إعداد: مركز سيتا

يبدو أن أزمة جديدة تلوح في الأفق بين واشنطن وبكين، وهذه المرة حول بحر الصين الجنوبي، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأميركية – البنتاغون عزمها بدء تدريبات عسكرية بالمنطقة، رداً على مناورات أطلقتها الصين.

تصعيد تراكمي

في جنوب الصين، بحر ونزاع وحشد عسكري. منذ زمن، تتنازع دول مطلة عليه، وهو الغني بالطاقة، السيادة على مناطق ضمنه، ومن بينها الصين التي شيدت فوقه جزراً صناعية، وتقوم بتسيير دوريات بحرية حوله، بالإضافة إلى الفلبين وفيتنام وتايوان وماليزيا وبروناي. كلهم يريدون بسط السيادة على أجزاء من الممر المائي الذي تعبره سنوياً تجارة يصل حجمها إلى نحو 3 تريليون دولار. في هذا الشأن، تقول الصين إن نحو 95% من هذا البحر هو ملك خاص لها، وإن لها حقوقاً تاريخية فيه، في حين تحتج جاراتها وتطالب بما تعتبره حقوقاً لها أيضاً بحسب قانون البحار الدولي.

في المقابل، ليست الولايات المتحدة، التي تتواجد فيه من خلال قطع حربية بحجة “صون حرية الملاحة”، ببعيدة عن التوترات هناك، حيث تصاعد الموقف أكثر في الآونة الأخيرة. ففي الأسبوع الماضي، أجرت الصين مناورات عسكرية في هذا المسطح المائي، وتحديداً حول أرخبيل تطالب بالسيادة عليه، إلى جانب بكين، كل من فيتنام وتايوان وهو الأمر الذي لم يرق لواشنطن، التي رأت عبر وزارة دفاعها، بأن هذه المناورات سيعطي نتائج عكسية لجهود تخفيف التوترات، والحفاظ على الإستقرار، حيث جاء الرد بإرسال عدد من القطع البحرية الأمريكية الضخمة إلى تلك المنطقة.

تاريخياً، لطالما إتهمت واشنطن الصينيين بترهيب جيرانهم ممن يرغبون بإستغلال الإحتياطيات الضخمة من النفط والغاز في هذا البحر. ولكن من وقت لآخر، كانت تحدث إحتكاكات بين القوات الصينية والبحرية الأمريكية المتمركزة فيه، إذ ثمة من يخشى من سيناريو يصعب تطويق تداعياته لأن المنطقة والعلاقات الصينية – الأمريكية لا تحتمل مزيداً من التوتر.

ذريعة عسكرية

أجرت حاملتا الطائرات “يو.أس.أس نيميتز” و”يو.أس.أس رونالد ريغان” عمليات مشتركة في الممر المائي وذلك لدعم بقاء منطقة المحيط الهادئ الهندي “حرة ومفتوحة”، حيث تقول واشنطن إن تلك الجهود تدعم التزاماتها الدائمة بالدفاع عن حق جميع الدول في الطيران والإبحار والعمل في أي مكان يسمح به القانون الدولي.

وتأتي هذه التدريبات بعد أن أجرت الصين مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، إذ رأت الولايات المتحدة أن المناورات ستؤدي إلى “مزيد من زعزعة الإستقرار”، إذ يثير التواجد العسكري المتزايد للصين في المياه المتنازع عليها قلق العديد من جيرانها. كما تزعم واشنطن أن الهدف من هذه التدريبات ليس الرد على تدريبات الصين، وإنما إظهار الإلتزام بأمن حلفائها في المنطقة، ودعم جهود ما يعرف أمريكياً بمحيط هندي هادئ، حر ومفتوح، الأمر الذي ناقضه مسؤوليها بالقول “إن المناورات البحرية تهدف إلى تحدي مزاعم الصين، التي وصفوها بغير القانونية في المنطقة”.

عادة، تجري الولايات المتحدة بشكل روتيني تمارين يطلق عليها “عمليات حرية الملاحة” في بحر الصين الجنوبي، حيث يتم يرسل سلاح البحرية الأميركي سفناً حربية إلى جزر باراسيل، التي يعتقد أنها غنية بترسبات النفط والغاز، حيث ترفض واشنطن مطالبات بكين بالسيادة على مساحات واسعة من المنطقة، بما فيها باراسيل التي غالباً ما تمثل مصدر قلق.

الغايات والأهداف

أجرت حاملتا الطائرات الأمريكية المناورات تحت أنظار سفن البحرية الصينية التي رست قرب الأسطول الأمريكي، وقال الأميرال جيمس كيرك “إن حاملة الطائرات نيمتز تجري تدريبات للطيران في الممر المائي مع حاملة طائرات الأسطول السابع رونالد ريغان في المنطقة القريبة من الأساطيل الصينية”، مشيراً أن الجهات تبادلتا التحية العسكرية في المكان، مضيفاً “نتوقع دائماً تفاعلاً احترافياً وآمنا بيننا ونعمل في المياه المشتركة حيث تشهد الكثير من حركة الملاحة البحرية في المنطقة، كما أن التواصل مع السفن الصينية لم يشهد أي حوادث.”

إلى ذلك، أشار متحدث بإسم البحرية الأميركية: “إن هذه تعد المرة الأولى منذ العام 2014 التي تقوم فيها سفن أميركية بتدريبات في بحر الصين الجنوبي” (حوالي 12000 بحَّار و90 طائرة)، حيث إستقدمت البحرية الأميركية العديد من القطع العسكرية في “إستعراض للقوة”، كما يتزامن ذلك مع التوترات المتزايدة بين الدولتين على خلفية إنتشار فيروس “كورونا”.

من خلال ذلك، ترى واشنطن بأن بكين تستغل الجائحة من أجل فرض مطالبها بالسيادة بحر الصين الجنوبي ومناطق أخرى، في وقت تؤكد فيه بكين أن تلك المناورات كانت “في نطاق سيادة الصين”.

دوافع خفية

إتهمت بكين واشنطن بأنها أرسلت سفنها الحربية عمداً إلى بحر الصين الجنوبي لإستعراض عضلاتها ومحاولة دق إسفين بين دول المنطقة، مشيرة إلى وجود “دوافع خفية” نشر حاملتي طائرات، وهو ما يعتبره العديد من المحللين بأنه أحدث إستعراض للقوة العسكرية بين الدولتين حتى الآن. إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية الصينية أن إرسال واشنطن “عمداً” عدداً كبيراً من قطعها الحربية يحمل دوافع لتقويض السلام والإستقرار في المنطقة، وجاء ذلك في وقت حذرت فيه وسائل إعلام محلية من أن بكين قادرة على تدمير حاملتي الطائرات الأميركيتين.

أخيراً، إن التوترات الأمريكية – الصينية مستمرة، ما أن تهدأ قليلاً حتى تتوتر من جديد، لكنها ساءت كثيراً في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي يريد “التربع” على عرش التجارة العالمية والإستحواذ على كل مصادر الطاقة ما أمكن. لكن ما يتخوف منه العديد من المتابعين هو أن أي صدام عسكرية مشترك في تلك المنطقة، ستعده الصين إستهدافهاً لأمنها القومي وستقوم بالرد مهما كانت النتائج. في حين أن واشنطن أيضاً بدأت بـ “التوجه شرقاً” ولكن على قياس مصالحها في تحجيم الصين وتطويقها. من هنا، يقع الخوف من تطور أي صدام أمني قد يقع بين الإثنين ويجر المنطقة بأكملها إلى صراع دموي.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: المستقبل ويب – إندبندنت عربية.

موضوع ذا صلة: ريا: إيجاد حلول للحرب التجارية الصينية – الأمريكية بات ضرورياً