يارا انبيعة

في ظل حمّى الحياة الإلكترونية “المحمودة” التي تجتاح دول الخليج، شكّل انتشار الأعمال والمشاريع الإفتراضية غير الفيزيائية سيفاً ذا حدين ضاراً في أحدهما ونافعا في الأخرى؛ فضرره في ظل عدم وجود “قوانين ناظمة” أكبر من نفعه، لا سيما عندما يسبب ضرراً بقطاع اقتصادي أو صناعي أو تجاري تقليدي تعتمد عليها كل الدول.

وفي هذا السياق، تعد التجارة الإلكترونية سوقاً مفتوحة على مدار الساعة، من حيث توفير الوقت والجهد على المتسوق الإلكتروني للوصول إلى كافة السلع والخدمات بخيارات متنوعة في بيئة تتسم بالشفافية وتحظى بتنافسية عالية لكسب ثقة المستهلك. ويشهد هذا النمط العالمي الجديد من التجارة إقبالاً كبيراً من قبل السعوديين حيث تعد المملكة من أعلى 10 دول نمواً ضمن مجال هذه التجارة في العالم بنسبة نمو تتجاوز 32%، وقد وصل حجم تداولاتها ضمن المملكة إلى ما يقارب على الـ 80 مليار ريال، خلال العام 2018. هذا ويعد السوق السعودي أكبر سوق اقتصادي في المنطقة، وأكبر الأسواق الشرائية والإستهلاكية، حيث التجارة الإلكترونية قلَّصت مبيعات سوق التجزئة التقليدي إلى 30%.

أنظمة وضوابط

بعد بلوغ حجم التجارة الإلكترونية في السعودية ما يقارب على الـ 45% من حجم هذه التجارة في الشرق الأوسط بأكثر من 33 مليار ريال، بات من الضروري تنظيم عمليات التجارة الإلكترونية في المملكة. من هنا، أصدر مجلس الوزراء السعودي مرسوماً بالموافقة على نظام التجارة الإلكترونية التي تقع أهم أحكامه في:

  1. توضيح بيانات التواصل وخصائص المنتج.
  2. حماية بيانات المتسوق.
  3. تنظيم الإعلانات التجارية الإلكترونية.
  4. معالجة تأخر التسليم.
  5. الإلتزام بأحكام المهن المرخصة.
  6. سحب وحجب الإعلانات المخالفة.
  7. اعتبار محل إقامة موفر الخدمة هو محل عمله في حال عدم توفر مقر عمل له.

إضافة إلى ذلك، وفّر النظام أيضاً ضوابط للإعلان الإلكتروني، ومن أهمها:

  1. تضمين الإعلان إسم المنتج والتاجر ووسائل الإتصال.
  2. منع تضمين الإعلان أي ادعاء يخدع العميل.
  3. منع الإعلان لأي علامة لا يملك التاجر حقوقها.
  4. إلزام المتجر الإلكتروني بإزالة الإعلان المخالف.

يأتي ذلك بعد قيام المملكة بإنشاء “مجلس التجارة الإلكترونية”، في 18 يوليو/تموز 2018، الذي يرتبط بعدد من القطاعات الحيوية، كالجمارك والبريد، حيث يتولى المجلس مهام اقتراح سياسات التجارة الإلكترونية وتشريعاتها والإشراف على برنامج “تحفيز التجارة الإلكترونية”، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمنع الإزدواجية، والتخلص من العوائق التي تواجه التجارة الإلكترونية، وضمان التنفيذ الفاعل لمشاريع برنامج “تحفيز التجارة الإلكترونية” وتوصياته.

ويعتبر إقرار المجلس خطوة استراتيجية لتحقيق أهداف “رؤية 2030” عبر خلق اقتصاد متنوع، وتأسيس بيئة استثمار جاذبة، وبيئة حاضنة لريادة الأعمال ومولدة لفرص العمل، إذ تعمل المملكة على إكمال مسيرة التقدم في مؤشر التجارة الإلكترونية بإحتلالها المرتبة 35 بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في نهاية العام 2020.

كما يساهم المجلس بشكل رئيسي في تنفيذ مبادرة برنامج “تحفيز التجارة الإلكترونية” التي من شأنها أن تعزز نمو منظومة أعمال هذه التجارة، علاوة على أنه يعتبر نقطة الإتصال التي تتعاون فيها المؤسسات الوطنية ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص لتوائم​ جهودها وتواكب التطورات العالمية لهذه التجارة، وتوجد منصات تسوق في الفضاء الرقمي وفقاً لما يفضله التاجر والمستهلك ويرغبانه.

خطوات عملية

وفيما يخص النظام الجديد، يقول الدكتور عبدالله بن أحمد المغلوث، عضو الجمعية السعودية للإقتصاد، إن “توجه الحكومة بإصدار نظام جديد لقطاع التجارية الإلكترونية خطوة إيجابية نحو تعزيز وإيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين”، مضيفاً “إن النظام يسهم بشكل كبير في تسريع عجلة التطور والتنمية في القطاعات الحيوية، وسيحقق طفرة كبيرة في حجم التجارة الإلكترونية قد تصل إلى 20% سنوياً”، مؤكداً على “أن هناك عدة أسباب تسهم في نمو التجارة الإلكترونية بالمملكة، أهمها أن هناك جاذبية لهذا القطاع حيث أن أكثر من 70%، من السعوديين دون سن الـ 30، يعتمدون على وسائل التواصل والتسويق الإلكترونية.”

ويتابع الدكتور المغلوث “هناك أيضاً مساحة الإنتشار الواسع للمتسوقين على الإنترنت عالمياً، ويقدرون بنحو 3 مليارات، وهذا يعزز طرح المزيد من المنتجات والخدمات، بالإضافة إلى الإمكانات غير المحدودة للوصول دون قيود، لا سيما في أعداد مستخدمي الأجهزة اللوحية الذكية والتي تتنامى بإستمرار”، كما يشير إلى أن “حجم التجارة الإلكترونية في المملكة خلال العام 2018 (بلغ) نحو 2 مليار ريال، ومن المتوقع أن يصل إلى 125 مليار خلال العام 2025.”

وبشأن تهيئة المناخ للنظام الجديد، قال الدكتور المغلوث إن المملكة تسعى إلى العديد من الإنجازات والإسهامات لتعزيز التجارة الإلكترونية، من أهمها مبادرة وزارة التجارة والاستثمار التي أطلقت خدمة “معروف” لتزيد من ثقة المستهلك بالأسواق الإلكترونية، وبعض مبادرات مؤسسة البريد لتسهيل عمليات النقل وغيرها، مشيراً إلى أن تلك الإجراءات تشجع على العمل في هذا المجال وتنعش المبيعات كما تحد من الممارسات غير النظامية بين سلع مقلدة.

كما أوضح الدكتور المغلوث أن بلاده جادة في إصدار هذا النظام وتطبيقه مما يعود بالنفع لقطاع التجارة الإلكترونية والمواطنين والمتسوقين كي يحفظ حقوقهم. لذا، تسعى المملكة لتذليل صعوبات التجارة الإلكترونية من خلال خلق فرص استثمارية ووظيفية ووضع بيئة نظامية لتنشيط هذا السوق الواعد، وتوفير بعض الخدمات اللوجستية مثل النقل والتوصيل وتسهيل عملية الدفع الإلكتروني وتبني عدد من المبادرات لتحفيز تلك التجارة. ففي حالة إقرار هذا النظام “سوف تسهم 8 ركائز أساسية لتطوير قطاع التجارة الإلكترونية بهدف زيادة استخدام أدوات التجارة الإلكترونية من قبل المنشآت والأفراد”. ومن أهم الركائز دعم ثقة ووعي المستهلك وتحسين الاتصال وتغطية النطاق العريض، كذلك تعزيز انتشار الدفع بالبطاقات عبر الإنترنت وتطوير منظومة الخدمات اللوجستية، وتطوير تجارة التجزئة، وتطوير منظومة الدفع الإلكتروني ودعم منظومة الشركات الناشئة وتحسين خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات.

بين الحماية والتشجيع

هذه الخطوة الهامة كانت مدار العديد من التعليقات، إذ قال الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن المملكة “نجحت في النهوض بقطاع التجارة الإلكترونية، بإعتباره الأساس في الإقتصاد الوطني ومن المحركات الأساسية له، من خلال مجموعة الضوابط والضمانات التي تضمن حقوق أطراف المعاملة الإلكترونية. ويأتي حرص القيادة بهذا القطاع والعمل على تعزيز فرص نموه وتقدمه بصورة سريعة في فترات قصيرة، كونه واحداً من المرتكزات المهمة في مجال الخدمات اللوجستية، التي تعد بدورها أحد الأهداف الإستراتيجية لبرنامج التحول الوطني 2020 وأحد القطاعات الداعمة لتحقيق رؤية المملكة 2030 والمحفزة للمستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة.”

بدوره، قال أحمد معطي، المحلل الاقتصادي، إن العمل بنظام التجارة الالكترونية يشكل “خطوة هامة للغاية في تحقيق أهداف برنامج التحول الوطني”، مضيفاً “إن نظام التجارة الالكترونية، الذي أقرته المملكة سيجعل بقية الدول العربية تفكر في أخذ هذه الخطوة الهامة للغاية، وذلك لحماية جميع أبناء الوطن العربي من عمليات الغش والإحتيال الذين يتعرضون لها بسبب هذه المعاملات، بل وسيشجع أيضاً المستثمرين العرب لدخول هذا المجال بقوة والإستثمار والتوسع فيه بعد وجود قانون منظم لهذه التعاملات وأيضاً سيجعل المستهلكين يركزون على شراء الخدمات والمنتجات من مواقع عربية، وليست أجنبية.”

من جهته، قال الدكتور حسام الغايش، خبير أسواق المال، إن التجارة الإلكترونية “سوق واعدة عالمياً بقيمة تزيد على 30 تريليون دولار، وشهدت نسبة التسوق عبر الإنترنت في المملكة ارتفاعاً إلى 49.9% بنهاية العام 2018، فيما زاد متوسط حجم الإنفاق عبر الإنترنت للفرد إلى 4 آلاف ريال وذلك بحسب تقارير وزارة الإتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العامة للإحصاء.”

ختاماً، لعل وضع القوانين لأية حالة تحتاج لتفصيل وتدقيق هو الحل الأمثل لجعل منافعها أكبر من مثالبها. فكما أن هذه المحاولات التجارية الربحية وفرت أموالاً كبيرة للمستثمرين الجدد وخلقت فضاء مالياً موازياً للفضاء التقليدي، فإنها وبدون النظم والقواعد الحاكمة لها قد تؤول إلى بئر عميق يؤذي الإقتصاد من باب حسن النية.

إن معرفة هذه الإتفاقيات والتمكن منها ضروري لجميع الدول لكونها “سلاح ذو حدين”؛ فإما أن تكون ممكنة لنفاذ السلع والخدمات الوطنية إلى الأسواق العالمية وعاملاً مؤثراً لتنمية الصادرات، أو معولاً لهدم صناعات محلية قائمة، وذلك بفتح السوق المحلي على مصارعيه في ظل احتدام الحرب التجارية بين الدول.

مصدر الأخبار: سيتا – وكالات

مصدر الصور: موقع السياحة السعودية – صحيفة سبق – الجمارك السعودية.