أسامة حافظ عبدو*
كان الأسبوع الأخير حافلاً بالمشاهد الإقليمية والعالمية التي تدل على التخبط السياسي والأمني العالمي، والذي ستكون نتائجه كارثية على العالم كله، وليس على سوريا أو المنطقة.
فالوضع الداخلي في الولايات المتحدة على شفا حفرة من الإنقلاب السياسي كما عبر عنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد محاصرته والتلويح بعزله بسبب انتهاكاته للدستور، وأحداث أوكرانيا، وغيرها من الملفات العالقة. ولكنه وبالمقابل، هدد بأن عزله سينجم عنه انهيار شامل للأسواق المالية العالمية، فقد عرف كيف يحصن نفسه بالمال الذي يحكم سياسات الدول. فهل ينجح الرئيس الأمريكي في بقائه على كرسي البيت الأبيض؟ أم يحصل انقلاب حقيقي في الأروقة السياسية الأمريكية؟ علماً أن هذا الإنقلاب الرئاسي الشكلي لن يغير في السياسات الأمريكية العالمية شيئاً لأن الإدارات الأمريكية المتلاحقة تعتبر مجرد واجهات لسياسية صهيونية حاكمة واحدة، كما عبر عن الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، بقوله “الإدارة الأمريكية تريد أن تفرض آراءها ووصايتها على العالم أجمع، وعلى قضايا هذا العالم، متجاهلة رأي أصحاب الشأن من الآخرين، ومتجاهلة ما تقوله هي بنفسها للآخرين”.
من جهة أخرى، تشهد إسرائيل قلقاً كبيراً بسبب ما تمر به من تخبط في مشهد الإنتخابات التشريعية، فالنزاع الداخلي يضعفها ويشغلها عن تنفيذ مخططاتها التوسعية، هذه المخططات الثابتة التي لا تتغير بين إدارة وأخرى، لكن هذا النزاع الداخلي يجعلها تتقهقر في طريق تحقيق الأهداف المرجوة، فسياساتها في حالة تصدع مستمر. ولذلك، نرى أن هناك استجداء إسرائيلياً للسعودية بالإعتراف العلني بها.
ولكن السعودية تمر اليوم بمرحلة هزائم اقتصادية وعسكرية متلاحقة، بعد هجوم “أرامكو” وعملية “نصر من الله” اليمنية. في هذا الإطار، أشارت بعض المعلومات الصحفية أن الرياض تجد الفرصة مناسبة في تقديم وعد لأمريكا بالإعتراف العلني بإسرائيل كدولة في المنطقة بشرط مساعدة واشنطن لها في هزيمة إيران. وهذا يعني أن المشهد الظاهري الإعلامي للحديث عن التهدئة السعودية – الإيرانية يخفي خلفه خططاً لإشعال الحرب في منطقة الخليج، خاصة مع وجود التعزيزات الأمريكية في الخليج والتي حذرت منها إيران في رسائلها المعلنة للسعودية، وما تشهده المحافل الدولية من كلام عن زيادة في حدة الصراع بين الرياض وطهران وواشنطن. فكيف سيؤثر انقلاب موازين القوى في اليمن على السعودية؟ وما علاقة كل هذا بالأحداث الداخلية الأخيرة التي اشتعلت في العراق كمحاولة لمحاصرة إيران التي زاد نفوذها في العراق واليمن بشكل واضح؟ وماذا ستكون نتيجة المظاهرات التي بدأت بمطالبات شعبية ووصلت مؤخراً لرفع شعارات إسقاط النظام كمحاولة لإعادة السيطرة على العراق وتعميم الفوضى فيه لقطع النجاح الذي تمخض عن فتح معبر القائم الحدودي، كمعبر يربط إيران بسوريا من خلال العراق لتشكيل وحدة سياسية اقتصادية أمنية مشتركة!؟
لهذا، فإن على المعنيين في إيران والعراق التعامل بجدية وحذر مع المخطط التقسيمي الذي فشل في سوريا وإنتقل إلى العراق، علماً أن الشارع العراقي جاهز لهذا التقسيم بسبب الشحن الطائفي والمذهبي والعشائري، الذي تمت تغذيته منذ العام 2003 حتى اليوم.
أما بالنسبة للمظاهرات الشعبية في لبنان ومصر، على هامش الأحداث، فهي لا تعدو كونها صوراً تحفيزية للتحضير لما يجري في العراق، ومحاولات للسيطرة على القوى العروبية والمقاومة في كل من البلدين، اعتماداً على التقسيمات الطائفية والحزبية في لبنان، أو على الصراع الإخواني – العلماني في مصر.
مع كل هذا المشهد، نرى أن الوضع بات أفضل بكثير في سوريا، التي تعتبر مركز الصراع في الشرق الأوسط، حيث بدأت الأمور تتطور بشكل إيجابي سواء على الصعيد العسكري، من خلال التقدم المستمر للجيش السوري في منطقة الشمال، أو على الصعيد السياسي، المتمثل بتعزيز مواقف سوريا الدولية مع حلفائها والذي أدى إلى إضعاف خصومها. فلقد ضمنت روسيا قواعدها الجيو – سياسية في سوريا، والعروض العسكرية في الصين ليست عبثية، وستدفع العديد من دول الخليج ثمن تدخلها فيها، وتركيا المنشغلة بالأوراق العثمانية بسذاجة كبيرة ستكون مرغمة على الإنسحاب من المناطق السورية التي تحتلها إذ لا خيار أمامها سوى الإنسحاب حتى لو بقي الحديث قائماً عن المناطق الآمنة وعودة المهجرين وغير ذلك، إذ لا يعدو ذلك كونه مجرد أحاديث فارغة ليس لها أي ثقل على الأرض السورية.
أما المشهد الإقتصادي السوري فهو الأقوى بأبعاده الجيو – سياسية. على سبيل المثال، يشكل الفساد أزمة تفضي إلى هشاشة كبرى في سوريا، بحيث تم تدارك الوضع عاجلاً من خلال سياسة مكافحة الفساد التي هي بمثابة إعادة نظر في الحسابات والسياسات والتفكير عند المنعطف الأخير. فأصحاب الطبقة الفاسدة، استغلوا انشغال الدولة سياسياً وعسكرياً فإستنزفوها، ليزيد مع استنزافها الفقر المدقع للناس، وتحولوا إلى مافيات كادت أن تكون بديلة لولا ملاحقتها، ولكن سياسة مكافحة الفساد ستؤتي أُكُلها قريباً.
وهكذا، يمكن القول إن معالم الإنفجار الذي نتحدث عنه بإستمرار باتت تكتب أبجديتها الأولى من خلال ما نراه من ازدياد التوترات الحاصلة في المنطقة، بعد الفشل الكبير الذي تكبده أعداء سوريا في تحقيق أهدافهم التي أرادوها منذ بداية العدوان عليها. فـ “لعبة الأمم” باتت فارغة، والـ “سي.آي.إيه” لم تعد قادرة على صنع العديد من الحكام العرب لتفرض السياسات والإستراتيجيات الجاهزة، في الوقت الذي ربطت فيه العديد من دول الخليج حكمها بالقطار الأمريكي. فالرهان على الجانب الأمريكي نتج عنه تلاعب الإدارات الأمريكية بمصير الشعوب العربية، ونهب ثرواتهم، وإبعاد التكنولوجيا المتطورة عنهم، كما أنها حاصرت العرب، في الشرق الأوسط تحديداً، بالتقاليد والطقوس والخرافات بحيث أصبحوا ضالعين في صراعات قبلية – طائفية، لتقوم في النهاية بتدمير النفط من أجل تحقيق شلل في الإقتصاد العالمي.
فأين نجد أمثال حافظ الأسد، سوريا، وعبد الناصر، مصر، في هذا القرن؟ الكل بات ينتظر زلزالاً دبلوماسياً، ولكن الانفجار مستمر وسيحصل بأية لحظة.
*كاتب سياسي سوري
مصدر الصور: العربي الجديد – الديار.