مركز سيتا

إنتهت زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو إلى العاصمة الإيرانية طهران، ولقاء كل من الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، بـ “إذابت الجليد” بين طهران وأنقرة، ووضعت خارطة طريق جديدة بين البلدين، بعد تجاذبات في المصالح، إلتقت في ملفات، واختلفت في أخرى.

إزالة التوترات الخفية

في الفترة الماضية، ارتفعت وتيرة العلاقات بين كل من أنقرة وطهران لعدة أسباب أحدثها كان بسبب التوترات على الحدود بين إيران وجارتها أذربيجان – حليفة تركيا – ما دفع بأنقرة إلى منع دخول الشاحنات الإيرانية عبر جميع المعابر الحدودية بين البلدين.

أتت زيارة الوزير أوغلو إلى إيران بالتزامن أيضاً مع الانتقادات التي وجهتها أنقرة لطهران بالسماح للمهاجرين الأفغان بالعبور إلى تركيا هرباً من حكم حركة “طالبان”، التي سيطرت على السلطة في كامل أفغانستان؛ لكن على الرغم من الاحتكاكات الأخيرة، نجحت الدولتان – على نحوٍ لافت – في التخفيف من حدّة التشنجات بينهما من خلال الحوار المتعدد الأطراف، وقد كانت لـ “حملة الضغوط القصوى” التي مارستها الولايات المتحدة على إيران، واشتملت على عقوبات اقتصادية وجهود سياسية لعزل النظام، تداعياتها على التجارة والوضع الاقتصادي الإيراني خاصة فيما يتعلق بعمليات الاستيراد والتصدير.

صفحة جديدة

هناك رغبة إيرانية جدية في إنهاء أزماتها السياسية مع الغرب – عموماً – والولايات المتحدة – خصوصاً، وذلك كأولوية لها قبل الملفات الأخرى لا سيما في حال نجاح التفاوض حول الملف النووي في فيينا. في الوقت نفسه، ترى بعض الأطراف في الحكم بأن تسوية الصراع مع الأطراف الإقليمية سيكون باباً للتقارب مع الغرب؛ ومهما بدا أن الخلافات تحكم العلاقات التركية – الإيرانية، إلا أن تصاعد الأزمة الأخيرة في ملف الصراع الأرميني – الأذري، ودخول تركيا على خط الأزمة – كداعم لباكو – دفعت بطهران إلى البحث عن ملفات ذات قواسم مشتركة بين البلدين، ما يعني – بشكل غير مباشر – التخفيف من حدة التوتر التي شهدتها الدولتان في الفترة السابقة بسبب المناورات التركية مع أذربيجان والتي تموضعت بالقرب من الحدود مع إيران.

انعطافة اقتصادية

تمكّنت كل من تركيا وإيران من فصل علاقاتهما الاقتصادية عن خصوماتهما الإقليمية خلال العقد الماضي، حيث ساهم التعاون الاقتصادي، بصورة غير مباشرة، في الانضباط الجيو – سياسي، بهدف حماية مصالحهما الاقتصادية المشتركة من جملة أمور أخرى متعددة.

فعلى صعيد المنافع الاقتصادية التي يمكن أن يقدّمها كل طرف إلى الآخر، ترى تركيا في إيران مصدراً استراتيجياً لإمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي، ومصدراً ضرورياً لأمنها في مجال الطاقة وجهودها الهادفة إلى تنويع نشاطها الاقتصادي. كما تشكّل إيران أيضاً سوقاً مهمة للصادرات التركية غير النفطية، نظراً إلى أنها تضم عدداً كبيراً من السكان، حيث تعتبر ثان مصدر لطهران. إضافةً إلى ذلك، تلجأ تركيا على نحوٍ متزايد إلى استخدام إيران كـ “جسر عبور” إلى أسواق آسيا الوسطى.

بالنسبة إلى إيران، تعتبر تركيا الجهة المستوردة الأكبر للغاز الطبيعي الإيراني، بالإضافة إلى النفط الخام. كما تُشكّل أنقرة بوابة عبور اقتصادية للوصول – في المستقبل – إلى الأسواق الأوروبية لا سيما من خلال الطاقة – النفط والغاز خصوصاً إذا ما تم تشبيك الانتاج مع خطوط الطاقة الروسية العابرة من تركيا إلى اليونان فالقارة الأوروبية – ناهيك عن أن تركيا تعتبر “قناة” مهمة لطهران حيث أنها تؤمن دعماً اقتصادياً خصوصاً في الأزمات.

على سبيل المثال، بادرت تركيا إلى تقديم المساعدة إلى إيران لتأمين احتياجاتها الاقتصادية في أثناء الحرب التي استمرت 8 أعوام بينها وبين العراق (1980 – 1988)، وكذلك عندما واجهت إيران صعوبات في منطقة الخليج بسبب الخلل في حركة الملاحة البحرية؛ كذلك الأمر العام 2012، حيث أدّت تركيا دوراً حيوياً في مساعدة إيران على التهرب من العقوبات الاقتصادية من خلال خطة كبرى اشتملت على تسديد ثمن النفط والغاز الطبيعي المستورَد من إيران بواسطة الذهب.

قناة دعم

يتجدّد الدور التركي في موقع قناة الدعم التي تؤمّن الدعم الاقتصادي فيما تواجه إيران من جديد ضغوطاً اقتصادية بسبب العقوبات الأميركية، حيث طغت مسألة توطيد العلاقات بين البلدين على النقاشات ضمن الاجتماعات التي عُقِدت بين مسؤولين حكوميين أتراك وإيرانيين بعدما قامت الولايات المتحدة بفرض العقوبات عليها، إذ أن الضغوط الاقتصادية الخارجية على إيران باتت تؤثّر في الصادرات التركية غير النفطية إلى إيران على المدى التوسط، وربما تؤثّر في الأمن الاقتصادي التركي في حال تعرّض الاستقرار الإيراني للاهتزاز.

في المقابل، تؤمّن هذه الضغوط أيضاً بعض الفرص الاقتصادية لتركيا؛ فعلى سبيل المثال، استثمر عدد كبير من المواطنين الإيرانيين في القطاع العقاري التركي، العام 2019. واحتل الإيرانيون المرتبة الثانية بعد العراقيين في شراء العقارات، من خلال شرائهم 5432 وحدة عقارية. وكان المواطنون الإيرانيون أول المبادرين إلى إنشاء شركات في تركيا من خلال إنشاء 978 شركة، حيث تعمل نحو 600 شركة إيرانية في محافظة إزمير التركية المعروفة بحيويتها الاقتصادية.

من هنا، يمكن القول بأن أواصر العلاقة بينهما ستستمر لمواجهة التباطؤ الاقتصادي في المدى القصير، ولكن سوف يتعّين عليهما بذل جهود دؤوبة للحؤول دون انهيار التجارة بينهما، خصوصاً مع الأزمات التي يعاني منها اقتصاد البلدين (وأبرزها العقوبات الاقتصادية والانهيار في سعر العملة).

بين المصالح والنفوذ

تعتبر الخلافات السياسية بين طهران وأنقرة كثيرة وأساسية. ففي الحالة السورية، ورغم أن المصالح الاقتصادية تربط الجانبين، إلا أن ثمة “حرب بالوكالة” كانت قائمة بينهما على الأرض السورية؛ فمن جهة تدعم إيران الدولة السورية، في حين أن تركيا تدعم المعارضة السورية بشكل علني وواضح، وهذه نقطة خلافية كبيرة بينهما، تطورت لدرجة أن حصل صدام عسكري بالوكالة أيضاً، سواء في معارك حلب الشرقية وبعض أرياف إدلب، ومعركة كسب وريف اللاذقية؛ بالتالي، نقطة الصدام تلك تم تسجيلها في سجل التصادم غير المباشر، حيث أنها لم تطفو وتأخذ شكل العداء العلني المباشر.

في المقلب الآخر، كان لمعارك ناغورنو كارباخ الكثير من الأهمية لإيران، فلقد “انتقمت” أنقرة من طهران على طريقتها، عندما استخدمت الأسلوب الإيراني نفسه (للحفاظ على مصالحها ونفوذها) من خلال استقدام قوات من المعارضة السورية وتكرار “الحرب بالوكالة”، ظاهرياً الحرب ضد أرمينيا، لكن في العمق، هي رسالة أيضاً لطهران، مفادها أن أنقرة قادرة على العبث بالأمن القومي الإيراني، ناهيك القدرة للسيطرة على طرق التجارة التي بقيت مقفلة عقب انتهاء الصراع الأرميني – الأذري (والتي تُعتبر منفذاً تجارياً لإيران باتجاه العاصمة الأرمينة يريفان)، ورأينا آنذاك كيف رفضت طهران قطع هذ الطرق وحشدت قواتها وأطلقت مناوراتها على حدود أذربيجان في رسالة تحذيرية، وهذا يعني أن فرضية الصدام بينهما قد تزيد في حال تهديد المصالح والأمن القومي، لا سيما من الجهة الايرانية المرتابة من العلاقات الإسرائيلية مع كل من أنقرة وباكو.

من هنا، من الممكن القول، إنه في حرب المصالح، تسقط النزعات القومية والدينية وتسمو المصالح على كل ما عاداها؛ وسواء اتفقنا مع ذلك أم لا، إن العلاقات الإيرانية – التركية تبقى مزدهرة لكونهما يعرفان جيداً كيفية “المشي في حقل من الألغام” والابقاء على مستوى مرتفع من التعاطي المشترك لما يخدم مصلحة البلدين خصوصاً مع المستجدات المهمة، وأبرزها على الإطلاق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتداعياته التي لم تعرف بعد، وكيفية تأثير الدور التركي في كابول والعلاقات الإثنية بين إيران وأفغانستان وأثرهما على العلاقات الثنائية، ناهيك عن مسألة النفوذ داخل الهلال الخصيب ومنطقة شرق المتوسط.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: إيران بالعريي – الميادين.

موضوع ذا صلة: صراعات مكتومة.. السعودية وإيران وتركيا وروسيا