إعداد: يارا انبيعة

تتنوع رياضات الصيد التي قد يمارسها الإنسان، ويأتي صيد الصقور والعقبان واستخدامهما لصيد الأرانب البرية والغزلان وطيور الحبارى، من بين أهم الرياضات الشتوية التي تمارس في منطقتنا العربية، حيث يقوم البعض بصيد الصقور بغرض البيع، ما حول هذه الهواية إلى تجارة تدر الملايين من الدولارات.

هواية الملوك

تحظى هواية الصيد الصقور، في دول مجلس التعاون الخليجي، برواج هائل منقطع النظير حيث تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، ويحرص الأبناء على السير على خطى الآباء والأجداد فيما يتعلق بتربيتها واقتنائها، في إحياء للموروث الشعبي. فمنذ زمن بعيد، كان الأجداد يعتمدون على الطيور الجارحة في صيد الأرانب وطيور الحبارى والحمام والحيوانات وذلك لتوفير الطعام أو حتى بيع ما يتم اصطياده منها كمصدر للرزق والدخل.

لكن الحال اختلف تماماً في الوقت الحالي، إذ تحول الصيد بالصقور من “هواية الملوك” إلى رياضة وتجارة مربحة تدر الأموال بغزارة إلى جيوب العاملين والقائمين على هذا المجال إذ يحرص الجميع، بمختلف الأعمار والفئات والمستويات، على اقتنائها خصوصاً الأمراء، حيث يعرف عنهم امتلاكهم لأفضل أنواع الصقور وأغلاها على الإطلاق.

مستشفى وجواز سفر

توجد عشرات المحال والدكاكين الخليجية المخصصة في التعامل مع الصقور؛ فبمجرد الدخول إلى هذه الأماكن والأسواق تنبهر العين، بسبب العمليات والمداولات الجارية على قدم وساق بين الناس مثل: البيع، والشراء، والبحث عن مستلزماتها، كما يحدث في سوق “واقف” الشهير في العاصمة القطرية – الدوحة.

لا يمكن المبالغة في القول إن تجارة الصقور في الدول الخليجية باتت من أربح العمليات التجارية، كما أن الحكومات في دول مجلس التعاون تدعم هذه الرياضة، لربط الأجيال مع ثقافتها الأصيلة. ومن شدة حرص الخليجيين على الصقور، تم تشييد وبناء مستشفيات خاصة بهذه الطيور بغية معالجتها والإطمئنان عليها، إذ كانت الإمارات العربية أول دولة خليجية تنشئ مستشفى خاصاً بالصقور، وذلك في إمارة دبي عام 1983.

هذا وتُصدر الإمارات جوازات سفر خاصة بالصقور، حيث يمنع منعاً باتاً مغادرة الصقر البلد دون هويته حتى لو كان برفقة صاحبه، بهدف حمايتها من الإنقراض والتهريب والتجارة غير القانونية.

أسعار خيالية

تختلف أسعار الصقور بعضها عن بعض وذلك بحسب نوعها وقوتها وسلالتها ومهاراتها، في حين تبلغ أنواع الصقور نحو 300 نوع تتفاوت في حجمها، ووزنها، وصفاتها، ويبلغ ثمن بعض الصقور 500 ألف ريال قطري، في حين ان بعض الأنواع النادرة يصل سعرها إلى مليون ريال قطري، أي ما يزيد بقليل على ربع مليون دولار، حيث تعتبر صقور “الشاهين” المصرية هي الأغلى سعراً في المنطقة الخليجية.

ففي دول الخليج العربي يتزايد الشغف برياضة الصيد بالصقور كما هو الحال في ألمانيا حيث أصبح رجال الأعمال ينافسون الأمراء في اقتناء الصقور والتجارة فيها. ويصل سعر بعض الصقور الأصلية إلى 160 ألف دولار في دولة الإمارات، أما الصقور النادرة التي تجلب من أعالي الجبال فقد يصل سعرها في قطر إلى 133 ألف دولار، ويرتفع سعر الصقر البري في السعودية إلى ما بين مليون ومليوني ريال.

وبناءً على كلام الصقارين، فإن الصقور يتم استيرادها من عدة دول آسيوية وأفريقية وأوروبية ومن قارة أمريكا الشمالية، إذ تعد مصر وإيران وكازاخستان وأفغانستان وألمانيا وبريطانيا إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الأكثر بيعاً للصقور لدول الجزيرة العربية.

في المقابل، لا توجد إحصائيات رسمية موثقة حول عدد الذين يملكون صقوراً خاصة بهم، في حين تشير التقديرات أن نصف الشباب الخليجي لديه صقور، حيث يشرع كل شاب في تسمية صقره بإسم يليق به، لتحتدم المنافسة فيما بينهم. وتجدر الإشارة هنا الى ان أشهر أنواع الصقور في العالم العربي هما الشاهين والباز الجوال، وهذان النوعان تحديدا يتميزان بالسرعة العالية التي قد تصل إلى 300 كم في الساعة. والشاهين هو المفضل في منطقة الخليج العربي بسبب قدرته على الإنقضاض بسرعة فائقة على فريسته وإمكانية فتكه بها بضربة واحدة.

محظورات قانونية

بالرغم من أن صيد الصقور وتصديرها أو عرضها للبيع يعتبر من المحظورات القانونية ويمنعها جهاز حماية البيئة، يجد بيع الصقور وصيدها رواجاً كبيراً في أسواق عربية أخرى حيث لا توجد محظورات قانونية عليهما، كما هو الحال في ليبيا لكن الأوضاع الأمنية تبقى عائقاً أمام التصدير. وتشكل دول الخليج العربي سوقاً خصباً لعمليات البيع للملوك والأمراء والأثرياء لإستخدامها في مسابقات خاصة بالطيور الحرة، أو للصيد، أو حتى لتزيين القصور، إذ يسعى رجال الأعمال إلى التنافس مع الأمراء والأعيان الذين يتوارثون هذه الهواية أباً عن جد وذلك على رغم الضوابط التي وضعتا اتفاق الإتجار الدولي في أنواع النباتات والحيوانات البرية المهددة بالإنقراض.

في اشارة لافتة، تراجع الإتجار غير المشروع في الصقور البرية، المحظور في إطار حماية بعض الأنواع البرية من الطيور، بشكل ملحوظ وذلك لمصلحة تربية الصقور في مزارع توجد أساساً في ألمانيا والولايات المتحدة، إذ يملك صقارة إماراتيون بينهم أمراء، سبع مزارع لتربية الصقور. غير أن عمليات تهريب محدودة لا تزال قائمة للصقور التي تهرب من عدة بلدان، مثل باكستان وإيران وروسيا، على رغم ان غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، بإستثناء البحرين وسلطنة عمان، هي من الدول الموقعة لإتفاق الاتجار الدولي في أنواع النباتات والحيوانات البرية المهددة بالإنقراض.

تصدير الصقور

يشير محمد السعداوي، أحد أكبر تجار الصقور في ليبيا، إلى أن تصدير الصقور يشهد كساداً كبيراً بسبب القيود التي تواجه التجار في عملية التصدير سواء بسبب الأوضاع الأمنية السيئة في بعض البلاد العربية، أو ارتفاع سعر الدولار ما أدى إلى ارتفاع أسعار البيع والشراء. ويقول السعداوي “نضطر لخفض سعر الطير لتسيير أمورنا”، مشيراً إلى أن دول الإمارات والبحرين والكويت هي المستوردة الأولى للصقور المصرية والليبية، إذ تتميز بسرعتها الفائقة وقدرتها على صيد الحيوانات الأكبر حجماً، كالغزلان.

ويضيف السعداوي “السوق يحدد أسعار الطيور في الخليج، فكلما كثرت الطيور في السوق كان سعرها أقل والعكس، وقد زادت الأسعار هذا الموسم فوصلت إلى نحو 165 ألف دينار ليبي، 116 ألف دولار،  ويتهافت على شرائها الأمراء والملوك أو الأثرياء.”

البدو هم الأقدر

عن طقوس الصيد، يشير القناص المصري حومة عبد الرحمن الكميلي إلى أن البدو هم الأقدر على عملية الصيد بخلاف أهل المدن، لطبيعة معيشتهم الصحراوية، ويقول “نحن لا نستخدم الصقور في الصيد، وإذا كان لا بد من ذلك فنحن نستخدم أخا الشاهين، ويسمى “كراج”، ويبلغ ثمنه نحو 20 ألف جنيه مصري فقط، بينما نبيع الشاهين لإرتفاع ثمنه”، ويضيف “عملية الصيد يجب أن تتم بحذر شديد، فيجب وضع قناع على وجه الصقر، لأنه طير حر يكره أن يتم اصطياده، ويمكن أن يموت إذا رأى إنساناً، لذلك يتم تركه من 5 إلى 10 دقائق حتى يهدأ، ويتم رش بعض الماء عليه”، أما لتدريب الصقر على الصيد فيقول “يتم تجويع الطير لمدة 3 أيام، ويطلق عليه أحد الأسماء حتى يتعود على ندائه بإسم معين، ويطلق خلف حمامة مثلاً ليتعود بعد ذلك على الصيد.”

من جهته، أكد الليبي أحمد الشامخ الكنكوهو، من هواة صيد الصقور، إن هوايته المفضلة هي صيد الصقور واستخدامها بعد ذلك في الصيد. ويروي أنه اصطاد أحد الصقور، اسمه “زغزغاتي”، وقام بإطلاقه على الفور بعد صيده. أما فيصل أبو مزيد السواركة، وهو مدير إحدى الشركات بدبي، فيقول إنه يشتري الصقور أياً كان المبلغ المدفوع فيها، ويستخدمها بعد ذلك في صيد طيور الحبارى والأرانب البرية والغزلان، كما أنه يقوم بتعليم أبنائه الصغار كيفية التعامل مع الصقور وحملها، ليتسنى لهم استخدامها في الصيد مستقبلاً.

بورغ هوهن أشاو

على ضفاف بحيرة كيميزي القريبة من ميونيخ، يلتقي عشاق ومحبو هواية الصيد بالصقور من كل أنحاء العالم في قرية “هوهن أشاو”، التي تعتبر واحدة من أهم مراكز الصيد بالصقور في منطقة جبال الألب في ولاية بافاريا الألمانية. وقبل الوصول إلى مشارف القرية، يمكن مشاهدة قصر هوهن أشاو التاريخي فوق ربوة مطلة على القرية، فهو يربط الماضي بالحاضر، لا سيما وأن تربية الصقور وتدريبها على القنص ما زالت تجري على حالها في سفح الوادي أمام القصر، بالضبط كما كان يمارسها أمراء ونبلاء بافاريا في الأزمنة الغابرة.

مزرعة الصقور الشهيرة في القرية تسمى “بورغ هوهن أشاو”، وهي مزرعة ورثها الأبناء عن الأجداد. يصطف المشاهدون فيها كل صباح لرؤية صاحبها الصقار يوهانز لينهرت وهو يستعرض قدراته الفائقة في تدريب وترويض الصقور حتى تصبح جاهزة للصيد. وعن ذلك، يقول لينهرت “إن تربية الصقور وتدريبها يحتاج إلى مدرب ماهر، فالصقر حاد الذكاء وهو يتعرف على اسمه الذي أناديه به، وتعتبر الأسابيع الأولى في ترويض الصقر حاسمة للغاية في السيطرة عليه، اذ يتوجب علي المدرب ملازمة الصقر أطول فترة ممكنة حتى تنشأ علاقة صداقة بينهما، يبدأ بعدها تدريب الصقر على الوقوف على يد المدرب.” ويرى مدرب الصقور البافاري كذلك أن حجب الطعام عن الصقر لفترات متتالية أثناء فترة التدريب هو أمر ضروري حتى يمكن السيطرة عليه بالكامل وجعله مطيعاً للأوامر، ويقول “لا نقوم بمكافأته بالطعام إلا إذا أظهر تجاوباً مع المدرب.”

أما الفضل في نقل هذه الهواية إلى ألمانيا فيرجع إلى الإمبراطور فريدريك الثاني (1194- 1250) الذي أدخل هواية الصيد بالصقور لأول مرة في هذه البلاد، ومن أبرز الأمراء والنبلاء الذين مارسوا هذه الهواية في ألمانيا مارغريف فون أنسباخ وماكس إيمانويل وكليمنس آوغستوس.

وتقدم مزرعة “بورغ هوهن أشاو” دورات تدريبية في كيفية الصيد بالصقور، والدورة الواحدة تتكلف ما بين 98 إلى 198 يورو، ويقول يوهانز لينهرت “إن العلاقة التي تنشأ بين الإنسان والصقر هي علاقة من نوع خاص، إذ إن قوة الصقر وقدرته الفائقة في الإمساك بالفريسة تعطي لصاحب الصقر انطباعا بأنه هو صاحب هذه القوة.”

مزرعة بورغ هوهن أشاو مسجلة في اتحاد الصقارين الألمان الذي تأسس عام 1913 ولم يتوقف دوره علي تربية الصقور وتدريبها فقط، وإنما امتد أيضا ليشمل المحافظة عليها من الانقراض وعلى البيئة التي تعيش فيها.

أخيراً، بالرغم من ان البشر اكتشفوا الصيد بالصقور قبل 4000 عام في سهول آسيا الوسطى إلا أن العرب برعوا أكثر من غيرهم في ترويض الصقور. لذلك، لا يبدو الأمر غريباً في قرار منظمة اليونسكو بإدراج تربية الصقور ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي في أكثر من 10 دول، منها خمس دول عربية وهي الإمارات العربية المتحدة والمغرب وقطر والسعودية وسوريا.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – العربية نت – دي دبليو.