د. قصي عبيدو*

منذ بداية الحرب في العام 2011 ولغاية يومنا هذا، كان ولا زال موقف الحكومة السورية من مسألة مكافحة الإرهاب واضحاً وثابتاً تجاه ما يحصل من تدمير ممنهج على كامل الجغرافيا السورية من قِبل المجموعات والمنظمات الإرهابية المسلحة، المدعومة من دول إقليمية وغربية، والتي تسعى إلى تحقيق مصالحها عبر قتل وذبح السوريين، وتدمير البنى التحتية للدولة.

لكن إصرار الحكومة السورية على قيام الدولة والمؤسسات وتماسك الشعب ووقوفه خلف قيادته ودعمه للجيش العربي السوري، كان له أثر واضح في عملية التصدي للإرهاب وتحرير الكثير من المدن والقرى والبلدات على مساحة الوطن؛ فإنقلب السحر على الساحر، وبعد أن كانت المنظمات الإرهابية تسيطر على ثلثي الجغرافيا، انقلبت الموازين واستعاد الجيش العربي السوري سيطرته على أكثر من 85% من أرض الوطن، بحيث تم تجميع الإرهابيين في إدلب مع إعطاء فرصة للحل السياسي عبر مقررات “سوتشي” و”أستانا” من قِبل حلفاء سوريا، بالتحديد روسيا وإيران، ولكن للأسف من دون جدوى.

لذلك، إستمرت الدول الداعمة للإرهاب بدعم المنظمات الإرهابية بالمال والسلاح والإعلام وكل ما كان ينقصها، في مقابل قيام الأخيرة بتنفيذ الأجندات السياسية والمصلحية لمشغليها، وكان آخرها ما حصل في إدلب وريفها عندما تم خرق الهدنة وإرسال السيارات المفخخة لإستهداف حواجز الجيش السوري ما أدى إلى وقوع إصابات وشهداء؛ بالتالي، جاء رد الجيش على هذه الخروقات بإطلاق عملية تحرير إدلب، فما كان يمنع بدء هذه العملية هي وعود الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي طالت وتحولت إلى أكاذيب، فهو لم يلتزم بشيء من ما تم الإتفاق عليه بل إكتفى بإطلاق الوعود لإضاعة الوقت ظناً منه أنه يستطيع إنتزاع بعض المكاسب السياسية والإقتصادية من الدولة السورية عبر قوات المرتزقة، وتحديداً إدلب وجسر الشغور وعفرين. 

فبعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا ومن ثم توججه إلى تركيا وبعدها لقاء اللواء علي مملوك مع مسؤولين أتراك في روسيا، تم رسم الخطوط الحمراء وبلِّغ الرئيس أردوغان بأن قرار تحرير إدلب قد إتخذ؛ وبالفعل، بدأت المعركة وتم تحرير ما يقارب على 28 قرية وبلدة  خلال أيام، أهمها معرة النعمان لما لها من أهمية استراتيجية كخط دفاع أول بالنسبة للمسلحين، فسقوطها يعني وقوع انهيارات متتالية في صفوف الإرهابيين وتحديداً “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) التي تسيطر على أغلب مناطق محافظة إدلب وريفها.

من هنا، يأتي تحرير معرة النعمان بنتيجة مهمة جداً وهي سهولة فتح الطريق الدولي الرابط بين عدة محافظات من حلب إلى إدلب إلى حماة واللاذقية، الأمر الذي يعني أن مدينة سراقب، في ريف إدلب، باتت ساقطة نارياً، وتفصلها عن الجيش السوري مسافة 5 كلم فقط.

أيضاً، إن عملية التحرير تلك من المنظمات الإرهابية يؤدي إلى عملية فرار جماعي في صفوفها بإتجاه الحدود التركية حيث يعد الخيار الوحيد أمامها. أما إغلاق الحدود من قبل الرئيس أردوغان بوجه هؤلاء، فقد شكل لهم نوعاً من “الصدمة”؛ بإعتقادي، سيكون لهذا الأمر مفاعيل سلبية جداً على علاقة الطرفين ببعضهما، فلربما تكون هي النار التي ستنهي المستقبل السياسي للرئيس التركي. فبعد فشله في سوريا وعلى الرغم من تقديمه كل “أوراق الطاعة” للعدو الإسرائيلي وللأمريكي عبر تنفيذ أجندتهم بإستخدام المرتزقة لتدمير سوريا خدمة لهم وعدم قدرته على تحقيق حلمه بإقامة إمارته المزعومة، بدأ مفعول تلك التصرفات بالظهور من خلال العداوات، مع عدة دول عربية وغربية، التي أنتجتها تلك السياسة، إضافة إلى إستمراره بإنتهاج السياسات العدوانية ذاتها لا سيما تدخله بالشؤون الداخلية للكثير من الدول وآخرها ليبيا التي من المرجح بأنها ستكون “الضربة القاضية” لعلاقات أنقرة الخارجية مع العالم.

لذلك أقول، إن تحرير معرة النعمان سيسرع من عملية خروج القوات الأجنبية من سوريا لحفظ ماء الوجه، حيث لن يتبقى لهم أية ذريعة بعد تحرير ادلب ومحيطها، وهذا لن يطول؛ كما سنلحظ في الأيام القادمة ضخاً إعلامياً هائلاً حول الملف الإنساني في إدلب، وسيكون هناك رفع لسقف المطالب في العلن، ولكنهم سوف يتنازلون، من تحت الطاولة، تدريجياً عن إبتزازهم السياسي والإقتصادي تجاه الدولة السورية.

*كاتب ومحلل سياسي سوري.

مصدر الصور: سبوتنيك – لبنان 24.

موضوع ذو صلةأوزكان: خلاف روسي – تركي حول معركة الشمال السوري