شارك الخبر

يارا انبيعة

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي في مايو/أيار 2018، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض سلسلة من العقوبات على إيران كان أهمها تلك المتعلقة بحظر شراء النفط. غير أن واشنطن منحتـ في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ترخيصاً لثماني دول ولفترة ستة أشهر على أن تتوقف بعدها عن استيراد أي نفط، وهذه الدول هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان وإيطاليا، حيث انتهت المهلة مع نهاية يوم 2 مايو/أيار2019.

في هذا الوقت، أعلنت السلطات الإيرانية تراجع تجارتها الخارجية بنسبة 13.5%، وسط حديث متزايد عن ضرورة الإهتمام بتحصين الإقتصاد داخلياً، بالتزامن مع انتقادات متصاعدة لتأخير عمل القناة المالية الأوروبية لدعم التجارة مع طهران، مع نفي وجود اشتراطات اقتصادية إيرانية على الدول الأوروبية للبقاء في الإتفاق النووي.

يأتي ذلك بالتزامن مع جولة آسيوية يقوم بها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مطعمة بالمباحثات الإقتصادية والنفطية خصوصاً، شملت تركمانستان والهند واليابان، وصولاً إلى الصين.

إستسلام للقرارات

على الرغم من معارضتها للعقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس ترامب، أعلن مسؤول تركي أن بلاده توقفت بالكامل عن استيراد النفط الإيراني التزاماً منها بالعقوبات الأميركية حتى وإن كانت لا توافق عليها. وعلى هامش زيارة نائب وزير الخارجية التركي، ياوز سليم كيران إلى واشنطن، قال مسؤول في الوفد التركي “بصفتنا حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة فإننا نحترم العقوبات.”

من جهته، صرح السفير الهندي لدى الولايات المتحدة، بأن بلاده توقفت بالكامل عن استيراد النفط بعدما أنهت واشنطن الإعفاءات التي منحتها لكبار مستوردي الخام الإيراني، وذكر السفير هارش فاردهان شرينغلا أن نيودلهي أخذت في الإعتبار قلق الإدارة الأمريكية من استمرار إيران في تصدير نفطها، مشيراً إلى أن قرار وقف الإمدادات من إيران كان له ثمن باهظ بالنسبة للهند، فقد واجهت البلاد حاجة لإيجاد مصادر بديلة للطاقة، حيث تعتبر الهند ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، وأكبر مشتر للنفط الإيراني بعد الصين.

إرتفاع التخزين

كشفت بيانات ومصادر بالقطاع أن مخزونات النفط الإيرانية تزداد في البر والبحر بفعل العقوبات الأميركية على الصادرات، وجهود طهران المضنية للإبقاء على حقولها المتقادمة قيد التشغيل وعلى تدفق الخام، وفي ظل بنية تحتية ضعيفة وأسطول سفن متقادم بسبب عزلتها المتزايدة؛ بالتالي، فإن إيران ستحتاج إلى تخزين كميات النفط غير المباعة إلى أن تعثر على مشترين.

هنا، يبدو من الحيوي لطهران الإبقاء على النفط متدفقاً لأن أي تعطيل سيضر بأنشطتها في المستقبل بسبب التكاليف الباهظة والتعقيدات المرتبطة باستئناف الإنتاج. وأظهرت بيانات “كايروس”، وهي شركة ترصد التدفقات النفطية، أن المخزون البري في إيران بلغ 46.1 مليون برميل، من سعة إجمالية 73 مليون برميل، ليسجل أعلى مستوياته منذ منتصف يناير/ كانون الثاني. وتفيد بيانات الناقلات ومصادر بالقطاع أن صادرات إيران النفطية تراجعت، مايو/أيار 2019، إلى 500 ألف برميل يومياً أو أقل، وهو ما يزيد عن نصف المستوى المسجل، في أبريل/ نيسان 2019. كما تظهر بيانات من واقع تتبع نظام التعريف الآلي لمنصة معلومات الشحن البحري، “مارين ترافيك”، أن هناك 16 ناقلة إيرانية، تحمل نحو 20 مليون برميل، يجري استخدامها للتخزين العائم بعد أن ظلت ساكنة ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع. 10 من تلك الناقلات، تحمل نحو 11 مليون برميل، ظلت ساكنة لأربعة أسابيع، وبالمقارنة، كان هناك نحو 12 ناقلة تحمل ما لا يقل عن 13 مليون برميل من النفط في مارس/آذار 2019، ظلت ساكنة بين أسبوعين و4 أسابيع.

أما شركة “جيبسون”، لسمسرة السفن، فلديها تقدير يشير إلى أن هناك ثماني ناقلات إيرانية عملاقة، بمقدور كل منها حمل مليوني برميل، يجري استخدامها لتخزين النفط إضافة إلى سفينتين أخريين غير إيرانيتين. وقالت سفيتلانا لوباسيوفا، كبيرة محللي السوق في الشركة، إنه “بخلاف هذه السفن، هناك بالفعل في الفترة الأخيرة توجه متزايد بأن تغلق الناقلات الإيرانية أجهزة نظام التعريف الآلي على متنها، لكن، وفي هذه المرحلة لا نستطيع أن نقول بأي درجة من اليقين ما إذا كانت تلك الوحدات تقبع خاوية أم أنها تخزن أم تواصل التجارة.”

هذا وأشارت شركة التحليلات، “غلوبال داتا”، أن إيران كانت تعتزم استثمار حوالى 900 مليون دولار لزيادة السعة عن طريق مشاريع تخزين جديدة، بين العامين 2019 و2023؛ وبحسب تقديرات الشركة، تعتزم إيران زيادة طاقة التخزين من 69.1 مليون برميل، في العام 2019، إلى 79.9 مليون برميل، في العام 2023، بمعدل نمو سنوي بتقدير وسطي 3.6%.

أما المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فرزين نديمي، فقال “طاقة تخزين النفط الإيرانية محدودة حالياً وتتوسع فقط ببطء. في نهاية الأمر، هي معضلة عليهم أن يجدوا حلاً لها، توجد مشاريع بعضها طموح ويشمل مشاريع للتخزين تحت الماء لكن أياً منها لن يكون جاهزاً في الوقت المناسب.” وتابع نديمي “إيران تستخدم مرافق تخزين في الصين، وقد تحاول أيضاً استخدام مرافق تخزين في سلطنة عمان المجاورة على سبيل المثال، لكن، إذا استهدفت الولايات المتحدة مثل هذه الخيارات للتخزين الخارجي، فإنها ستخلق مشاكل خطيرة وستثير حنق إيران.”

غير أن المشكلة تكمن في سعي طهران إلى محاولة استئجار ناقلات من السوق العالمية لكونها ستقع في مصيدة العقوبات المتنامية، ونقص التأمين والتمويل حيث يرى العديد من المحللين أنه من المرجح أن تجد إيران صعوبة في مشاريع التوسع لأسباب منها قيود الميزانية، إضافة إلى أن شركات شحن قليلة سترغب في مخالفة القيود التي تفرضها واشنطن في ضوء المخاوف من غرامات باهظة أو العزل عن النظام المالي الأميركي.

صراع الحلفاء

في وقت تواجه إيران ضغوطات اقتصاديّة خانقة، تتوجه الأنظار إلى روسيا لمعرفة ما يمكنها تقديمه من مساعدات لتخفيف القيود عنها. لكن بغض النظر عن توفر تلك الإمكانات من عدمه، تظهر مؤشرات عدة أن الرغبة الروسية في مساعدة إيران قد تكون محدودة في الوقت الحالي. فحين هددت إيران ببدء تخفيض التزامها بالاتّفاق النووي، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن “روسيا ليست فريق إطفائيين”، مضيفاً “لا يمكننا أن ننقذ كل شيء، خصوصاً حين لا يكون الأمر مرتبطاً بنا بالكامل.”

وفي في الوقت نفسه، اتهم الناطق باسم إعلام الكرملين ديمتري بيسكوف، واشنطن بـ “استفزاز” إيران، مبدياً أسفه للقرارات التي تتخذها الأخيرة، لكنه بررها بكونها رداً على ضغط الولايات المتّحدة.

من هنا، لن تجد إيران في روسيا شريكاً فعالاً في هذا الإطار، بما أن الأخيرة تعتمد على تصدير النفط كمحرك أساسي لنمو اقتصادها، والأهم من ذلك أن النفط يشكل مصدر تنافس بين الطرفين خصوصاً في أوروبا. بناء على ذلك، يشرح الصحافي دان غلايزبروك، في موقع “ميدل إيست آي”، بأن أوروبا كانت تبحث عن بديل للنفط الروسي في الأسواق الإيرانية، لكن مع فرض العقوبات على طهران، ضمنت روسيا نفسها كمصدر أساسي لها، هذا من جهة.

من جهة ثانية ومع الإرتفاع المضبوط في أسعار النفط العالمية بسبب العقوبات وأيضاً بسبب إنهاء الإعفاءات، ستكون روسيا أول المستفيدين من ارتفاع الأسعار، فكل دولار إضافي في سعر برميل النفط العالمي يضيف 4 مليارات دولار إلى الإقتصاد سنوياً، حيث حققت موسكو، في العام 2018، فائضاً في موازنتها قارب الـ 3% من إنتاجها المحلي الإجمالي، وهو رقم يتحقق للمرة الأولى منذ سنة 2011، فكل ذلك سيؤدي إلى التخفيف من تداعيات العقوبات الغربية على روسيا نفسها.

لكل هذه الأسباب، يرى الكاتب السياسي دايفد أندلمان، في شبكة “سي أن أن”، أن موسكو هي “الفائز الأكبر” من سياسة الرئيس ترامب الإيرانيّة. أما الصين، أكبر شريك اقتصادي لإيران بإجمالي 37 مليار دولار، فهي أكثر المتضررين من فرض العقوبات خاصة وأنها تستورد منها أكثر من نصف مليون برميل نفط يومياً، إضافة إلى أن إيران تمثل سوقاً يتجاوز 80 مليون مستهلك، مما يجعل بكين، الباحثة عن أسواق جديدة لتصريف صادراتها الضخمة، غير مستعدة للتخلي عن مصالحها مع طهران بسهولة، وهو ما يفسر الموقف الصيني المعارض للعقوبات الأميركية، وتأكيد بكين أن علاقاتها بطهران “إستراتيجية”، لكن ليس واضحاً إلى أي مدى يمكن لـ “التنين” الصيني تحدي النسر” الأميركي.

طهران بين التنين والنسر؟!

تواجه الصين، المعروفة بطابعها المهادن، مخاطر اقتصادية عالية في حال تمسكها بشريكها الإستراتيجي، فتهديدات الرئيس ترامب جدية، في حين أن مصالح بكين مع واشنطن أكبر. فإن كانت الأولى مصنع العالم، فالثانية سوقه، فحجم المبادلات التجارية بينهما يصل الى نحو الـ 600 مليار دولار، قرابة 500 مليار دولار منها صادرات صينية إلى الولايات المتحدة.

من هنا، تبدو ضغوط واشنطن على بكين كبيرة، خاصة بعد فرضها رسوماً جمركية على الصادرات الصينية إلى أسواقها لتقليص الفجوة في الميزان التجاري. لكن الأخطر من ذلك هو “التحرش” الأمريكي بالشركات الصينية ذات الإنتشار العالمي، والتي يسهل فرض عقوبات عليها، على غرار شركة “هواوي” للاتصالات. ويظهر أثر الضغوط الأميركية على الشركات الصينية من خلال إعلان شركة الصين الوطنية للبترول، ومجمع “سينوبك” الناشط في القطاعين النفطي والمصرفي ومجالات أخرى، عن “تجميد الواردات النفطية من إيران وجميع العمليات هناك لفترة غير محددة”، وذلك في يناير/كانون الثاني 2018.

فالتنين الصيني، ورغم أنه يملك مصالح إستراتيجية مع إيران، إلا أن حسابات الربح والخسارة تجعله يعيد تقييم أولوياته، والبحث عن خيارات أخرى للإلتفاف على العقوبات الأميركية، خاصة وأن بكين تتميز بمرونة في الدفع من خلال مقايضة السلع أو استعمال العملات المحلية في المبادلات التجارية.

أخيراً، عند النظر إلى فارق القوة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الأخيرة تحاول الإعتماد على حلفائها الدوليين، كروسيا والصين، للإفلات من الحصار الإقتصادي الذي تحاول واشنطن فرضه عليها، في ظل عدم قدرة شركائها الأوروبيين على الإيفاء بالتزاماتهم معها في مواجهة التهديدات الأميركية خوفاً من أن تطال العقوبات لشركاتها في حال تعاملت مع إيران أو خالفت العقوبات المفروضة عليها. لذلك، يبدو من الواضح بأن إيران، مع الوقت، قد تضطر للرضوخ أما الإرادة الأمريكية والجلوس ثانية على طاولة المفاوضات للبحث في الإتفاق النووي مجدداً.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الشرق الأوسط – العربي الجديد – صحيفة الوسط البحرينية.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •