إبراهيم ناصر*
إن إقامة نظام ديمقراطي في السودان من أحد الأهداف الرئيسية التي حركت الشعب السوداني في ثورة شعبية بوجه نظام الرئيس السابق، عمر البشير، والتي كانت في محصلتها إنجاز سقوط أعتى نظام قسري في تاريخ السودان الحديث وفي فترة وجيزة. ولكن إسقاط “رأس النظام” ما كان إلا خطوة أولية نحو تحقيق التحول الديمقراطي المنشود في البلاد.
فالناظر الى التطورات على الساحة السودانية والتي عقبت سقوط نظام الإنقاذ بين القوى العسكرية والمدنية المشاركة في الثورة، سيلاحظ بأن إنجاز التحول الديمقراطي الكامل في الخرطوم تواجهه العديد من التحديات والمعوقات، والتي من الممكن إرجاعها الى النقاط التالية:
تآكل رأس المال الإجتماعي
أصبح مفهوم رأس المال الإجتماعي من أكثر المفاهيم تداولاً في الأونة الأخيرة، وكثيراً ما يرتبط هذا المفهوم في علم السياسة بالديمقراطية وما يرتبط بها من مفاهيم أخرى كالمشاركة والمواطنة ونشر ثقافة حقوق الإنسان والثقافة المدنية بشكل عام؛ وأما في علم الإقتصاد، فينظر اليه بوصفه أداة مهمة لتقليل ما يعرف بتكاليف المعاملات المالية والتجارية؛ اما من المنطور الإجتماعي، فيرتبط بمفاهيم الثقة والإعتماد المتبادل والتضامن المشترك.
إن المجتمع السوداني، كغيرة من المجتمعات الإنسانية، يمتلك رصيداً من رأس المال الإجتماعي؛ ولكن بفعل التخريب الذي تعرض له بسبب الحروب الأهلية والنزعات العرقية والأزمات السياسية والإجتماعية التي عايشها المجتمع السوداني تآكل هذا الرصيد، وبالتالي يمكن القول بأن عملية التحول الديمقراطي في السودان ربما تواجهه صعوبات جمة حتى يتعافي هذا الرصيد.
وتعافي رأس المال الإجتماعي يحتاج إلى سياسات رشيدة وإرادة وطنية حكيمة تأسس لقيام دولة مواطنة تعيد روح الثقة والتعاون الإجتماعي بين أفراد المجتمع، وإحترمها لحقوق المواطنين دون تميز بينهما، فضلاً عن بذلها جهود ترسيخ القيم الوطنية المشتركة.
المواقف السلبية للقوى المشاركة في الثورة
من الصعب جداً إغفال دور القوى المدنية والعسكرية في الإطاحة بنظام الإنقاذ، إذ لعبت كل الأطراف ادواراً مفتاحية في خلعه. لكن الممارسات التي إتبعتها هذه القوى عقب عملية السقوط من تشنج في المواقف والمحاصصات من أجل تقسيم كعكة السلطة بين العسكريين والمدنيين، تعتبر مواقف سياسية سالبة والتي بالمحصلة أدت الى حصر المطالب الثورية في تفاهم بينها. وبالتالي، فقدت الثورة فرصاً كبيرة من أجل تحقيق هدف التحول الديمقراطي الكامل في البلاد.
وقد ترجع التصرفات السياسية المذكورة أعلاه إلى غايات فردية أو مؤسساتية لأن هذه القوى تعتقد بأن التحول الديمقراطي المفاجىء قد يتسبب في إعادة الخصوم السياسيين “الإسلاميين” إلى سدة الحكم من خلال نافذة الديمقراطية لأنهم كانوا ممسكين بمقاليد السلطة لفترة ثلاثة عقود. لذلك، إرتأت هذه القوى بأن الإبطاء من عملية التحول الديمقراطي يجنب حدوث مثل هذا السناريو.
مشاركة العسكريين في المجلس السيادي الإنتقالي
بعد حالة الشد والجذب التي شهدتها الساحة السودانية خلال الأشهر التي عقبت سقوط نظام البشير، إتفقت الأطراف الفاعلة في الثورة على قاعدة مناصفة المقاعدة ضمن المجلس السيادي الإنتقالي والتي من المؤسف أزهقت أرواحاً بريئة في خضم تلك المحاصصة بينهما.
ومن خلال تجارب التاريخ السياسي السوداني الحديث وفي ظل الوضع السياسي الذي عقب التوقيع على الوثيقة الدستورية والإعلان السياسي بتاريخ 17 أغسطس/آب 2019، يسيطر على مخيلة المواطن السوداني مخاوف “إنقضاض” العسكر مجدداً على السلطة، خصوصاً وأن مشاركتهم بهذه الصورة يسهل لهم عملية الإنقلاب في أية لحظة على أية سلطة مدنية تعارض مصالحهم. وعليه، تظل مشاركة العسكريين في السلطة الإنتقالية تشكل تحدياً كبيراً امام أي تحول ديمقراطي في السودان.
حاصل القول، بعد أن تبلورت ملامح المرحلة الإنتقالية في البلاد وتشكلت السلطات التي ستتولى مقاليد أمور في هذه المرحلة، يتوجب على القيادة السودانية الجديدة إعطاء أولويات تدفع عملية التحول الديمقراطي المستدام؛ على سبيل المثال لا الحصر، محاكاة الأسباب التي قد تؤدي الى النزاعات المسلحة والجلوس حولة مائدة المفاوضات مع الحركات المسلحة من باب توسيع المشاركة السياسية.
*باحث وكاتب سياسي سوداني
مصدر الصورة: قناة العالم.