إعداد: مركز سيتا

صوّت المواطنون الروس، يوم 8 سبتمبر/أيلول 2019، في كل أنحاء البلاد لإنتخاب ممثليهم المحليين في ظل حدوث مظاهرات شعبية لم يتم الترخيص لمعظمها، ما أدى إلى توقيف حوالي 2700 شخص في سابقة جديدة منذ موجة الإحتجاجات التي حصلت في العامين 2011 – 2012 والتي سبقت عودة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الكرملين بعد أن كان رئيساً للوزراء.

إنتخابات “تحت التهديد”

تعتبر هذه الإنتخابات شديدة التوتر في ضوء عملية القمع التي قامت بها قوات الأمن الروسية، إذ سجنت السلطات، لفترة قصيرة، جميع مرشحي المعارضة، تقريباً، الذين أرادوا خوض الإنتخابات في موسكو، كما فرضت على كثير من المتظاهرين عقوبات قاسية بالسجن تصل أحياناً إلى أربع سنوات.

في هذا السياق، يرى الصحافي الروسي، أندريه كارولوف، أن مظاهرات موسكو ورد فعل السلطة على هذه الإحتجاجات مبالغ فيه، لأن الأمور الآن ستزداد تعقيداً “فلو وافقت البلدية على هذه التجمعات لكانت ستتم بالنمط المخطط لها من قبل السلطات ولن يحدث أي خلل أو احداث شغب”، ولكن وفقا لما قاله النائب المعارض، ديمتري جودكوف، إن هذا الفعل لن يرضي المعارضة.

ويضيف كارولوف “بشكل رسمي، البلدية ليست خائفة من الإحتجاج، فهي فقط تطلب من المعارضة عدم التسبب في خلق أية مشاكل وأحداث تخريب في المنشآت، ويمكننا القول إنه أصبح واضحاً الآن أن المسؤولين يخشون الإحتجاجات، وبالتالي لا يصدرون أية موافقة لها، ليس من القوة، ولكن من الخوف والرعب منها.”

إلى ذلك، نظمت أكثر من خمسة آلاف عملية اقتراع في روسيا، لإنتخاب 16 حاكما إقليمياً وبرلمانيين إقليميين لـ 13 منطقة، من بينها شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في العام 2014. ووفقا للمحللين، إن نتائج التصويت مهمة، مع اقتراب استحقاق الإنتخابات البرلمانية في 2021، إذ ستساهم هذه النتائج في رسم المستقبل السياسي لروسيا في وقت يبدأ الرئيس فلاديمير بوتين عقده الثالث في السلطة.

خسارة مدوية

تبين بعد فرز جميع الأصوات، تقريباً، أن المرشحين الموالين للكرملين قد منوا بخسائر كبيرة في الإنتخابات البلدية لمدينة موسكو في أعقاب حملة استراتيجية قادتها المعارضة، وأنهم خسروا 20 من الدوائر الإنتخابية البالغ عددها 45 دائرة في العاصمة، فالسلطة قد خسرت ما يقرب من نصف الدوائر البلدية، حيث أفادت وكالات الأنباء تحقيق المرشحين المستقلين والشيوعيين والليبراليين عن تحقيق مكاسب كبيرة في الإنتخابات البلدية للمدينة أمام المرشحين المرتبطين بحزب “روسيا الموحدة” الحاكم.

في هذا الصدد يقول الدكتور عمرو الديب، رئيس تحرير وكالة رياليست عربي الروسية، الأكاديمي والمتخصص بالشؤون الروسية – الشرق أوسطية لـ “سيتا”، إن خسارة حزب روسيا الموحدة، الحزب الحاكم في روسيا، في الإنتخابات المحلية لمدينة موسكو “لن يكون له أي تأثير واضح على موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفريقه داخلياً”، مضيفا “بل على العكس، هذه رسالة من الإدارة الروسية للجميع بأنها لا تتدخل في الإنتخابات، وأيضا من الممكن أن تخسرها. وهذه الخسارة، سيكون لها تأثير مهدئ على خطط تطوير أي إحتجاجات في روسيا.”

ويرى الديب، أن السماح بخسارة مقاعد في هذه الإنتخابات “هي خطوة ذكية جداً ودرس لأنظمتنا العربية. أما بالنسبة للمرشحون الشيوعيون فهم أكبر الرابحين فيها، فقد فازوا بـ 13 مقعداً مقابل خمسة من قبل. أما حزب يابلوكو الليبرالي، فسيشغل ثلاثة مقاعد مع فوز مرشحة مستقلة تلقى دعمه، أما حزب روسيا العادلة الذي يعد من المعارضة التي يسمح بها الكرملين، فقد دخل برلمان موسكو بثلاثة نواب. كما أن تسعة نواب سابقين من حزب روسيا الموحدة الحاكم لم يتم انتخابهم من جديد، بينهم رئيس فرع الحزب في موسكو، أندري ميتيلسكي، الذي انتخب للمرة الأولى.”

نسبة وتناسب

في سياقٍ متصل، أعلنت رئيسة لجنة الانتخابات الروسية، إيلا بامفيلوفا، أن النسبة المعدلة النهائية في الإنتخابات بلغت 41.2%، حيث بلغ متوسط نسبة إقبال الناخبين على الإنتخابات المحلية في مختلف المناطق الروسية 41.2%. وإذا ما تمت المقارنة بالإنتخابات التي جرت في يوم الاقتراع الموحد لعام 2018، فإن نسبة إقبال الناخبين فيها بلغت 37.6%.

وتدل معلومات لجنة الإنتخابات المحلية، بعد فرز 100% من الأصوات، أنه تمت إعادة انتخاب 17 من 20 نائباً لمجلس دوما مدينة موسكو السابق والذين قاموا بترشيح أنفسهم من جديد، وحصل المرشحون المستقلون على 26 مقعداً، بينما حصل الحزب الشيوعي على 13 مقعداً.

أخيراً، يبدو أن كل الدول المغلفة بمبدأ الديمقراطية وإحترام الحريات لشعوبها، يوجد بين أروقتها أشخاص تحاول فرض القوة بين الحين والآخر، وهو الذي ينعكس سلباً على عامة الشعب، وهذا ما حدث حقيقة في الإستحقاق الداخلي في روسيا، التي يبدو انها تولي الإهتمام الأكبر للمسائل الخارجية، على حساب السياسات الداخلية التي تترجمت في الأوضاع التي حدثت مؤخراً في موسكو وإمتعاض المعارضة جراء ذلك.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: ميدل إسيت أونلاين – الحرة.