إعداد: يارا انبيعة
أرض الذهب والنفط التي لم يكتف الطامعون بها بفصل قسمها الجنوبي عنها. الأرض التي أغفلها أصدقاؤها وأعداؤها وهي تنتظر استثماراتهم. هاهم يتهافتون على احتجاجات شعبها كتهافت الفراش وليس هناك أمل دنقل ليصف ذلك.
عود الكبريت
ازدادت حدة التوتر بين السودانيين والحكومة بعد أن وصل سعر الرغيف من جنيه واحد إلى ثلاثة جنيهات بسبب ندرة دقيق الخبز، إضافة إلى النقص في السيولة النقدية، إذ حدت المصارف من سحب المواطنين لأموالهم مبررة ذلك بعجزها عن توفير السيولة النقدية، فخرج الطلاب في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، في مظاهرات عمت أرجاء البلاد احتجاجاً على ارتفاع سعر الخبز والوقود وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية.
واجهت الشرطة تلك الإحتجاحات بالغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص الحي، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وعلى الرغم من وعود رئيس البلاد، عمر البشير، بالقيام بإصلاحات إلا أن ذلك لم يثنِ عزم المتظاهرين الإحتجاجات مستمرة حتى سقط.
تزامن ارتفاع أسعار المواد الإستهلاكية مع تطبيق موازنة العام 2018، التي أقرت زيادة سعر الدولار إلى 18 جنيها، مقابل 6.9 جنيه في موازنة العام 2017، كما باتت أعداد ماكينات الصراف الآلي التي تعمل في العاصمة الخرطوم محدودة، إذ لا تسمح للمواطنين بسحب أكثر من 10 دولارات في اليوم الواحد خشية قيامهم بتحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية.
مرحلة جديدة
في 23 فبراير/شباط 2019، عين الرئيس البشير وزير دفاعه، عوض بن عوف، نائبا أولاً له مع احتفاظه بمنصبه، واعتمد بن عوض لهجة تصالحية مع المتظاهرين لدى تعيينه في المنصب الجديد، قائلاً إن الشبان الذين شاركوا في الإضطرابات الأخيرة لهم “طموح معقول”.
وبعد إعلان الفريق أول بن عوف التحفظ على الرئيس السابق عمر البشير في مكان آمن، ترأس المجلس الانتقالي الذي أعلن الجيش تشكيله في السودان، ونقلت وسائل إعلام عن ابن زعيم المعارضة السودانية، الصادق المهدي، قوله إن الرئيس عمر البشير، وعدد من قيادات الإخوان المسلمين باتوا تحت الإقامة الجبرية.
كما أعلن الفريق بن عوف، عبر التلفزيون السوداني، حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في البلاد، وحظر التجول لمدة شهر، وإغلاق الأجواء والمعابر لأربع وعشرين ساعة في كافة أنحاء السودان، مضيفاً أن الجيش قرر حل المجلس الوطني ومجلس الرئاسة وتشكيل مجلس انتقالي يتولى الحكم في السودان لمدة عامين، مع تعطيل الدستور الحالي، وتابع “اللجنة الأمنية العليا تعتذر عن الخسائر في صفوف المواطنين والأجهزة الأمنية”، مشيراً إلى أنها نبهت رئاسة الدولة وحذرت من خطورة الأوضاع.
شأن داخلي
تعليقاً عما يحصل في السودان، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن ما يجري في السودان يعتبر من الشؤون الداخلية لهذه الدولة، مشيراً إلى أن موسكو تأمل في عودة الوضع إلى الإطار الدستوري، مضيفاً “نحن نراقب الوضع عن كثب، ونأمل أولاً، ألا يكون هناك تصعيد في الوضع، يمكن أن يؤدي إلى وقوع خسائر بشرية، وكذلك نأمل، أن يكون الوضع في السودان، في القريب العاجل، إلى الإطار الدستوري”، ومكملاً “بالطبع، ما يحدث هو شأن داخلي للسودان ويجب أن تحل الأمور هناك، وفقا لما يقرره السودانيين أنفسهم.”
كما أعرب بيسكوف عن ثقته بأنه مهما كانت النتيجة ما يجري، فإن العلاقات الروسية – السودانية ستكون من الإتجاهات الثابتة في سياسة السودان الخارجية.
بدوره، يقول الخبير في الشؤون الإفريقية، ألكسندر زدانيفيتش “هناك عدد لا يصدق من السيناريوهات للوضع القائم في السودان الآن، فالمهتمون في تطور الأحداث سيجدون الكثير من وجهات النظر المختلفة، والشيء الرئيسي هو ألا تتحول الأحداث في الخرطوم إلى حرب أهلية دامية، وللحيلولة دون حدوث ذلك سيتم بذل كل الجهود بالإعتماد على دعم المنظمات الدولية وحكومات الدول المعنية.”
“تسقط تاني”
استمر تدفق المحتجين إلى ساحة الإعتصام أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، بعد نداء لـ “قوى إعلان الحرية والتغيير” الرافض لبيان قادة المجلس العسكري الإنتقالي. وقال بيان لقوى الحرية، إن الاعتصام سيستمر ولن ينفض “حتى تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا المشروعة بتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية وفقاً لإعلان الحرية والتغيير الذي تواثقت عليه جماهير شعبنا الأبي.”
وحسب البيان، ستكون صلاة الجمعة، 12 أبريل/نيسان 2019، في ساحة الإعتصام بالقيادة العامة للقوات المسلحة، ثم تليها صلاة الغائب على أرواح ضحايا الحراك السلمي، وناشد البيان كل سكان العاصمة والمناطق القريبة منها للمشاركة في الاعتصام وأداء الصلاة من ساحة الاعتصام. كما دعا البيان المواطنين في قرى ومدن الأقاليم لتسيير المواكب في وقت مبكر لمقار ووحدات القوات المسلحة المختلفة، والإعتصام في ساحات اعتصاماتهم.
هذا وقد أطلق السودانيون شعار “تسقط تاني” بعد أن كان شعارهم “تسقط بس” تعبيراً عن رفضهم للقرارات الجديدة، والبيان الذي تلاه المجلس العسكري الانتقالي. هذا وقد رفضت قوى الحراك الشعبي في السودان بيان قائد الجيش، معتبرين ذلك إعادة إنتاج للنظام ولا يعبر عن مطالب الشعب بتغيير النظام بالكامل، ودعا تجمع المهنيين السودانيين، وهو أبرز جهة منظمة للإحتجاجات، إلى كسر حظر التجوال والتوجه إلى ساحة الإعتصام في الخرطوم.
إلى ذلك، طالب قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، في بيان رسمي قادة الإنتفاضة، قيادة تجمع المهنيين ورؤساء الأحزاب وقادة الشباب، إلى فتح باب الحوار والتفاوض للوصول إلى حلول ترضي الشعب السوداني وتجنيب البلاد الإنزلاق والفوضي.
وعلى وقع هتاف “سلام – عدالة – حرية”، استهل المتظاهرون اعتصامهم أمام مقر الجيش، وواصل المتظاهرون أمام مقر وزارة الدفاع السودانية في الخرطوم احتجاجاتهم، رغم دخول حظر التجوال الذي أعلنه الجيش حيز التنفيذ، حيث دعت قوى الحراك الشعبي إلى كسر القيد والبقاء في ساحات الإعتصام.
صراع نفوذ؟
أتقن الرئيس البشير لعبة “الإنتقال إلى الأحضان المتنافسة” في وقت الذي يلاحق فيه من قِبل المحكمة الجنائية الدولية والإنتربول. فلقد نسج علاقات مع القوى الفاعلة بالمنطقة تكاد توصف بالجيدة؛ علاقته بتركيا مرضية والسعودية “هي أكثر من ذلك” لا سيما مع مشاركته في التحالف العربي في اليمن، واستماتته في الإستمرار فيه تجنباً لإستثارة غضب السعودية.
وفي ربط بين الأحداث، اندلعت الإحتجاجات في الخرطوم عشية زيارته للرئيس السوري، بشار الأسد، في دمشق حيث رأى العديد من المحللين بأنه شكل “التحدي الأكبر” لدولة قطر. فبعد افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، أرسلت السعودية مبعوثها الثاني إلى سوريا وهذا ما يعني أن قطر باتت خارج اللعبة والصلح، مما دعا المراقبين إلى القول بأن “على البشير أن يعي ذلك، فالثورة قطرية بإمتياز”.
في المقابل، لم تكن السعودية لتقف موقف المتفرج على ما تفعله قطر بحليفها “المدلل”، فأوجدت بديلاً سريعاً تمثل في قائد عسكري ووزير دفاع استلم زمام الأمور، لا يختلف ولاءه للرياض عن ولاء البشير سوى بشكل الوجه والرتبة العسكرية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: جريدة الشرق – اليوم السابع.