حوار: سمر رضوان

كشفت شركة إسرائيلية عن خططها الإنتقال إلى شرق دير الزور لإستغلال حقول النفط والغاز فيها، إلى جانب وصول خبراء مصريين وإعلان شركة “أرامكو” السعودية عن إرسال بعثة فنية إلى حقل العمر النفطي لتوقيع عقد استثمار مع القوات الأمريكية، لتأهيل آبار هناك وممارسة أعمال الصيانة والتنقيب وبدء التصدير.

حول حقيقة هذه المعلومات كلها، سأل مركز “سيتا“، الدكتور إياد المجالي، الباحث والمحلل في العلاقات الدولية والشؤون الإيرانية في جامعة مؤتة – الأردن، عن تداعيات هذا الموضوع.

دعم أمريكي

بالتأكيد هو مسار سياسي تستثمر فيه إسرائيل نفوذ الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا وآبارها النفطية، فهي الشريك الإستراتيجي والراعي الرسمي لكافة متطلبات التغلغل والسيطرة الإسرائيلية في “المناطق الرخوة” ضمن الإقليم الشرق أوسطي. فقد جرت العادة أن توضح معالم العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية مفهوم الإلتزام الأخلاقي والقيم والمصالح المشتركة، خاصة وأن للجانب الأمريكي، في الصراع السوري، دور سلبي جداً، بحيث كانت وما زالت تقوم بسياستها على مراعاة المخاوف الإسرائيلية التي ترى بإقامة دولة ديمقراطية تكون فيها الكلمة الفصل للشعب السوري تهديداً وجودياً لها.

لذلك، عملت واشطن منذ البداية على منع السلاح النوعي الكاسر للتوازن عن “الثوار”، وضغطت بكل الإتجاهات، وعلى كل الدول الداعمة لثورة الشعب السوري، من أجل عدم تسليحهم بمضادات طيران تستطيع تحييد طيران الجيش السوري الذي شكل حاجز صد لتحرك الكثير من الميلشيات المسلحة على الأرض.

كيان كردي

سيستمر الخط السياسي الأمريكي العام كما هو عبر إدامة زخم الصراع من أجل تدمير جميع خصوم إسرائيل، العرب وتركيا وحزب الله وإيران والمنطقة وقتل التعايش بين مكوناتها لتبقى إسرائيل القوة الوحيدة في الشرق الأوسط، وهذا ينفي الإدعاء بأن هناك خطط تسعى تل أبيب إلى تنفيذها من خلال إستغلال حقول النفط والغاز في دير الزور لتمويل قيام كيان إنفصالي كردي في الشمال السوري وبدعم أمريكي.

جوهر المسألة إذاً هو إيجاد تدابير ناجعة للحد من درجة الغموض الإستراتيجي الذي يكتنف رؤية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول سوريا، وإن تحقيقها يتطلب دبلوماسية ذكية للإستجابة إلى المخاوف المتعددة. فمن جهة، ستستفيد الولايات المتحدة من كل تلك أطراف الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية – “داعش”، وهو الهدف الأكثر إلحاحاً بحسب مقولة واشنطن التي يوجد فيها من يفكر بهذه العقلية على نحو جاد، إذ يتعارض ذلك مع اتفاقات قادة قوات سوريا الديمقراطية – “قسد” والحكومة السورية، حيث تلقت الأولى ضربة موجعة من حليفتها التي سحبت قواتها العسكرية أمام العملية العسكرية التركية “نبع السلام” لترك المسرح أكثر خطورة أمام الأتراك لتحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية على حساب الكرد السوريين في شمال شرق سوريا.

مناورة ومراوغة

تبدو مسوغات ومبررات الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل غير موضوعية، فهي تمارس المناورة والمراوغة في تحديد موقف ثابت خاصة وأنها لم تقف يوماً على الحياد في الصراع السوري، بل على العكس كانت من أبرز الدول التي ساعدت على تأجيجه خدمة لمصالحها ومصالح حليفتها. إن المهمة الأميركية شاقة جداً في هذا الجانب بظل توافر بيئة أمنية متعددة الأطراف ومتناقضة من حيث المصالح والسياسات، ويستلزم مثل هذا الموقف إدارة تتحلى بالمرونة الإستراتيجية والتصميم على نحو فعال؛ فتركيا تعتبر عضواً مهماً في حلف الناتو ولديها دورها في دعم عمليات التحالف الأميركي ضد تنظيم “داعش”، ويمكن الإعتماد عليها كعمق استراتيجي لإدارة العمليات العسكرية والأمنية في المنطقة، ولعل إدارة مخاوفها بشأن التوسع الكردي في شمال سوريا ستكون لها بالغ الأثر في ضمان وقوفها إلى جانب الولايات المتحدة.

يترافق كل ذلك مع وجود إسرائيل في المعادلة، والتي تعد طرفاً غائباً حاضراً في أية معالجات أمنية بشأن سوريا. فإسرائيل تراقب عن كثب مجريات الحرب، وتشعر أنها ليست بمعزل عن نيرانها في ظل تنامي التهديدات الجيو – سياسية للأزمة هناك، فقد أتيحت الفرصة لأعداء إسرائيل إيران – حزب الله – الإرهابيين بتعزيز قدراتهم العسكرية النوعية، مما يجعل الأمن الإسرائيلي تحت خطر دائم.

وطبقاً للمقولات الإسرائيلية، فإن إنشاء المنطقة العازلة في سوريا، التي تقودها الولايات المتحدة، يمكن أن يكون تجربة لدعم فكرة إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية – الإسرائيلية لتوفير أكبر قدر ممكن من الأمن والإستقرار للجبهة الشمالية، والحؤول دون تسلل الإرهاب إليها، وهو كفيل بمعالجة مخاوفها الأمنية.

من وجهة النظر الشخصية، أرى بأن أكبر الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها الدول الداعمة لتفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها السياسي هي الرهان على دور الولايات المتحدة، ووضع “كامل بيضها” في السلة الأمريكية متناسين بآن واشنطن لا ترسم سياستها الشرق أوسطية إلا بما يراعي المصالح الإسرائيلية.

“إغتصاب” إقتصادي

هذا المسار الثاني الذي يؤكد حجم الأطماع الامريكية وحلفائها للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الإقتصادية والسياسية في الهيمنة على كافة ثروات المنطقة، وشركة “أرامكو” النفطية السعودية هي إحدى أهم أذرع الولايات المتحدة في المنطقة وتعمل لصالحها إستراتيجياً، فهي تستعد للإستثمار في حقول النفط في الشمال السوري الذي يسيطر عليه الكرد بمبررات واهية تتوافق مع بقية الحلفاء الأمريكيين في المنطقة.

لا يتوانى الرئيس ترامب عن تأكيد سيطرة قوات بلاده على هذه الحقول وأنه سيفعل بعوائدها ما يشاء، بما في ذلك إعطاء حصة منها للإدارة الذاتية الكردية وقواتها، وكأنها ملك لحكومته المحتلة والغاصبة، في الوقت الذي يعد هذا الاحتلال إغتصاباً حقيقياً لحق الشعب السوري في ثروات بلاده، التي تعاني من ظروف اقتصادية قاسية ودمار كامل للعديد من المدن وشح كبير في مصادر الطاقة، في وقت هي بحاجة له من أجل البدء في حركة إعادة الإعمار.

مسار السياسة المصرية

بداية، لا بد من تحليل مسار السياسة الخارجية المصرية  تجاه الأزمة السورية والذي يتلخص في التعامل معها من خلال إيجاد حل سياسي بالأساس وليس عسكرياً، للحفاظ على الدولة ومؤسساتها ووحدة أراضيها، مع ضرورة وضع الطموحات المشروعة للشعب محل اهتمام، والحفاظ على ثرواتها النفطية، بالإضافة إلى رفض التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الداخلي، والحلول العسكرية للأزمة وإعطاء أولوية للمساعي السياسية، مع استبعاد الفصائل المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية من المصالحات، والتأكيد على جهود المبعوث الأممي في سوريا، وصولًا للتسوية السياسية المنشودة، مع الرفض التام لمحاولات استخدام القوة واستقطاع جزء من الأراضي أو نهب وسرقة البترول أو فرض أمر واقع جديد في المنطقة بما يعد انتهاكاً للأعراف والقوانين الدولية. 

أما عن تداعيات وجود خبراء مصريين، تحت رعاية أمريكية في سوريا للتنقيب عن النفط، فهذا الخبر يتعارض مع موقف مصر الرسمي لأن هؤلاء الخبراء لا علاقة لهم بالحكومة. وإذا كان الخبر صحيحاً، فسيكون عملهم خاصاً ومهنياً خالصاً أي مرتبط بعملهم في شركات النفط السعودية، ولا علاقة لهم بالحكومة المصرية.

من المهم القول بأن السياسة الخارجية المصرية قد نجحت في إنجاز اتفاقين لتهدئة الأوضاع في سوريا في فترة وجيزة، وذلك في ظل رضا من الأطراف المتصارعة، وقبول من الفاعلين الدوليين في الأزمة. ولكن إذ ثبت الخبر عن وجودوهم بصفة رسمية، فإن ذلك سيؤدي إلى تصعيد وتوتر العلاقات بين البلدين.

مصدر الصور: لبنان 24 – عربي يوست.

موضوع ذو صلة: أين يذهب النفط السوري؟