شارك الخبر

حوار: سمر رضوان

 

إن تكرار زيارات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى موسكو، في الأعراف الدبلوماسية، يأتي في سياق الضغوط الروسية على تركيا لتنفيذ إتفاقيات “سوتشي” و”أستانا”، أو الإتفاقات المتعلقة بمناطق خفض التصعيد في إدلب وما حولها، وجوارها من أرياف حلب وحماة واللاذقية، بالتوازي مع إكمال مسيرة التحرير التي غيرت من سقف تطلعات الطامعين في سوريا، وأجبرتهم على القيام ببعض التنازلات.

عن هذه الزيارة وتراجع مطالب الجانب التركي، ما بعد تحرير كامل ريف حماة الشمالي، وإستعادة مدن ومناطق إستراتيجية من محافظة إدلب، ودور بعض الفضائل المسلحة، سأل مركز “سيتا” الدكتور بكور عاروب، المتخصص في الشؤون التركية والحركات الجهادية الإسلامية، حول هذه الملفات.

إقتناع بالتغيير

قدّر الحليف الروسي وسوريا بلحظة من اللحظات، أن هناك إحراج تركي واضح، وأن الرئيس أردوغان عاجز عن تنفيذ أي إتفاق يتعلق بمكافحة الإرهاب بشكل مباشر لأن الجانب التركي، ومع الأسف، هو من حضن الإرهاب وساعد على وصوله وإنتشاره في الداخل السوري، وأصبح له مقرات ومصالح وآليات عمل مختلفة في تركيا، إذ باتت عاجزة عن مواجهته بشكل مباشر حالياً.

هذا الحرج الذي تواجهه أنقرة رغم إدراك القيادة التركية لأهمية القيام بتنفيذ كافٍ للإتفاقات والوفاء بالوعود، يجعل من الرئيس أردوغان، وقيادته وحزبه الحاكم، غير قادرة على الإستمرار طويلاً في موضوع “القفز على الحبال” أو التسويف، لأن القرار السوري واضح لجهة عودة كل شبر من إدلب ومحيطها إلى سلطة الحكومة السورية والجيش السوري، يساندهما في ذلك مواقف القيادة الروسية، لا سيما تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته، سيرغي لافروف، الأخيرة بأنه لا يمكن القبول بإستمرار تواجد الإرهاب في منطقة خفض التصعيد في إدلب وجوارها.

إنعاش الاقتصاد

في الحقيقة، إن البيان التركي السياسي، الذي صدر منذ ثلاثة أشهر والذي جاء فيه أنه حتى نهاية العام الحالي (2019) يجب الإنتهاء من “جبهة تحرير الشام”، والإرهاب بشكل عام، في إدلب، يعبر عما تضمنته الإتفاقات. غير أن ذلك لم يكن سوى مجرد إعلان سياسي دون تنفيذ أو قدرة على التنفيذ الواقعي على الأرض.

الآن، بدأت عملية فرض الحلول بعد أن اصبحت الحاجة ماسة وضرورية لجميع دول المنطقة. على سبيل المثال، هناك دول عدة ترغب في تقديم طلبات ترانزيت للعبور ضمن الأراضي السورية، فلقد أصبحت تكلفة تجاوزها، سواء الجوية أم البرية، باهظة وضاغطة، بالنسبة إلى العديد من الشركات التركية والخليجية وشركات دول المنطقة. وللعلم، هناك بعض الشركات التركية تقدمت بطلب إلى وزارة النقل السورية للسماح لها في العبور، لكن لم تتم الموافقة بعد لأن وزارة النقل ليست معنية لأسباب سياسية خاصة بالإتفاقات القائمة حول الطرق.

إن ما يتم تداوله عن إدلب الآن، يتوافق مع ما قلناه سابقاً عن إن إدلب هي “طبخة على نار هادئة”. ورغم كل هذا الضغط العسكري الحالي، يجب أن نقول هنا إن هذا الضغط قد أخذ وقتاً طويلاً، وعندما نفذ صبر القيادة السورية وجيشها والحلفاء والأصدقاء، بدؤا بتنفيذ ما يجب تنفيذه من حيث الإصرار على تطبيق إتفاق “سوتشي” بالقوة، إضافة إلى فتح الطرقات الدولية لو بالقوة.

هذا الموضوع الإستراتيجي الذي يؤكد عليه الجيش السوري، يكمن في ضرورة فتح الطرقات الدولية “4” و”5″، من حلب – دمشق كمرحلة أولى، وطريق حلب – اللاذقية كمرحلة ثانية. هذا الأمر، سيشكل قفزة نوعية في ملف إدلب لأنه سيحصر الإرهاب في منطقة ضيقة جداً، وسيفتح آفاق للتواصل الإجتماعي وسيكون ضربة قاسمة قبل أن يتم إستكمال تحرير المنطقة سواء بالسياسة أو بالعسكرة.

تململ الجهاديين

يقصد من هذا التكتيك الحكيم تفريغ المنطقة والضغط السكاني، وهذه الحجة الدائمة التي تعتمدها أوروبا وتركيا. إن عودة السكان إلى المناطق التي تم تحريرها من الإرهاب في ريف حماة الشمالي وفي خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي ساهم ويساهم في تخفيف الضغط السكاني، وإبطال هذه الذريعة.

بالمقابل، هذا الضغط سيؤدي إلى مزيد من الإنسحابات. نلاحظ الآن أن هناك تململ من قبل المجموعات المسلحة إذ تم تسجيل وتوثيق تسجيلات عديدة لهم، إذ يعلن فيها بعض قادة “الحزب الإسلامي التركستاني” احتجاجهم على تصرفات “هيئة تحرير الشام” وباقي الفصائل المسلحة في إدلب لجهة عدم وجود تنسيق كافٍ وصدقٍ في التعامل، وهم يشعرون بخيبة أمل.

بالحقيقة، هناك خيبة كبيرة لدى من المهاجرين ومن بعض قادتهم، الذين قدموا من ضمن المسربين إرهابياً إلى سوريا؛ أما الخطر الأكبر الذي يجب الإشارة إليه فهو أن تنظيم “حراس الدين” ويحاول إعادة تشكيل القاعدة التي انطلق منها بغية الإنتشار ضمن الأراضي السورية مجدداً، وربما في شرق الفرات، وربما العودة إلى العراق. في الواقع، لن يكون هناك “داعش” جديد، وإنما سيكون فصيل “حراس الدين” الوجه الجديد والأخطر والأقوى لـ “تنظيم القاعدة” وهذا ما تثبته لنا الدراسات والمعطيات القائمة والصلاحيات الواسعة وما يتميز به الآن من سلطة القرار الجهادي أو العلميات الإرهابية التي ينفذها التنظيم، والتي هي الوكالة الأساسية لتنظيم “حراس الدين” وقادته.

خطأ قاتل

إن ظهور “حراس الدين”، من خلال تنفيذ بعض العمليات في جبال مكحول في العراق وبعض المناطق الأخرى، قد يترافق مع الضغط القائم حالياً. فالمنطقة الآمنة التي يحاول إقامتها الجانب التركي والأمريكي في الشمال السوري، تعتبر خطأ إستراتيجياً قاتلاً سيؤدي إلى ظهور التنظيمات الإرهابية مجدداً في الشرق السوري وجزء من الأراضي العراقية، وربما تكون الحرب الأمريكية – الإسرائيلية، من خلال الطيران المسيّر مؤخرا على مستودعات الحشد الشعبي والتنظيمات الشعبية الحليفة للجيش العراقي والتي هي جزء من تيار المقاومة، فقد يكون الآن هناك دور جديد للقاعدة في ذلك، بالتعاون مع المحور الصهيو- أمريكي، فهو يندرج تحت مسمى إستثمار أمريكي – صهيوني في الحرب ضد المقاومة وكل دول المنطقة.

من هذا المنطلق، هناك ضرورة إستراتيجية لقطع الطريق من خلال عودة لدور عراقي قيادي فاعل في إطار محور المقاومة، لأن هذا المحور، مع تعافي العراق، سيكون عصياً ومن الصعب جداً مقاومته، وسيشكل خطراً إستراتيجياً كبيراً على كافة المشاريع الصهيونية، وعلى الكيان الصهيوني بشكل مباشر.

من خلال ما سبق، هناك أمران يجب التحذير منهما؛ الأمر الأول، إعادة إنتشار الفصائل الإسلامية المتطرفة، وخصوصا فصيل “حراس الدين”. الأمر الثاني، عدم إدراك تركيا لحجم وضرورة ان تكون سوريا موحدة، إذ عليها إدراك هذه القضية لأن سوريا الموحدة تعني أن تركيا بخير، إلى جانب كل دول المنطقة.

بإعتقادي، ان القيادة التركية تدرك هذه القضية وقد إتخذت قراراً حاسماً في هذا الإتجاه، وربما إعادة إنتشار نقاط المراقبة، وكافة النقاط التركية مع إنتشار للشرطة العسكرية الروسية، يبشر بالخير ويعطي نوعاً من الطمأنينة بأن مسار العلميات بخير. بهذا الشكل، لا يمكن أن تكون هناك أفكار واهمة تركية للتواجد في إدلب، فنقطة المراقبة في ريف حماة تقع على بعد أقل من 1 كلم من نقطة عسكرية روسية وشرطتها. وبطبيعة الحال، يمكن ملاحظة أن إعادة إنتشار بعض الأرتال التركية التي دخلت إنتشرت بشكل خاص بمحاذاة الطريق الدولي.

عسكرياً، لن يكون هناك أي تأثير يذكر لهذه النقاط على العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري، أما الطريق الدولي فسيفتح مع تأمين غربه بنطاق 15 – 20 كلم بحسب المعطيات الجغرافية والعسكرية والسكانية، هذا الأمر سيكون حتما خلال الفترة القريبة القادمة.

حلحلة ملف النازحين

من خلال ما سبق، إن إستعادة مدن كبيرة وذات إستيعاب سكاني هائل سيمتص عدداً كبيراً من المواطنين الذين يشكلون ضغطاً على الحدود التركية في المخيمات الآن، وسيساهم بعودة أعداد كبيرة منهم إلى مدنهم وقراهم، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيف الضغط في هذه الناحية، وفتح الطرق الدولية سيعيد موضوع عبور الترانزيت وسيساهم في تحسين المزاج الإقتصادي قليلاً ربما في المنطقة، خصوصاً في سوريا، من ناحية أخرى.

مصدر الصور: middle-eastonline – صحيفة العرب.



شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •