مجد إبراهيم كاسوحة*
بدأت المنطقة بمناوشات مهب اللهيب الذي لم يُبقِ ولم يذر بحال اندلاع المواجهة التي تسعى إليها كُلٍ من بريطانيا وإسرائيل والولايات المتحدة مع إيران بأموال خليجية. إنَّ ما يتم اليوم من عملية شيطنة السلطة الشرعية بإيران، عبر تصويرها للرأي العام العالمي على أنها تتكون من حفنة قراصنة ولصوص من المتشددين الإسلاميين يقومون بحكم بلد ولا يختلفون جوهرياً عن تنظيم “داعش” الإرهابي أو “القاعدة” وأتباعهما، لا يهدف إلا إلى شرعنة التدخل العسكري بطريقة مبالغة بها للقضاء على التطور التقني المنطلق من النهج العلمي في إيران لإعادتها عقود إلى الخلف.
إن ما يحدث لإيران اليوم، شبيه بما كان سيحدث لنّا لو تم وأد الحراك المسلح في اللحظات الأولى من عُمر الأزمة السورية. لكن التباين الإجتماعي متعدد الأوجه، الديني والقومي والطبقي، بتفرعاته كافة هو من خدم المشروعين الصهيوني والغربي لتدمير أجزاء من البنية التحتية للوطن السوري، وقد نجحا من خلال المتطرفين والمتشددين من المتشدقين بالدين وبالقوميات المختلفة. أما الجزء المتبقي من هذا التباين، فما زال يساهم بتأخير القضاء الكامل على البؤر المسلحة المتواجدة في كل من الشمال وشمال شرق سوريا بدعم أميركي وتركي وخليجي وبتوجيهات صهيونية.
بالمنظور العام وفي الفترة القادمة، ستُتَابع عملية تأجيج الرأي العام العالمي على إيران من خلال تدبير حوادث تفتعل بطرق متعددة لإظهار مدى صحة وجهتي النظر الغربية والصهيونية، في عدم قدرة طهران على تأمين الأمان اللازم لمضيق هرمز، وهو الأمر الذي يسعى إليه الصهاينة من أجل تشجيع دول الخليج على مد أنابيب نفط للموانئ الفلسطينية المحتلة حيفا وغيرها، ومد أنابيب نفط أُخرى بإتجاه سيناء وذلك تشجيعاً لقيام “صفقة القرن” عبر رفد صحراء سيناء بمقومات اقتصادية توجه كمساحة أمل لكل الذين يقطنون بقطاع غزة والمدن الفسطينية الأُخرى التي تتبع إدارياً وجغرافياً لسلطة الإحتلال. وهذا ما يُبرر التحذير الذي رأيناه من وزير الدفاع الأمريكي، مايك بومبيو، للسعودية حول المشروع الذي تسعى إليه من أجل توسيع قدرة الأنابيب الناقلة للنفط من شرق الجزيرة العربية إلى غربها على موانئ البحر الأحمر.
إن كل ما يحاك، هو لدعم وتقوية موقف إسرائيل وتبرير استمراريتها للمرحلة القادمة عبر ربطها حيوياً بالقطاع الإقتصادي لكل دول الخليج وإبقاء التحكم بالشق الخاص بالفلسطينيين في حال تم المحال ونُفذت “صفقة القرن”.
وما نراه اليوم ليس بعيداً عن الأمس القريب. تاريخياً وبغض النظر عن الخلافات الفكرية والسياسية بيننا وبين العراق الشقيق في العقود الماضية، إن غزو العراق كان تدمير ممنهج أساسه القضاء على بنية الدولة المؤسساتية والصناعية، ونهب ثرواتها الطبيعية بأشكالها المتعددة، وتشجيع الفكر العشائري والقومي الإنفصالي لمكونات الشعب العراقي، وهو ما تم في أغلب مناطق البلاد عدا بقع قليلة لأسباب مختلفة، وهذا ما أدى إلى إعادة العراق فكرياً وعلمياً وثقافياً لعصور ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما أُفتعل لدينا عبر جماعات “الربيع العربي” وبشكل مُستغرب من معظم المراقبين والمحللين.
بعد ظهور النسخة البريطانية من “ترامب” (بوريس جونسون) مع وجود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الواضح بأن الأمور ستذهب إلى مكان اللاعودة إذا ما تمت إعادة إنتخاب الأخير رئيساً لولاية جديدة. فالطريقة التي سيتبعها مع إيران، من الآن ولغاية البدء بعملية إعادة الإنتخاب، ستكون “المهادنة بأسلوب الإستفزاز” عبر توجيه الرأي العام العالمي ضد هذا البلد مما يساهم بموجات من الأخذ والرد حتى إتمام الإنتخابات وبعدها تذهب الأمور إلى صدام لا يعلم أحد عن نتائجه النهائية شيئاً.
إن الفترة المقبلة على إيران، هذا البلد الذي كان وما زال البلد الشقيق للشعب السوري بكل ما قدمه من خدمات وتضحيات في كافة مجالات التعاون وأهمها الإقتصادية والاستشارية بشقيها المدني والعسكري، لن تكون سهلة نتيجة الظروف الإقتصادية والحصار الإقليمي والدولي.
بحسب توقعاتي، إن سيناريو التصعيد سيكون شبيهاً لما حدث بداية عبر استهداف عدة ناقلات نفط وبواخر فاعلة في المنطقة واتهام الجمهورية الإسلامية بها، وذلك من أجل تأجيج الصراع واتخاذ قرار يقضي بالتدخل العسكري المباشر، عبر المجموعة الدولية التي تسعى الولايات المتحدة لجمعها حولها بحجة حماية المضيق فيما الصحيح هو شرعنة الشق العسكري من التدخل في دولة ذات سيادة من قِبل أكثر من 60 بلداً مجتمعين معاً لكسب تأييد دولي واسع النطاق خارج إطار الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة ومنظماتها.
بالنتيجة، إن معظم أبناء الشعب السوري واللبناني والإيراني، المصطف في محور المقاومة، يراهن على الصمود في وجه الشدائد مهما استمرت، نراهن على القوى السياسية والإقتصادية العاملة، ومنظومتنا الإجتماعية التي عانت من التطرف في سوريا.
*باحث سوري.
مصدر الصور: USA Today – روسيا اليوم.