إعداد: مركز سيتا
إنضمت روسيا إلى قمة السبع – G7 في العام 1998، التي كانت تُعرف بإسم مجموعة الثماني – G8، إلا أن المجموعة علّقت عضويتها على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم. فهل تخرج قمة هذه المجموعة في دورتها الحالية المنعقدة في بياريتس الفرنسية بغياب الطرف الروسي، بحلول لأزمات هزت العالم، ليس آخرها الحرب التجارية أو النووي الإيراني والآن حرائق الأمازون؟!
تذليل العقبات
قبل أيام من إستضافتها لقمة مجموعة السبع، توجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى فرنسا للقاء نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لبحث أهم القضايا العالمية لا سيما تلك التي سيتم بحثها في قمة قادة الدول الصناعية، كأزمة أوكرانيا، والأزمتين السورية والليبية، إلى جانب الملف النووي الإيراني ومنطقة الخليج. اللافت في هذه الزيارة أن روسيا ليست عضواً في المجموعة، لكن حضور الرئيس بوتين يؤكد أن الدور الروسي فاعل ومؤثر في الملفات خاصة التي تأخذ طابعا دولياً خصوصاً وأن باريس تسعى إلى تلطيف الأجواء ولو ظاهرياً على الأقل.
وبالرغم من إتفاق الزعيمين على ضرورة صياغة علاقات بناءة بين موسكو وأوروبا، إلا أن التباين في المواقف كان واضحاً حيال ملفات أخرى خاصة الملف السوري، وهو ما أعلنه الرئيس بوتين صراحةً بإستمراره تقديم الدعم للدولة السورية، يقابله قلق الرئيس ماكرون على مسألة الأمن الدولي، والأوروبي تحديداً، حيث شدد على أهمية التقارب مع موسكو، أحد أضلع الإستقرار في العالم، إذ تكمن الخطوة الأبرز بإعادة بناء علاقة جيدة بين الإتحاد الأوروبي وروسيا، وهنا يظهر الدور الفرنسي من خلال تحديد التهديدات الجديدة المشتركة سواء كانت متعلقة بالأسلحة التقليدية أو النووية أو السبرالية.
من هنا، ربط الرئيس ماكرون إعادة روسيا إلى مجموعة السبع بتسوية الأزمة في جنوب شرق أوكرانيا، إلا أن الرئيس بوتين يبدو أنه غير مستعجل للعودة إلى هذا النادي، إذ شدد على أنه لا بديل عن “مجموعة النورماندي” ودعمها، مع التأكيد على أن هناك توافق مشترك بين الجانبين وتطابق في بعض الملفات الدولية وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني.
ومن قلعة بريغانسون جنوب فرنسا، حمل الرئيس ماكرون في جعبته ما تم التفاهم عليه مع نظيره الروسي إلى قادة مجموعة الدول السبع لبحثها وفي مقدمتها تسوية الأزمة الأوكرانية كمفتاحٍ لعودة روسيا إلى لهذه المجموعة.
ملفات ساحنة
إنعقدت القمة الخامسة والأربعون لمجموعة السبع التي تضم كل من الولايات المتحدة وكندا واليابان وفرنسا وألمانيا، بريطانيا وإيطاليا، في منتجع بياريتس في فرنسا، إنطلاقاً من المبادئ المشتركة من قيم الحرية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، حكم القانون، والرخاء، والتنمية المستدامة، كما تحتل سياسات الطاقة، والتغير المناخي، ومرض نقص المناعة المكتسبة – الأيدز، والأمن العالمي مكانا بارزاً بين قضايا أخرى كثيرة تناقشها القمة.
وعلى الرغم الكثير من النجاحات التي سبق وحققنها، تعصف خلافات داخلية بين أعضاء هذه المجموعة، أبرزها خلاف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مع باقي أعضاء المجموعة حول الضرائب على الواردات والإجراء الذي اتخذته بلاده تجاه التغير المناخي في قمة السبع، التي انعقدت في كندا العام 2018. كما وتواجه المجموعة انتقادات لأن أداءها لا يتناسب مع الأوضاع الإقتصادية والسياسية على المستوى الدولي، فضلاً عن غياب أكبر قوتين مؤثرتين على مستوى العالم، وهما الصين وروسيا.
تهديدات في القمة
أثار اتهام ماكرون الرئيس للبرازيلي جاير بولسونارو بأنه “كذب” بشأن تعهداته حول المناخ و”بعدم التحرك” في مواجهة هذه الحرائق التي تدمر منذ أيام “رئة العالم” أي غابات الأمازون استياء الرئيس ترامب، الذي يعد بولسونارو من أبرز مؤيديه على الساحة الدولية، اذ لوَّح بفرض رسوم جمركية على واردات النبيذ الفرنسي رداً على فرض رسوم فرنسية على المجموعات الأميركية العملاقة في قطاع التكنولوجيا.
من جهتها، عبرت برلين عن تحفظات بعدما أعلنت باريس أنها ستعرقل مشروع اتفاق تجاري بين السوق المشتركة لأميركا الجنوبية – ميركوسور والإتحاد الأوروبي، وهي قضية سيتطرق إليها كل من الرئيس ماكرون والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في لقاء ثنائي.
أما فيما يخص الملف النووي الإيراني الذي كان حاضراً، يبدو أن الرئيس ماكرون سيتكفل بتقديم العديد من المقترحات لحلحلة الأزمة. وفي الواقع، أن فرنسا لا تخطو وحيدة في هذا الإتجاه بل هي تمثل الاتحاد الأوروبي الذي استمر في مفاوضاته مع طهران، محاولاً الحفاظ على الاتفاق النووي الذي أبرم في العام 2015، إذ يبدو أن الأوروبيين بشكل عام يسعون إلى رفع بعض العقوبات الإقتصادية عن إيران. في وقت قال فيه الرئيس ماكرون “نعيش نهاية الهيمنة الغربية على العالم”، متحدثاً عن بزوغ قوى جديدة في العالم وعن بناء هندسة جديدة للثقة والأمن في أوروبا وهو ما اعتبره غير ممكن دون إعادة النظر في العلاقات مع روسيا.
عودة روسيا
أراد الرئيس ترامب عودة روسيا إلى قمة السبع لتصبح ثمانية مجدداً، ولكن الأوروبيين لا يرون أن الأمر ممكن الآن. فبالنسبة إلى بروكسل، لا تزال موسكو تهدد وحدة الأراضي الأوكرانية شرقاً، ولا يزال نشاطها في تقويض الديمقراطية الأوروبية قائماً.
يأتي ذلك في وقت أشار فيه بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني وخلال لقائه مع المستشارة ميركل، أنه لا يمكن لروسيا، التي هاجمت الأراضي البريطانية بالغاز السام (نوفيتشوك) لتصفية الجاسوس المزدوج سيرغي سكريبال، أن تعود إلى المجموعة.
في المقابل، قال الرئيس ماكرون إن روسيا ستعود في نهاية المطاف إلى المجموعة، لكنه ربط عودتها بتنفيذ بنود “إتفاقية مينسك الثانية”، المتعلقة بالنزاع في شرق أوكرانيا.
على ما يبدو أن قمم السبع تشوبها خلافات حادة بين الأعضاء أنفسهم، إذ إتخدت القمة منحىً نظرياً أكثر من تحديد الخطوات العملية لحل الأزمات والمشكلات التي تعترض العالم أجمع. ومع الغياب الروسي وبين مؤيد ورافض لعودته، يبدو أن هناك شرخاً كبيراً في هذه القمة وروسيا هي حجر الأساس في رأبه. يبدو أن لا حلول تلوح في الأفق حيال العديد من الملفات العالمية الملحة، كالحرب التجارية مع الصين والمسألة السورية والملف النووي الإيراني، وتحافظ فيها على حالة “اللا حل”، لو مرحلياً، إلى أن تنقشع سُحب الخلافات التي يبدو أنها ستأخذ وقتا طويلاً. وإلى أن يحين الوقت، هناك عام كامل يفصل عن قمة العام القادم، ولربما تنفذ الإتفاقات التي خرجوا بها، ويبقى الوقت هو العامل الأساس في تبيان هذه الحلول
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: موقع بوليتيكو – الجزيرة.