إعداد: مركز سيتا
في محاكمة برلمانية إستمرت ساعات عدة، صوت أعضاء الكونغرس على مذكرة لعزل رئيس الجمهورية، مارتن فيزكارا، بدعوى “العجز الأخلاقي” وذلك على خلفية إتهامات بتلقيه رشاوى من متورطين عقاريين، في 2014، حين كان يشغل منصب حاكم ولاية.
صوت المشرعون بأغلبية ساحقة لإقالة الرئيس، معربين عن غضبهم من تعامله مع جائحة فيروس “كورونا”، مستشهدون بمزاعم فساد مزعومة غير مؤكدة. الرئيس البيروفي وبرحابة صدر، أعلن أنه لن يحاول مقاومة الإطاحة به، بينما وصف محللون الإجراء بأنه “إستيلاء علني محفوف بالمخاطر على السلطة” في بلدٍ يحظى فيه الرئيس فيزكارا بشعبية كبيرة لا يحظى بمثلها الكونغرس. وبموجب الدستور، سيتولى رئيس البرلمان، مانويل ميرينو، مهمات رئيس الجمهورية بالوكالة حتى إنتهاء الولاية الرئاسية، في 28 يوليو/تموز 2021. في هذا الوقت، صدر حكم عن المحكمة العليا منعت فيه الرئيس فيزكارا من السفر إلى الخارج لمدة 18 شهرا.
الجدير بالذكر هنا أنه قبيل عملية الإقالة هذه، نجا الرئيس من محاولة إقالة سابقة أجراها نواب المعارضة، سبتمبر/أيلول 2020، حيث إتهموه بتفضيل مطرب غير معروف يعرف بإسم ريتشارد سوينج، وأنه تلقى ما يقرب على 50 ألف دولار في شكل عقود مشكوك فيها من وزارة الثقافة لأنشطة متعددة، مثل الخطابة التحفيزية أثناء الجائحة. لكن المشرعين حينها رؤوا أنه لا توجد أسباب جدية لإقالته، على الرغم من إستمرار التحقيق.
موقف دفاعي
خلال تحدثه في بداية جلسة الإقالة في وقت سابق، هاجم الرئيس منتقديه ونفى بشدة أن يكون تلقى رشاوى، حيث علق قبل إنطلاق عملية التصويت على قبوله رشاوة بقيمة 620 ألف دولار بالقول “أرفض بشكل قاطع هذه الإتهامات”، مشيراً إلى أنها مزاعم من قبل بعض رجال الأعمال الذين قالوا بأنه تلقى تلك الأموال مقابل عقود للأشغال العامة عندما كان حاكم مقاطعة موكويغوا. وأضاف أنه حينها لم يكن يملك السلطة بوصفه حاكم الإقليم لتمرير العقود المعنية، والتي يجب أن تمر بعملية موافقة طويلة تشمل عديداً من الجهات الفاعلة، وكان أحدهما لمشروع ري والآخر لبناء مستشفى.
وتابع فيزكارا “إن العقدين المعنيين كلفت بهما وكالة تابعة للأمم المتحدة وليس إدارته في المقاطعة، وأشار إلى أن ما لا يقل عن 68 من أعضاء الكونغرس المؤلف من 130 مقعداً الذين يسعون إلى عزله، يواجهون مسائل قانونية مستمرة من دون عزلهم من مناصبهم”، محذراً من أن “القرار المتهور” بعزله قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأمة المنكوبة بالفعل مردداً “سيحكم التاريخ والبيروفيون على قراراتنا”.
في هذا الشأن، ذكرت شبكة “آيه.بي.سي نيوز” الأمريكية أن 105 نواب صوتوا لصالح الإطاحة، بينما قال فيزكارا إنه لن يسلك السبل القانونية للطعن على التصويت، مؤكداً أنه إختار العمل مع مراعاة مصالح الشعب البيروفي وديمقراطية الأمة.
ردود أفعال
دفعت سرعة التحرك ضد الرئيس ونقص الأدلة بعض المحللين السياسيين إلى التحذير من أن الكونغرس قد يُعرض الديمقراطية في بيرو للخطر. في هذا الصدد، قال المحلل السياسي أوغوستو ألفاريز رودريتش “إن البيرو ستكون أضعف مؤسساتياً. ميرينو سيكون رئيساً ضعيفاً.”
أما ستيف ليفيتسكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد والذي درس بيرو على نطاق واسع، رأى أن ملاحقة الرئيس وزعزعة إستقرار الديمقراطية في البلاد في خضم هذا النوع من الأزمات دون سبب خطير هو أمر “يتخطى حدود التهور”. أيضاً، يشير المحلل السياسي، ألونسو كارديناس، إلى أن المحاولات المتكررة للإطاحة بالرئيس فيزكارا تسلط الضوء على نقاط الضعف في النظام السياسي البيروفي حيث لا يوجد حزب لديه أغلبية، ويسترشد السياسيون بالمصالح الفردية أكثر من الإيديولوجيا.
بدورها، قالت جو ماري بيرت، الباحثة الكبيرة بمكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية، إن الإقالة “تزعزع إستقرار بيرو على نحو رهيب”، مضيفة “أنها تولد قدراً هائلاً من انعدام اليقين في وقت يعاني فيه الإقتصاد حالة من الإنهيار بسبب كوفيد – 19، والناس تموت.”
خطر الإقالة
حصلت إشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول على مسافة شوارع قليلة من المبنى الحكومي، ولوح البعض بلافتات تتهم الكونغرس بتنفيذ “إنقلاب”، كما تلقى فيزكارا دعماً شعبياً مماثلاً عندما خضع للمسائلة السابقة؛ بالتالي، تكون البيرو قد عزلت رئيساً حصل على دعم شعبي في وقت تسعى فيه البلاد للخروج من أزمة إقتصادية كبيرة بسبب فيروس “كورونا” الذي أصاب البلاد بشدة.
أخيراً، ستنظم البيرو إنتخابات عامة ورئاسية في أبريل/نيسان 2021، وإذ أدى ميرينو اليمين في جلسة خاصة للكونغرس، ليصبح بذلك ثالث رئيس للبيرو منذ العام 2016، ما يعكس الهشاشة المؤسساتية التي سادت هذه الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية منذ استقلالها عن إسبانيا العام 1821. وخلال السنوات الأخيرة، لم تكن البيرو مستقرة سياسياً إذ تورط رؤساؤها الأربعة السابقون بفضائح.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: فرانس 24 – أخبار تونس
موضوع ذا صلة: روسيا في القارة اللاتينية: سياسة “مد الأذرع”