إعداد: مركز سيتا

شهدت العاصمة السعودية – الرياض، حفل توقيع اتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الإنتقالي الجنوبي، بهدف إنهاء الصراع على السلطة في جنوب اليمن، بحضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وولي عهد الإمارات، الشيخ محمد بن زايد.

تفاصيل الإتفاق

وقع الإتفاق من جانب الحكومة اليمنية سالم الخنبشي، نائب رئيس الوزراء، ومن جانب المجلس الإنتقالي الجنوبي العضو في هيئة رئاسته، ناصر الخبجي، بحضور ولي العهد السعودي الذي قال إن بلاده ستواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني والوصول إلى إتفاق سياسي يحل الأزمة.

وأضاف بن سلمان أن “إتفاق الرياض” هذا “سيفتح الآفاق إلى اتفاق واسع بين المكونات اليمنية”، وتم التوصل إلى مسودة هذا الإتفاق في وقت سابق، أكتوبر/تشرين الأول 2019، وسط رفض من مكونات الحراك الجنوبي تفعيل دور كل مؤسسات الدولة اليمنية، إلى جانب إعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، وتوحيد الجهود “تحت قيادة تحالف دعم الشرعية” لإستعادة الإستقرار في البلاد، إلى جانب ضرورة مشاركة المجلس الإنتقالي الجنوبي في مفاوضات إنهاء “إنقلاب” الحوثيين، حسب تعبيره.

تسليم المفاتيح

إن الإتفاق الحالي من الممكن أن يحقق نهاية الحرب اليمنية ويعطي إشارة البدء لحوار وطني شامل من خلال ترك اليمنيين أنفسهم يقررون شؤون إدارة بلادهم، إذ أن المملكة تحاول فتح صفحة جديدة لجهة تغليب الحكمة والحوار ونبذ الفرقة ووقف الفتنة وتوحيد الصف، فلا يوجد منتصر ولا يوجد مهزوم، فالتحالف الاستراتيجي بين السعودية والإمارات وبهذا الاتفاق سيطوي صفحة حرب أضرت بجميع الأطراف، ما سيؤدي بالقطع إلى حدوث تغييرات جوهرية في تحالفات المنطقة.

فبعد إعلان الإمارات سحب قواتها العسكرية من عدن قبيل توقيع الإتفاق وتسليم مقاليد الأمور للسعودية والأجهزة المحلية قبل ساعات من الموعد المعلن للتوقيع على اتفاق، طُرحت الكثير من التساؤلات عن دور تلك القوات في باقي الأقاليم الجنوبية، ومدى تأثير ذلك على الوضعين الأمني والعسكري، إذ يعلل أنور التميمي، الكاتب والمحلل السياسي بالجنوب اليمني، ذلك بأن الخروج الإماراتي “جاء بعد أن أمن الإماراتيون محافظة عدن بكاملها من الأخطار التي يعتبرونها تهدداً لأمن الخليج والإقليم”، مضيفاً “أنه وبمجرد إنسحاب القوات الإمارتية أحبطت المراهنات على أن إصرار الإمارات على البقاء في عدن هو جراء خلاف مع السعودية، لكن بمجرد قيام الإماراتيين بتسليم المحافظة ومدينتها إلى التحالف بقيادة السعودية تبدد هذا الزعم.”

تنسيق سعودي – إماراتي

إن سحب القوات الإماراتية من عدن جاء بتنسيق تام مع السعودية بحيث توجد أدوار متفق عليها، عسكرية وسياسية. وعندما تأتي السعودية وتقول إنه حان الوقت لتتسلم زمام الأمور عسكرياً وإدارياً في عدن، فمن الطبيعي أن تساعدها الإمارات في ذلك.

في هذا الصدد يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، إنه “لم يعد هناك لزوم لتواجد قوات إماراتية في عدن، بعد أن حسمت الأمر القوات التابعة للمجلس الإنتقالي والآن الطرف السعودي والجنوبي هما من سيقود عملية الحفاظ على الأمن في عدن، وأينما يطلب من قوات الإمارات أن تؤدي مهامها وواجبها بقوة في باقي المحافظات الجنوبية، أما عدن فقد أصبحت آمنة.”

بناء على ما سبق، يرى العديد من المراقبين أن “إتفاق الرياض” يعد انتصاراً وخطوة على طريق حلحلة الأزمة اليمنية متعددة الجوانب والأبعاد، وهو ما تتفق معه بعض التحليلات، إلا أن هذا الإتفاق هو نصر ثلاثي في ظل تفعيل الحكمة السعودية بالتوافق مع شركائها على إنهاء هذا الصراع بما يعود بالنفع على المنطقة ككل.

خارطة طريق

تتباين التحليلات حول تحديد مدى إستفادة وخسارة طرفي الأزمة؛ فبينما يرى البعض أن الإتفاق، عبر إنحياز سعودي وتأثير إماراتي واضح، منح المجلس الإنتقالي الجنوبي شرعية دولية لم يكن يتمناها، وسلطة واقعية قد تؤسس لأزمات أعمق في المستقبل القريب. فيما يرى آخرون بأنه خطوة ذات أهمية استراتيجية ستنعكس إيجابياً على الأزمة اليمنية عموماً، والواقع التاريخي المزري للجنوبيين خصوصاً.

لذلك، يشكل الإتفاق “خارطة طريق” واضحة، وإطاراً زمنياً لإنهاء النزاع بين حكومة هادي والمجلس الإنتقالي، كما أنه ينقل أزمة الجنوب اليمني القديمة إلى “إطار الدولة اليمنية”، ويربطها بمرجعيات ثلاث، هي “المبادرة الخليجية، والحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216”. إضافة إلى ذلك، يساعد الإتفاق على تقويض المشاريع الإنفصالية الجنوبية نظراً لإستناده إلى مخرجات الحوار الوطني المتعلق بإنشاء نظام إتحادي يتألف من ست مناطق، تضم واحدة منها أبرز المدن الجنوبية، بما يقف حائلاً أمام طموحات المجلس الإنتقالي الجنوبي بتوسيع نفوذه شرقاً إلى محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وإعادة إحياء دولة اليمن الجنوبي.

أخيراً، إن هذا الاتفاق يبدو أنه فرصة تاريخية لإيقاف الإقتتال الدائر، منذ العام 2015، ويجنب الشعب المدني إراقة الدماء. في وقت يجب على المسؤولين تفعيل الحوار وإيجاد مخارج تتيح عودة الحياة وإنهاء مأساة لم يكن فيها أحد رابح، فيما يبدو أن الموقف السعودي، وإن كان متأخراً بعض الشيء، إلا أنه يعبر عن تغيرات جذرية في السياسة السعودية للمنطقة عبر إتباع المسالك السياسية وتفعيل القنوات الديبلوماسية وإيقاف الآلات العسكرية، للنهوض بالمنطقة بواقع جديد يعود بالنفع على الجميع.

وتفصيلاً لما سبق، إن الآراء تتجه نحو موقف الولايات المتحدة، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، الذي أشار إلى أنه قد “حان الوقت للجلوس إلى مائدة التفاوض… وإنهاء حرب اليمن”. فمن خلال هذا التصريح، يمكن القول بأنها كانت إشارة من واشنطن إلى ضرورة وقف الحرب وما فترة العام، ما بين التصريح الأمريكي وهذا الإتفاق الثنائي، إلا ترتيب للأوضاع والخروج من الحرب بطريقة تدريجية. أضف إلى ذلك، هناك العديد من الإعتبارات الداخلية في السعودية نفسها، وأبرزها الكلفة المادية، والكلفة الإعلامية، من خلال الحملات الدولية على عمليات قصف التحالف، ناهيك عن النية بطرح أسهم شركة “أرامكو” النفطية في الأسواق المالية وضرورة إبعاد شبح الضربات عنها كي لا تفقد قيمتها، وهو ما يعد أمراً مستبعداً في ظل عدم وجود إتفاق شامل، يضم الحوثيين، على إنهاء الحرب ككل. هذا الإتفاق الثنائي لا يعد سوى إتفاقاً ثنائياً ضمن “أهل البيت الواحد”، وبالتالي يعد إتفاقاً منقوصاً لن يمنع قيام الحوثيين بإستهداف المنشآت السعودية مجدداً؛ بل على العكس قد يرى فيه الحوثيين بأنه إصطفاف جديد موحد في وجههم بعدما إستفادوا من إقتتال بين الحكومة والمجلس لكونه قد خفف عنهم بعض من الخسائر والجهد.

مصدر الأخبار: سيتا+ وكالات.

مصدر الصور: سي.إن.إن عربية – الميادين.

موضوع ذو صلة: هل تقرر السعودية وقف التصعيد؟