محمد شعيب*
بنغلاديش كأي مكان في العالم لا تخلو من الجرائم، وليست هناك بقعة على وجه الأرض – فيما أعلم – لا توجد فيها أية جريمة. ولقد شهدت بنغلاديش منذ فترة بعض عمليات إرهابية بسببها دب الذعر في قلوب المواطنين، ومن أشهرها حادثة احتجاز “هلي أرتيزان بيكري”، حيث وقعت حادثة الإحتجاز في الساعة التاسعة ليلاً، 2 يوليو/تموز 2016، التي لم يسبق لها نظير في تاريخ البلاد منذ تحريرها من باكستان العام 1971، وكان ذلك في مطعم “هلي أرتيزان بيكري” الواقع في منطقة دبلوماسية بغولشان الراقية، داكا، حيث قامت مجموعة إرهابية مسلحة بالإعتداء على المطعم مما أسفر عن وقوع 20 قتيلاً أجنبياً معظمهم من الإيطاليين واليابانيين، واعتقل مسلح واحد على قيد الحياة. وكان قادة ومسؤولون قد أكدوا أن معظم الرهائن قتلوا بآلات حادة. وبعد اجتهاد كثير كانت قوات الأمن قد أنهت عملية احتجاز الرهائن، وقتلت 6 من محتجزي هؤلاء الأشخاص، وأنقذت 13 رهينة، بينهم 3 أجانب و10 من مواطني بنغلاديش.
تمت هذه الحادثة البشعة أثناء انشغال المسلمين بصلاة التراويح مما أصبح من السهل اقتحام المسلحين للمطعم واستخدام الأسلحة. وما إن انتشر الخبر حتى سارع رجال الأمن لإنقاذ الضحايا أحياء، ولكن المسلحين قد أمطروا رجال الأمن بالنار، ووقع تبادل لإطلاق النيران بالبنادق والقنابل مع الشرطة خارج المطعم بعد ساعات من بدء الهجوم حيث قتل مدير مركز الشرطة، ومساعد إدارة المباحثين في متلك الواقعة.
ولكن الشرطة لم تستطع إنقاذ المحجوزين ولا القبض على المسلحين؛ بل بقي المسلحون في داخل المطعم طول الليل آمنين. وفي صباح اليوم التالي، شنت فرقة الأمن حملة بغرض إنقاذ الضحايا من أيدي هؤلاء الإرهابيين؛ ولكن للأسف كانوا قد فارقو الحياة، فيما تم إنقاذ المحتجزين الأحياء. وقد استغرقت عملية الإنقاذ حوالي أقل من ساعة بقليل، وانتشر الخبر بعد ذلك بسرعة بارقة في سائر أنحاء العالم وأصبح حديث الساعة. وأثارت هذه الحادثة ضجة كبيرة في العالم، بحيث أنها قد أثرت سلبياً على الأوضاع الأمنية في البلاد بشكل سيء للغاية.
إنقلابات عسكرية
لن ننسى أيضاً جريمة حركة التمرد العسكري الواسعة، في 25 شباط/فبراير 2009، استمرت نحو 30 ساعة، بعد أن انطلقت من وحدة مراقبة الحدود المسماة “بنغلادش ريفلز”، حيث استولى المتمردون العسكريون على 2500 قطعة سلاح قبل الهجوم على اجتماع سنوي لكبار مسؤولي الفرقة، لينتشر التمرد بسرعة في حوالي 40 نقطة حدودية في جميع أنحاء البلاد، مما أدى، خلال فترة وجيزة، إلى تهديد حكومة الشيخة حسينة واجد، المنتخبة حديثا آنذاك، وأدت حسب بعض المعلومات إلى قتل الجنود المؤيدين للمعارضة.
منذ تأسيسها، لبنغلاديش تاريخ طويل مع الإنقلابات العسكرية والإنقلابات المضادة، وكذلك في السنوات القليلة الماضية. فبالإضافة إلى تمرد العام 2009 الذي برره قادته بالأوضاع المعيشية الصعبة للجنود، أعلن الجيش البنغالي، في يناير/كانون الثاني من العام 2012، عن إحباطه لعملية إنقلابية كان جنرالات قدماء يعدون لها، وكان يفترض أن يتم تنفيذها تحت غطاء ديني، بحجة قيام الشيخة حسينة بتعديل بعض المواد الدستورية المتعلقة بالدين الإسلامي.
وبالإضافة إلى المحاولات الانقلابية تلك، تعرضت الشيخة حسينة عبر مسيرتها السياسية إلى محاولات اغتيال عديدة. ففي العام 2004، فقدت سمعها جزئياً بعد تعرضها لهجوم بقنبلة أثناء إلقائها كلمة أمام حشد من مؤيديها، علماً أن عدد من الضباط البنغاليين قاموا في العام 1975 باغتيال والدها الذي كان يشغل منصب رئيس الدولة آنذاك ومعه كل أفراد عائلتها، لكنها الشيخة حسنة نجت وشقيقتها من الإغتيال لوجودها في ألمانيا.
أزمة الروهينغا
بالإضافة إلى أشهر الحوادث التي حصلت في تاريخ بنغلاديش منذ فترة بعيدة، فإن أزمة الروهينغا تعد أكبر الحوادث التي ضعفت الأوضاع الأمنية في البلاد. فأزمة الروهينغا أدت إلى ظهور مشاكل مختلفة، علماً أن هذه الأزمة ليست هي وليدة اليوم. ففي العام 1978، جاء عدد كبير من الروهينغا إلى بنغلاديش، أول مرة، بعد استقلالها عن باكستان، ولكن الأزمة بدأت تشتد يوماً بعد يوم عندما لجأ أكثر من 750 ألف شخص من مسلمي الروهينغا إلى بنغلاديش. هذه الأزمة جلبت كارثة إنسانية كبيرة إلى البلاد، وأثرت على الأوضاع الأمنية فيها، حيث تقع هنا في مخيمات اللاجئين الكثير من الحوادث التي تساهم أيضاً في إضعاف الأوضاع الأمنية. ليس القصد هنا بث الخوف عن بنغلاديش، ولكننا نقوم بشرح حقيقة الوضع الراهن.
تعاني هذه المجموعة الكبيرة من الروهينغا من مختلف المخاطر، بما فيها مخاطر انعدام الأمن الغذائي والنظافة، وعدم توافر وسائل العيش الإنساني، والإتجار بالبشر، وفقا لبعض الصحف المحلية، مثل “نياديغنتو” و”بروتوم آلو” و”كالير كانتو”. إن المنظمات الدولية تراقب مسألة الإتجار الدولي بهم، خصوصاً وأن معظم العائلات القادمة من ميانمار ليس فيها رجال، فمعظمهم من النساء والأطفال، والمتاجرين الدوليين بالبشر يحاولون تهريبهم إلى الخارج للعمل في الدعارة أو عمل الأطفال، مستفيدين من عجزهم.
إلى ذلك، يعاني اللاجئون من أزمة الغذاء. فبالرغم من أن المعونات تصلهم من الداخل والخارج لكنها قليلة جداً بالنسبة لإحتياجاتهم، فهم يواجهون سوء التغذية ويمكن أن نراها بوضوح من خلال العدد الكبير في الوفيات بين الأطفال. وما زاد الطيبة بلة الفيضانات التي حدثت في بنغلاديش هذا العام (2019) التي أفسدت بالفعل الكثير من المخزونات الغذائية وفي وقت يزيد فيه الضغط على طلب احتياطات غذائية.
في متابعة لما سبق، يعيش اللاجئون في بيئة غير صحية للغاية، فهم لا يجدون الأدوية ما أدى إلى تفشي الأمراض، والجدير بالذكر هنا أن أفراد الروهينغا لم يخضعوا لأية اختبارات طبية عند وصولهم، فهم محملين بالكثير من الأمراض بما فيها الجلدية والإسهال والكوليرا وغيرها، والتي انتشرت من خلال الماء.
وفيما يخص سوق العمل وبالرغم من الحاجة إلى عمال، إلا أن وجود الروهينغا عطل هذا السوق بحيث انخفضت مرتبات العمالة بشكل أضر بالعمال المحليين.
بالجملة، إن اللاجئين قد اثروا سلبياً على مستوى المعيشة للمواطنين وهددوا الأوضاع الأمنية؛ وعلى الرغم أن الحكومة منعت قانونياً خروج الروهينغا من المخيمات، إلا أنه تطبيق هذا القرار كان صعباً من حيث الواقع. ولكون هذا الشعب محروم من حقوق الإنسان الأساسية، كالتعليم والصحة وغيرها، كان من السهل جداً أن يشاركوا في أنشطة إجرامية مختلفة، وزاد الأمور خطورة شعورهم بالإضطهاد حيث إستغلت بعض التنظيمات الإرهابية هذا الغضب للإشراكهم في العديد من عملياتها.
وعلى الرغم الجهد الكبير المبذول، إلا أن بنغلاديش تتخلف في ضمان الأمن الإجتماعي عن الدول الأخرى، حيث تبلغ النسبة حوالي 28.4% من مجموع السكان وفي حين فإن هذا المعدل يصل إلى 85% في أستراليا. كذلك، تستطيع البلدان الأخرى، بما في ذلك سريلانكا وفيتنام والفلبين، توفير الأمن الإجتماعي لشعبها أكثر من بنغلاديش. بالمقارنة مع الهند، وضعت نيودلهي، هذا العام (2019)، برنامجاً لوضع حوالي خمسمائة مليون شخص تحت الرعاية الصحية.
هل بنغلاديش ناجحة في تأكيد الأمن في البلاد؟
تنفق بنغلاديش 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي على تحقيق الأمن الإجتماعي، في حين أن باكستان تنفق فقط 0.2%، في وقت تعتبر فيه تركيا أكثر إنفاقا من دول جنوب وجنوب غرب آسيا حيث وبلغت نسبة نفقاتها 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
من هنا، تحاول الحكومة زيادة النسبة سنوياً في وقت تواجه فيه العديد المشاكل الأمنية، لكننا نستطيع أن نقول إن بنغلاديش تواجه الآن تحديات وصعوبات أمنية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما قد يدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجيتها التي تتبعها منذ عقود إزاء أساليب مواجهة تلك.
آراء المحللين السياسيين
ولكن المحللين يفسرون الحوادث الأمنية بتأويلات شتى، فبعضهم كعادتهم القديمة نسبوا مسؤولية كل حادثة أمنية إلى الجماعة الإسلامية، والأحزاب المعارضة السياسية، وبعضهم نسبوا إلى تنظيم “القاعدة” و”داعش” و”أنصار الله”، و”حركة المجاهدين”. ولكن ما هي الحقيقة من وراء تلك الحوادث؟
يرى العديد من المحللين بأن من يقف خلف تلك الحوادث الأمنية ليس بالضرورة الجماعات إسلامية أو غيرها، ولكن هناك بعض فئات من الشعب ساخطين على سياسات الحكم من الممكن أن يكونوا هم من يحاولون تدمير الأمن الاجتماعي بسبب ضيق ذرعهم وطول صبرهم.
تلك الفئة الغاضبة من الشعب لا تستطيع التعبير عن سخطها على السياسات الحكومية إلا من خلال حالات الغضب والكراهية بحيث لا يجدون سبيلاً للاحتجاج والمظاهرة للتعبير عن رأيهم، فيتجهون إلى العمل التخريبي.
من هنا، يمكن القول بأنه ليس من الضرورة أن تقف المجموعات الإسلامية وراء أعمال العنف وهذا يدل على أحداث الشغب تلك، بل قد يكونوا من السياسيين المظلومين الذين أصبحوا “فريسة” لحقد الحكومة التي حرمتهم من حقوقهم الديمقراطية وحريتهم الإنسانية. فمن الطبيعي أن المظلومين سينتفضون على الحكومة التي تتعامل معهم بالظلم والقسوة بأي شكل من الأشكال.
وليس من البعيد أن تكون هناك طائفة متطرفة تدعي بأنها مسلمة؛ ولكن أعمالها ليست على منهاج الشريعة الإسلامية، فلابد من الحذر منها وقمعها من الدولة.
وعلى الرغم من أننا لا نلاحظ بعض الجماعات الإرهابية، مثل “داعش” و”القاعدة” في شبه القارة الهندية، ليس لها موطئ قدم مباشر في بنغلاديش ولكن أيدولوجيتهم الضالة، التي لا يرفضها الإسلام، تؤثر على الشباب من خلال مواقع التواصل الإجتماعي وعبر الإنترنت. فالشباب المتأثرون بها، والذين يتبنون أفكارها المتشددة، يلتحقون بالجماعات الإرهابية المحلية.
لذلك، علينا أن نعود إلى جذور الظاهرة واقتلاعها من أساسها، وهذه الجذور تتمثل في المحرضين الذين يقومون بعمليات غسل أدمغة الشباب، إضافة إلى أنظمة التعليم التي تخرِّج شباباً من السهل تطويعهم بهذه الأفكار. وهنا، يجب أن نضع في الإعتبار أن مفهوم العملية الإنتحارية واحد كما أن معايير الأخلاق واحدة، فلن يصح أن نغض الطرف عن معيار لأنه بعيد عنا ونستنكر آخر. فالمعيار واضح وليس هناك أي تشريف في استهداف المدنيين الآمنين. وما سبق، يعبر عن رأي مجموعة ثالثة من المحللين السياسيين.
كيف تواجه الحكومة الأزمات الأمنية؟
وبما أن الشعب البنغلاديشي مسلم وملتزم بالدين الإسلامي غالباً، والدين الإسلامي دين التسامح والرحمة لا يقبل القتل والإعتداء والإرهاب وشريعته السمحة جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم وهذا هو الهدف من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الحكومة تعتقد أنه يمكن مكافحة الإرهاب والأزمات الأمنية من خلال تغيير استراتيجيتها، فهي تركز دائماً على أهمية بذل الجهود في مكافحة الإرهاب والفكر والمتطرف من خلال استراتيجية واضحة.
لذا، تحث الحكومة أئمة المساجد والعلماء الكرام، الذين يخطبون أمام آلاف من الناس، تنبيههم لمخاطر الأفكار المنحرفة والتنظيمات المتطرفة وعدم الأخذ بها، بالتزامن مع تركيز الحكومة على تقوية الأجهزة الأمنية بما يحتاجون إليه من الأسلحة الحديثة والتدريبات، وزيادة عديدها.
هل نجحت بنغلاديش في إزالة الأزمات الأمنية؟
لقد نجحت الحكومة عبر إتباع هذه السُبل حتى أن الولايات المتحدة أشادت بدور بنغلاديش في مكافحة التطرف والإرهاب في الحوار السنوي الرابع حول مسألة الأمن، حيث قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أن بلاده تتفق مع رغبة الشعب البنغلاديشي في منع وقمع التطرف المسلح.
وفي تعليق مكتوب أرسله إلى جريدة “بروتوم آلو”، قال المسؤول “إن حكومة بنغلاديش، والمجتمع المدني في ذلك البلد، والمنظمات الدينية وغيرها من المؤسسات المهتمة، تبذل قصارى جهودها في مكافحة الإرهاب والتطرف، فشكرت الولايات المتحدة هذه الجهود.”
لقد باتت القوات الأمنية قادرة على السيطرة على الأزمات الأمنية أكثر من ذي قبل، وتوفر الأمن للشعب وتحمي ممتلكاته، في حين تقول الحكومة أن وضع التنمية الشاملة في البلاد سيكون مزدهراً لكون كان الوضع الأمني أفضل مما هو عليه الآن.
*رئيس تحرير مجلة الحراء الشهرية وصحيفة ديلي ماي نيوز الإلكترونية.
مصدر الصور: منظمة العفو الدولية – جريدة النهار – سكاي نيوز عربية.