كارينيه نظريان*

“الأسد أو لا أحد”، مبدأٌ لطالما تردد على مدار سنوات الحرب السورية، سواء من قبل المؤيدين للرئيس بشار الأسد من الشعب السوري، أو من قبل الدول الداعمة له، كروسيا وإيران، والتي لم تصرح بتبنيها لهذا المبدأ علانية، وإنما كانت تعمل على تنفيذه عبر سلسلة من الخطوات التي دعمته سواء على أرض الميدان أو في المحافل الدولية. 

علاقات باردة وتساؤلات بالجملة 

لا يمكن في حال من الأحوال إنكار برود وجفاء العلاقات الروسية – السورية في الآونة الأخيرة، في ظل الهجمات التي تعرض لها الرئيس الأسد بشكل شخصي من بعض المواقع المحسوبة على القيادة الروسية؛ فيما وعلى الجانب الآخر تشهد العلاقات الروسية – الإيرانية دفئاً وتوافقاً تاماً في مختلف الملفات الإقليمية، ما أرخى بظلاله على الشارع السوري الذي بات في حالة توجس وخوف وترقب حول المرحلة القادمة، وخاصة في ظل الصمت التام من قبل دوائر صنع القرار في سوريا حيال ما يحدث، ووسط معمعة تدهور الوضعين المعيشي والإقتصادي لمعظم السوريين والذي تعتبر تلك التطورات المحلية والإقليمية من أهم أسبابه.

وفي خضم تلك المجريات، بدأت تبرز مؤخراً سلسلة من التساؤلات حول أوضاع العلاقات الروسية – السورية، أبرزها: هل ستضحي روسيا بعلاقتها مع القيادة السورية وتنسف كل ما بنته خلال العقود الماضية؟، هل توجد خطط بديلة لدى القيادة الروسية فيما لو حدث فراغ في رأس الهرم السوري؟ هل تستطيع موسكو ترميم منظومة قيادة سياسية وعسكرية وأمنية متكاملة؟ وهل بالفعل أن روسيا هي صاحبة القرار الأوحد في سوريا؟

من يستطيع إزاحة الأسد؟

يؤكد المحلل العسكري والاستراتيجي، كمال الجفا، بأن الأمر متشعب بشكل كبير والإجابة عن هذا السؤال محاط بالغموض “فلا روسيا قادرة على إزاحة الأسد، ولا إيران لوحدها قادرة على دعم صمود القيادة السورية دون عوامل وحوامل تعتمد عليها القيادة في تدوير الزوايا والتعامل بمرونة في بعض الأحيان وبقساوة وصلابة في أحيان أخرى.”

ويضيف الجفا “قرار القيادة السورية وثوابتها الإستراتيجية في دمشق وفي قصر الأمويين تؤكد بأنها لم ولن تسلم قرارها السيادي لا إلى روسيا ولا إلى إيران”، مشيراً في الوقت ذاته إلى “جملة من المعطيات يمتلكها الرئيس الأسد، إلى جانب كثير من الأوراق الرابحة التي ما زالت صالحة للاستخدام في الزمن المناسب، يضاف إليها العلاقات والخطوط المفتوحة مع قوى إقليمية ودولية لم تنقطع حتى مع الولايات المتحدة، ولو عبر وسطاء بطريقة غير مباشرة، عدا عن أقنية دبلوماسية لم تغلقها دمشق مع أنظمة عربية فاعلة ومؤثرة يمكنها إعادة التوازن لبعض الاندفاعات الروسية أو حتى الإيرانية.”

هل يخسر بوتين، الأسد كحليف استراتيجي؟

في هذا الشأن، بقول الجفا “الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يضحي بما بناه من علاقات مهمة وحساسة مع الرئيس الأسد ولن يخسر ما راكمه من عوامل تواجد عسكري واستراتيجي وسياسي وإنساني على الأراضي السورية، وهو يعرف بأن إيجاد حليف بديل عن الرئيس الأسد في هذه الظروف هو أمر شبه مستحيل، كما يدرك بوتين جيداً أن أدواته في سوريا حاولت وسبرت عميقاً في خفايا المجتمع السوري ودرست وغربلت كثيراً من الشخصيات التي إعتقدت أنها قادرة على ملىء جزء يسير من منظومة القيادة في سوريا.”

وفي خضم تداعيات المشهد الأخير الذي تعيشه سوريا، خرجت سلسلة تحليلات حول أن الخلافات، إن كانت موجودة بالفعل، بين الدولتين، فإنها تتمحور حول مسألة الرغبة الروسية بخروج إيران وإنهاء نفوذها في سوريا، لكن فعلياً وعلى أرض الواقع لم يُلحظ أي تصريح روسي حول هذه الرغبة بشكل معلن، فيما تنفي مصادر مقربة من صناع القرار بدمشق، مسألة حدوث خلافات سورية – روسية من أساسها.

وتعليقاً على مسألة الخروج الإيراني، أشار المحلل العسكري والإستراتيجي “لا الضربات الإسرائيلية ولا الضغوطات الروسية ستؤدي إلى دفع إيران للخروج من سوريا، فالعلاقة السورية – الإيرانية قديمة ومتجذرة، وسوريا لن تفرط بهذه العلاقة لأنها بيضة القبان في تحقيق توازن وإستقلالية ومرونة في السياسات السورية.”

وأردف الجفا بالقول “يمكن التأكيد أيضاً بأنه وكما العلاقات السورية – الإيرانية متجذرة ومتوازنة ومتأصلة ولا يمكن التضحية بها، فالأمر ينطبق تماماً على العلاقة السورية – الروسية والتي لا يمكن التخلي عنها ولا التضحية بها من القيادة السورية، وهي مكملة وداعمة للمواقف السورية الإيرانية أن كان فيما يتعلق بالملف السوري أو الملفات الإقليمية والدولية الأخرى، وهذا ينفي بنسبة كبيرة مسألة الطلب الروسي المتعلق بإنهاء نفوذ إيران في سوريا …”.

وفي ظل تلك المعطيات تخلص النتيجة إلى أن لا روسيا بوتين ولا سوريا الأسد بوارد تفجير العلاقة الإستراتيجية بين البلدين، وما يجري حالياً في أروقة دمشق وموسكو لا يعدو كونه “سحابة صيف” مرت بسرعة.

إذاً وفي ظل المعطيات الحالية، فلا سوريا بوارد إبعاد موسكو أو طهران، والعكس صحيح، فموسكو التي لطالما دعمت دمشق سواء من خلال استخدام “الفيتو” لعدة مرات في مجلس الأمن لصالح دمشق، أو عبر دعمها العسكري المباشر للجيش السوري عسكرياً، على قناعة تامة في الوقت الحالي بأن مصالحها تتمحور حول بقاء الرئيس الأسد في سدة الحكم ومواصلة دعمه بكافة الطريق الدبلوماسية والعسكرية، ما يعني بالنتيجة إلى أنها متمسكة وبكل قوة بمبدأها الثابت “الأسد أو لا أحد”.

*إعلامية سورية.

مصدر الصور: أرشيف سيتا.

موضوع ذا صلة: الرئيس الأسد سبب كل ما يجري في المنطقة والعالم