حوار: سمر رضوان

تحتل منطقة التنف موقعاً جغرافياً مهماً لجميع أطراف الصراع في سوريا، حيث تكمن أهمية هذه المنطقة أنها نقطة إلتقاء الحدود العراقية – السورية – الأردنية، وقد شكلت منصة لإستقبال الدعم اللوجيستي القادم عبر الأردن إلى الجهات المدعومة أمريكياً على مدى سنوات الحرب. ولقد اختيرت هذه المنطقة لتكون موقع تدريب للفصائل الإرهابية، من جيش العشائر وأسود الشرقية ومغاوير الثورة وجيش سوريا الجديد، تحت مسمى الجيش السوري الحر بهدف إستكمال فصلٍ جديد من فصول الحرب الدائرة في سوريا.

عن المعلومات التي تتحدث حول تدريب أمريكا لفصائل إرهابية وزجها في معارك مقبلة، سأل مركز “سيتا” الأستاذ عمر معربوني، الكاتب والباحث اللبناني في الشؤون العسكرية وخريج الجامعة العسكرية السوفياتية، حول تفاصيل هذا الموضوع.

تحولات أساسية

إن المنطقة، عموماً، وسوريا والعراق، خصوصاً، تعيش مرحلة تحولات كبرى نتيجة الإنتصارات المتتالية على الإرهاب. وعلى هذا الأساس، لا يمكننا القول إننا وصلنا إلى مرحلة تحقيق النصر الكامل بما يرتبط بحسم هذه المواجهة الجارية في المنطقة، لكن مجموعة من الإنتصارات المتراكمة أدت إلى تحولات أساسية يمكن وصفها الآن بالتحولات الكبرى بما يرتبط بالوضع الجيو – سياسي للمنطقة بشكل كلي.

من هنا، يجب الإشارة إلى مسألة هامة أيضاً وهي أن الولايات المتحدة، التي لم تحقق كامل أهدافها في المنطقة التي تكمن في تقسيمها وتفتيتها، لا تزال في الحقيقة تمتلك أوراق قوة يمكنها من خلالها الإستمرار في هذه المواجهة ضمن عنوان أساسي هو مدى بقاء التأثيرين الميداني السياسي لواشنطن في المنطقة. على هذا الأساس، إن إمتلاك أمريكا للإمكانيات والأدوات يجعلها قادرة على تغيير الآليات.

تأثير إقتصادي

إنطلاقاً من الوقائع الحالية الكامنة في تموضع للقوات الأمريكية، والموجود عملياً في قاعدة التنف التي تشكل نقطة ربط بين الجنوب والشمال على خط الحدود السورية – الأردنية وعلى خط الحدود السورية – العراقية أيضاً، إضافة إلى نقطة أساسية هامة جداً وهي أن المنطقة الشمالية الشرقية حيث تسيطر وحدات الإنفصاليين الكرد، المدعومين أمريكياً بشكل مباشر، يكمن القول بأن ذلك كله يسمح لها بالتحكم في مسألة أساسية وهي كون المنطقة، المسيطر عليها من قبل الإنفصاليين، تضم حوالي 60% من مصادر الطاقة الأساسية أي النفط والغاز، إضافة إلى المناطق الزراعية الإستراتيجية التي تمثل مجمل السلة الغذائية لدمشق، وهي تتجاوز أيضاً الـ 60% من الأراضي الصالحة للزراعة.

على هذا الأساس، يمكن وصف التأثير الأمريكي، الآن وفي هذه المرحلة بالذات، بأنه متشبع بـ “التأثير الإقتصادي” أكثر منه بالتأثير العسكري.

إحياء الإرهاب

إنطلاقاً من التأثير الاقتصادي المتمثل بالضغوط الإقتصادية من عقوبات وحصار والإمساك بالمناطق الزراعية الأساسية والثقل الأساسي لمصادر الطاقة، تعمل واشنطن على تنشيط جماعات إرهابية لا تزال موجودة بتصرفها وتحت إمرتها وتحديداً من خلال القيام بعمليات تدريبها في محيط منطقة التنف ومناطق أخرى، تحت مسميات مختلفة. لكن بتقديري إن الولايات المتحدة تعمل الآن على تجميع فلول تنظيم “داعش” الإرهابي، وهو أمر كانت قد قامت به واشنطن بعد تحقيق مجموعة من الهزائم لهذا التنظيم في كل من سوريا والعراق، خصوصاً وأن تموضع الأمريكيين في التنف يسمح لهم بدعم هذه الجماعات على المستويات اللوجيستية والإدارية والتدريب والدعم بالأسلحة.

بتقديري، تستطيع واشنطن، إذا ما تأمن الدعم المالي وهو بالتأكيد يمكن تأمينه من خلال دول الخليج، أن تعمل على إعادة تجميع وتأطير هذه القوى ضمن قوة عسكرية يقال إنها قد تصل في عديدها إلى 60 ألف مقاتل. إذا ما صحت هذه المعلومات، سنرى تأثيراً كبيراً لتلك المجموعات الإرهابية في تلك المناطق، إذ يمكنهم بشكل أو بآخر التأثير على الميدان، خصوصاً أن المنطقة شاسعة وصحراوية، كمنطقة البادية، وتحتاج إلى عدد كبير من القوات لحمايتها.

من هنا، سنكون أمام مشهد مختلف تماماً إذا ما قمنا بعملية ربط ما ورد أعلاه مع ما يحصل في الجنوب السوري، حيث تتعرض وحدات الجيش السوري ومراكزه ودورياته إلى كمائن متنقلة من جماعات إرهابية لم تعلن عن نفسها بشكل صريح وواضح حتى اللحظة كمسمّى لكنها موجودة، وبالتأكيد هي قادرة على التأثير في عملية الإستقرار.

خطة بديلة

إن المسألة الأخطر الآن هي إمكانية عودة أمريكا إلى تفعيل خطة الربط بين الجنوب السوري وشماله، خصوصا أنه وقبل تحرير مناطق البادية الكبرى في الشمال والجنوب كان المشروع يهدف إلى إقامة إقليمين؛ الأول، إقليم إنفصالي شمال شرقي، عبر الإنفصاليين الكرد، والثاني هو إقليم حوران، في الجنوب السوري، على أن يتم الربط بينهما بواسطة ممر حدودي يمر عبر الحدود السورية – الأردنية، من البوكمال حتى معبر التنف، ومن معبر التنف وصولاً حتى نهاية خط الحدود مع الأردن.

في الحقيقة، هذا الخط كان جزءاً من خطة أمريكية بديلة تستهدف إقامة “قوس عازل” يبدأ من منطقة الجولان السوري، لا بل من سفوح جبل الشيخ في ريف دمشق الغربي ومنطقة بيت جن وتوابعها، مروراً بخط الحدود السورية – الأردنية الجنوبي ومن ثم الشرقي وصولاً حتى منطقة البوكمال وربط هذه المنطقة مع رقعة تواجد الإنفصاليين الكرد، إذ يقع أحد الأهداف الرئيسية لهذا القوس بمنع عملية التواصل بين العراق وسوريا، وبالتالي إحباط مفاعيل خط الإمداد الإستراتيجي من إيران إلى لبنان، وإقامة خط أنابيب لجر النفط والغاز السوري عبر هذه المناطق الحدودية وصولاً حتى موانئ فلسطين المحتلة.

مواجهة مرتقبة

الآن وفي ظل حالة الإحتدام والتعقيد الشديدة وتحديداً في المسألة السياسية، تبدو الولايات المتحدة متجهة إلى تعقيد المشهد أكثر خصوصاً أن هناك مواجهة مرتقبة مع الإيرانيين تأخذ شكلاً سياسياً وإقتصادياً، في الوقت الحالي. إلا أن إحتمالات الذهاب إلى مواجهة عسكرية لا تزال قائمة ولو بنسبة قليلة، وبالتالي الضغط على هذه المنطقة الحدودية هي مسألة أساسية بالنسبة للأمريكيين وبالنسبة للكيان الصهيوني أيضاً.

بإعتقادي، ما هو مطلوب عملياً الآن من قوى محور المقاومة الإنتباه لهذه المسألة من خلال تثبيت نقاط السيطرة في هذه المناطق، والعمل على تكثيف العمل الإستخباراتي للتحقق من طبيعة هذه المعلومات التي يتم نشرها في هذه المرحلة.

مصدر الصور: checklebanon – مصر العربية.