يارا انبيعة

للمرة الثانية يصبح الفنان الكوميدي فلاديمير زيلينسكي، 41 عاماً، رئيساً لأوكرانيا، ففي المرة الأولى خلال مسلسله التلفزيوني “خادم الشعب”، وفي المرة الثانية عندما تم تنصيبه رسمياً، في 20 مايو/أيار 2019 من تحت قبة البرلمان، وبحضور جمهور من وسط الشعب الأوكراني المليوني.

حل الرادا

أعلن الرئيس زيلينسكي، في خطاب تنصيبه أمام البرلمان، أن مهمته الأساسية هي التوصل إلى وقف لإطلاق النار شرق أوكرانيا حيث يدور نزاع دامٍ منذ خمس سنوات بين الجيش الأوكراني والإنفصاليين الموالين لروسيا. وقال زيلينسكي “مهمتنا الأساسية هي التوصل لوقف إطلاق نار في دونباس، المنطقة الغنية بمناجم الفحم والتي يسيطر عليها جزئياً انفصاليون”، كما أعلن في خطابه أيضا حل البرلمان –  الرادا الذي يتبنى موقفاً عدائياً منه، ممهداً بذلك لعقد انتخابات مبكرة دون انتظار موعدها الذي كان مقرراً في أكتوبر/تشرين الأول. في هذا الشأن، قال الرئيس الجديد “أعلن حل البرلمان”، وذلك أمام نواب ووفود دولية مجتمعة في مقر البرلمان، على الرغم من الشكوك في قدرته قانونيا على إطلاق هذا الإجراء الشديد التعقيد.

في المقابل، ألمح زيلينسكي إلى مسألة ضرورة إعادة اقليم القرم، وهو الموضوع الذي سيزعج موسكو بكل تأكيد، إذ سبق له أن طالب روسيا بدفع تعويضات بسبب ضمه، مشيراً إلى ثقته في أن أوكرانيا ستعيد شبه جزيرة القرم، وداعياً إلى الحوار مع موسكو في الوقت ذاته.

في شأن متصل، أكد دميتري بيسكوف، المتحدث بإسم الرئاسة الروسية، بأن الرئيس فلاديمير بوتين لا يعتزم تهنئة زيلينسكي على توليه منصبه هذا إلا إذا حقق تقدماً في تسوية الصراع شرق أوكرانيا، وأصلح العلاقة مع موسكو.

بداية غير مشجعة

على هامش مراسم تنصيبه وخلال لقاء مع مسؤولين أميركيين، قال زيلينسكي ” لن نتغلب على العدوان الروسي وحدنا”، داعيا إلى تشديد العقوبات عليها. هذا وترأس الوفد الأميركي إلى أوكرانيا وزير الطاقة، ريك بيري، الذي أثار خصوصاً احتمال فرض عقوبات على مشروع أنابيب الغاز “السيل الشمالي 2″، والذي يفترض له أن يضاعف كمية إمدادات الغاز بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق، دون المرور بأوكرانيا.

في هذا الخصوص، قال بيري “معارضتنا لمشروع السيل الشمالي 2 لا تزال قائمة، أتوقع في وقت قريب أن يرفع مجلسا الشيوخ والنواب قانوناً بهذا الصدد للرئيس الأميركي، ويفرض هذا القانون قيوداً باهظة على الشركات التي تواصل التعامل مع السيل الشمالي 2.”

أزمة الدونباس

من جهته، حذر الكرملين الرئيس الأوكراني الجديد معتبراً أن ذلك لا يخدم مساعي تسوية النزاع في شرق أوكرانيا، إذ أعلن بيسكوف أن هذه المقاربة لن تساعد أوكرانيا في حل الأزمة في جنوب شرق البلاد، مضيفاً أن أوكرانيا وحدها فقط هي القادرة على وضع حد للنزاع، من خلال اتفاقات مينسك للسلام التي تم التوصل إليها عام 2015 برعاية موسكو وبرلين وكييف وباريس.

وتابع بيسكوف أن الولايات المتحدة لا تستطيع تنفيذ التزامات اتفاقات مينسك، ولا روسيا أيضاً، هذا أمر على كييف القيام به، وسمحت اتفاقات مينسك بالحد جزئياً من المواجهات في الشرق، لكن العنف يندلع على خطوط الجبهة من وقت لآخر، حيث بقي الجانب السياسي من الإتفاقات حبراً على ورق.

من جهتها، صرحت رئيسة مجلس الإتحاد الروسي، فالنتينا ماتفيينكو، أن على سلطات كييف إقامة حوار مع دونباس، بدلاً من إجراء استفتاء حول العلاقات مع روسيا، وقالت ماتفيينكو “يجب إيجاد حل سلمي للنزاع في جنوب شرق أوكرانيا، يجب على سلطات كييف، الجلوس إلى طاولة المحادثات مع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. لا يوجد لاعب خارجي لديه حل لهذه المسألة.” من هنا، يجب على الرئيس الأوكراني وفريقه صياغة أولوياته في السياستين الداخلية والخارجية وتعميمها على المواطنين، مضيفة بأنه في موسكو يدركون الأهمية الكبيرة لإستعادة العلاقات التاريخية والأخوية مع أوكرانيا.

في المقابل، صرح مدير ديوان الرئاسة الأوكرانية، أندريه بوغدان، بأن المفاوضات المباشرة مع روسيا حول النزاع في منطقة دونباس ضرورية، وذلك بعد أن رفض رئيس البلاد زيلينسكي هذه الفكرة، حيث قال بوغدان “أعتقد أن روسيا ستوافق عاجلاً أم آجلاً على المفاوضات، والسؤال هو متى وتحت أي ظروف، ولكن إذا كنا نرغب في السلام، فعلينا أن نتفاوض”. وفي إجابة على سؤال حول الهدف من المفاوضات مع طرف روسيا، قال “على الجانب الآخر في أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد، يعيش مواطنونا أيضاً”، معتبراً أن الجمهوريتين غير مستقلتين في قراراتهما، ولذا يجب التفاوض مع موسكو.

كما عبر بوغدان عن ثقته بإمكانية حل النزاع في دونباس بطرق سلمية، قائلاً “ربما سيكون هذا الطريق صعباً، لكنني أعتقد أن هذا هو الطريق الذي ينبغي أن نسلكه”. هذا ويتعارض تصريح رئيس ديوان الرئاسة الأوكرانية مع تصريح سابق للرئيس زيلينسكي الذي أكد فيه عدم عزمه على التفاوض مع روسيا بشأن التسوية في دونباس.

صيغة النورماندي

أعلن الناطق بإسم الحكومة الألمانية، شتيفان زايبرت، أن المستشارة أنجيلا ميركل والرئيس زيلينسكي بحثا هاتفياً الوضع شرق أوكرانيا، وأكدا على ضرورة تنفيذ اتفاقات مينسك بشكل تام في إطار صيغة النورماندي، مضيفة بأن المحادثات تركزت، بوجه الخصوص، على التعاون الثنائي بين البلدين، وكذلك على التطور السياسي الداخلي في أوكرانيا، بما في ذلك وتطور الأوضاع في شرق البلاد.

سلطة جديدة

كتب البروفيسور فيجيسلاف نيكانوف، مدير صندوق  مؤسسة “عالم روسيا” في موسكو، قائلاً “اليوم في أوكرانيا حدث مهم، خروج سلطة، وظهور سلطة جديدة حقيقية، ولقد خرج الرئيس بيترو بوروشينكو الذي أشعل الحرب في الدونباس، وخرج كليمكين، وتورجينوف، والبرلمان، وكل من انغمست يده في دماء مأساة أهل الدونباس، وزيلنسكي كما اعتقد أظهر شجاعة سياسية علنية معروفة، وهو الذي يعتلي منصة البرلمان لأول مرة، وأعلن عن عزمه حل البرلمان، وأمام أعين النواب، وقال مباشرة لأعضاء الحكومة بأنهم  مشكلة وعرض عليهم الإستقالة، وكم هو جاهز زيلنسكي، ولأي مسافة لإيقاف الحرب في الدونباس؟ وهل سيتمكن من إتباع سياسة مستقلة؟”

بحسب العديد من المراقبين، يبدو أن كلا الطرفين، الأوكراني والروسي، يتوقان الى تحقيق السلام والإستقرار، ومواصلة البناء بعد اجتثاث الفساد الداخلي بطبيعة الحال. وبعد العودة لإعمار العلاقات الأوكرانية – الروسية التي طال انتظار عودتها فعلاً وعبر الحوار المتوازن والعودة إلى اتفاقات مينسك المتعثرة، لا مخرج من غير انجاح استحقاق السلام الداخلي الأوكراني مع روسيا، والمحافظة على تواجد اللغة الروسية الى جانب الإوكرانية الرسمية، وعدم العبث بالزعامة الدينية التاريخية للكنيسة الأرثوذكسية في كييف.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: مصر العربية –  أوكرانيا برس.