إعداد: مركز سيتا
خلال مشاركته في أعمال منتدى “فالداي” للحوار الدولي، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن إنتهاء الأعمال العسكرية القتالية الواسعة في سوريا. سبق كلامه هذا اعلان وزير خارجيته، سيرغي لافروف، في 12 سبتمبر/أيلول 2019، عن إنتهاء الحرب على سوريا مع بقاء “بؤر توتر معينة”.
في هذا الوقت، يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية في الشمال، بعد إستئناف الهدنة الأحادية الجانب، حيث إقتصرت تحركاته في الرد على خروقات التنظيمات الإرهابية المسلحة، التي إعتقدت أن الهدنة جاءت لصالحها، وخلافاً لتوقعاتها، كان الرد مدوياً خاصة لـ “هيئة تحرير الشام” أو “جبهة النصرة” سابقاً.
خلط للأرواق
أنهت “قمة أنقرة” الثلاثية الأخيرة، بحسب بيانها الختامي، الخلافات بين الدول الضامنة حول الملف السوري، من مكافحة الإرهاب إلى صياغة اللجنة الدستورية والإتفاق حولها وإنهاء التنظيمات الإرهابية المسلحة في الشمال السوري. إلا أن بعضاً مما سبق قد يتحقق بخلاف إنهاء الوجود الإرهابي في إدلب ومحيطها، والمقدر بأكثر من 50 ألف مسلح والذي لم يتوانَ، طيلة فترة الهدنة الأحادية الجانب، عن الإستمرار في الخروقات وإستهداف مواقع الجيش السوري.على سبيل المثال، نفذ فصيل “هيئة تحرير الشام” لوحده، منذ بداية سبتمبر/أيلول 2019، أكثر من 300 هجوم بحصيلة تجاوزت الـ 150 ضحية، فضلاً عن وقوع أكثر من 450 إصابة.
هذا الملف من شأنه أن يخلط الأوراق وينسف أي تسوية حالية أو مقبلة، فالتنظيمات الإرهابية تحاول إحداث إنتصار وهمي يمكنها يساعدها على الخروج من المأزق الذي أوقعتها فيه تركيا، التي تريد إنهاء وجودها بالإتفاق مع روسيا، خاصة أن تلك التنظيمات التابعة لتنظيم “القاعدة”، الحاضنة للقاعدة السورية في الشمال. فأنقرة، وبناء على كلام ضابط تركي إجتمع بقادة الفصائل، في بلدة الراعي المحتلة تركياً على الحدود السورية، أبلغهم بأن منطقة شرق الفرات باتت أولوية لتركيا أكثر من إدلب، في إشارة أن القرار التركي اصبح واضحاً. ولكن على المقلب الآخر، تريد تركيا التخلص من تلك التنظيمات بعد ان أصبحت نقاط المراقبة لديها محاصرة وأية خطوة في إتجاه دعم الإرهابيين ستقابل من الجانب السوري بحزم.
حجة الكُرد
أكدت الفصائل المعارضة المسلحة بأنها تقف في الصف التركي في مواجهة الكرد في المعركة المرتقبة، بعدما أعطى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مهل زمنية كثيرة حيث تم الإعلان مؤخراً عن قرب تنفيذها، سواء بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها. لكن تصريح الرئيس أردغان هذا يمكن إعتباره غير مطابق للواقع، فالعلاقات الأمريكية – التركية قوية ومتينة ولا يمكن أن تزعزعها عملية عسكرية على الكرد، الذين سبق وأن وافقوا على طلب واشنطن بما يتعلق بموضوع المنطقة الآمنة بعمق 15 كلم وأنهم على إستعداد للجلوس مع الأتراك لبحث سبل السلام، الأمر الذي يؤكد أن العامل الكردي ليس الهدف من وراء تلك العملية العسكرية.
إلى ذلك، لا يبدو أن هناك نية لإستثمار الإرهاب، كما يُشاع، بل من المؤكد أن هناك قراراً لإنهاء وجوده في الشمال السوري، يقابل ذلك صمت روسي لإتمام إنهاء عملية تحرير الشمال، دون التعليق حول المنطقة الآمنة أو العملية العسكرية في خطوة تترجم على أنها إحتواء لأنقرة ريثما يتم تحرير إدلب، خاصة وأن الجانب الروسي تعرض لعشرات الإستهدافات من قبل التنظيمات المسلحة بطائرات مسيرة على القاعدة الجوية الروسية في حميميم، ما يؤكد أن موسكو لن تتراجع عن إنهاء هذه الظاهرة وهذا ما أكده الوزير لافروف، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينما قال “إن ما تعمل عليه واشنطن من جعل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) فصيلاً معتدلاً، هو أمر مرفوض وغير مقبول”. لهذا، لا بد من الوقوف في صف تركيا حتى إكمال هذا الهدف، وقطع الطريق على واشنطن.
من هنا، إن عملية الشرق تبدو معقدة لعدم تنفيذ المخطط بشكل فعلي، كالمنطقة الآمنة، بما في ذلك ما خرج به الإعلام التركي عن إنشاء مشاريع سكنية في شرق الفرات بكلفة 27 مليار دولار، في إشارة إلى النية لإحداث تغيير لواقع المنطقة الديمغرافي في ظل الدعم الأمريكي، ما يعني أن مشروع التقسيم، الذي دخلت واشنطن وأنقرة على إثره إلى سوريا، هو العامل الرئيس لتواجدهما في تلك الأراضي. أما الإعلان الأمريكي عن الإنسحاب، وما هو إلا مماطلة للي أذرع جهات معينة ترغب واشنطن في تطويعها، فقد يكون الكرد أو حتى تركيا نفسها، في حال حاول إحدهما شق عصا الطاعة الأمريكية.
ماذا عن روسيا؟
في ومعلومات خاصة لمركز “سيتا”، يبدو أن القرار الروسي قد إتخذ بشأن الإرهابيين في إدلب لجهة منع خروجهم إلى مناطق أخرى، من سوريا أو العالم، إذ ان موسكو تخشى من تسربهم إلى وسط آسيا بهدف إستخدامهم ضدها مستقبلاً. فلقد اشار أحد كبار المسؤولين الروس، بعيداً عن الإعلام، بأن القضاء عليهم بات مسألة وقت، وأن روسيا ستقوم بـ “الإجهاز” عليهم وليس التفاوض معهم.
يدعم هذا الرأي ما اشار إليه احد القادة العسكريين الروس الكبار في سوريا، أمام عدد محدود جداً من الإعلاميين، من ان قرار القضاء على هذه التنظيمات إتخذ وجاري العمل على تنفيذه حيث لن تسمح بلاده بنقل الإرهابيين من إدلب أو المخيمات الأخرى، مثل الركبان، إلى الشمال السوري للمشاركة في العمليات العسكرية التي ستقوم بها تركيا لإنشاء المنطقة الآمنة. فهذا النقل، من إدلب إلى الشمال، يعني أن موسكو موافقة ضمناً على قيام تفاوضات مستقبيلية بشأنهم، وهو ما يخالف التوجهات الإستراتيجية الروسية.
يأتي هذا كله في وقت تفيد فيه بعض المصادر الخاصة لنا بأن الجانب التركي سائر في الركب الروسي، سواء بإرادته ام بغيرها، لا سيما بعد التطورات الميدانية التي أعقبت الدخول إلى إدلب ومحاصرة بعض النقاط التركية، التي إنزلت العلم التركي وإستبدلته بالعلم الأبيض، ناهيك عن أن الجيش السوري هو من يقوم بتأمين حاجاتهم من طعام وغذاء إلى حين التفاوض مع أنقرة على الكثير من النقاط العالقة، إذ ليس هناك في السياسة شيئ بالمجان، خصوصاً حيثن يتلازم الواقع العسكري مع السياسي.
بالمحصلة، إن القول بأن الأزمة السورية في أواخرها قد يكون سابقاً لأوانه، فكلام الرئيس الروسي اقرب إلى الواقع من كلام وزير خارجيته. فعندما تتواجد قوى عسكرية على أرض اجنبية ولا تعر إهتماماً للقرارات الدولية او لمجلس الأمن، نستطيع القول إن القادم قد يكون أسوأ من ذي قبل، وقد يكون العكس، لكن المؤكد أن الجانب التركي يتماهى مع الأمريكي والعكس هو الصحيح، في حين يحاول الحليفين الروسي والإيراني ضبط الإيقاع التركي المقترن بتوقيت واشنطن لا غير.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: المدن – ذي ناشيونال.