسارة.
تأثير على السياسة العامة
هذه النتائج ستؤدي إلى انشغال الرئيس أردوغان بالموضوع الداخلي بشكل أكثر من سياسته خارجياً، وسيكون هناك انعكاسات على أردوغان نفسه بسبب تسرب القلق إليه إذ أنه لن يكون مرتاحاً كما قبل، فلقد نجح، في الفترة ما بين العامين 2014 – 2019، بالتصدر في كل الإنتخابات، وآخرها الرئاسية، والذي فاز فيه فوزاً ساحقاً، وتمكن من حسم الإنتخابات من المرحلة الأولى.
هذه الإنتخابات تعد “الإنتكاسة” الأولى للرئيس التركي ونتائجها ستؤثر على طريقة إدارته لملف السياستين الداخلية والخارجية. فلو أنه انتصر في هذه الإنتخابات، كما في السابق، لكان حصل على دعم أكبر لمواصلة نهجه السياسي، ولو كانت الخسارة كبيرة لدفعته بإتجاه محاولة تصدير أزمته للخارج. أما وأن النتيجة قد جاءت على هذا الشكل، فهذا يعني ربح الإنتخابات بالأرقام مقابل خسارة المدن الكبرى في الوقت نفسه. بإعتقادي، أن هذا الوضع سيشكل عامل ضغط عليه بالتوجه نحو الداخل أكثر ومحاولة فتح قنوات تواصل مع عدد من الدول التي قد تستفيد منها أنقرة في المجال الإقتصادي.
لذا، من الممكن أن نرى محاولة للتواصل مع دمشق بشكل مباشر، بإعتبار أن سوريا تشكل بوابة مهمة جداً لبلاده، والإنطلاق بإتجاه الدول العربية، من أجل تفعيل تجارة الترانزيت على سبيل المثال، إلى محاولة للتقرب من بعض الدول الخليجية التي كان بينها وبين تركيا مواقف سلبية وحادة جداً، مثل السعودية. إلا أن هذه المحاولات ستحتاج إلى وقت طويل، فهو سيحتاج اولاً إلى اكتشاف مواقع الخلل لديه، ومن ثم وضع الخطوات، الواحدة تلو الأخرى، من أجل ترميم ما يمكن ترميمه من المشاكل التي واجهته في الآونة الأخيرة، وقد تواجهه في المستقبل.
مصدر الصور: الشرق الوسط.