إعداد: مركز سيتا

تشير الكثير من المعلومات عن عمليات تعديل جينية لما يعرف بـ “الحمض النووي” – دي. إن.آيه للبشر، من أجل غايات طبية، كعلاج أمراض السرطان على سبيل المثال، وصولاً إلى تعديل يطال الجنس البشري نفسه، كظهور ولادات معدلة جينياً.

في الوقت الحالي، يبدو ذلك ممكناً في ضوء التقدم العلمي الكبير الذي وصلت إليه البشرية، يقابل ذلك إحتدام في النقاشات على الساحة الدولية حول مدى أخلاقية الجهود الرامية لتحسين الصفات والقدرات البشرية بإستخدام “التكنولوجيا الحيوية”.

ما هي التكنولوجيا الحيوية؟

هو مصطلح يعني إستخدام تطبيقات التقنية الحديثة في معالجة الكائنات الحية، ومن بين تلك الوسائل التعديل الجيني، أو ما يعرف بـ “الحبة الذكية” – وهي جهاز استشعار دقيق يمكن ابتلاعه لكي يتسنى من خلاله رصد المؤشرات الفسيولوجية المختلفة بداخل جسم المرء، وكذلك توصيل أجهزة إلكترونية مباشرة بمكان حدوث العارض المرضي، بما فيها الدماغ نفسه.

إضافة إلى ذلك، يمكن القول بأنها علم تطبيقي مهم يرتكز على دراسة الكائن الحي، ويشمل مجموعة هائلة من العلوم الحيوية مثل: الهندسة الوراثية، الكيمياء الحيوية، ميكروبيولوجيا، البيولوجيا الجزيئية وعلم المناعة، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من فروع الهندسة والمعلوماتية مثل البرمجة. أيضاً، التكنولوجيا الحيوية أو التقانة الحيوية أو ما يعرف أيضاً بالهندسة الوراثية والتي تعرف بأنها كل التطبيقات التكنولوجية التي تستخدم الكائنات الحية أو منتجاتها لإنتاج أو تعديل مختلف المواد من أجل خدمة الإنسان، وهي تكنولوجيا قائمة بالأساس على علم الأحياء.

إلا أن الإبتكار وتطور هذه التكنولوجيا قد زاد من حدة هذا النقاش دولياً، خاصة بعد ابتكار وسيلة تقنية جديدة لتعديل الصفات الوراثية يطلق عليها اسم “سي.آر.آي.إس.بي.آر – كاس 9″، والتي زادت من الإمكانيات المخيفة للعبث بالحمض النووي للإنسان، بهدف تحسين صفات مثل الذكاء واللياقة البدنية، والقدرة على ممارسة الرياضة بشكل جيد، بل وحتى الحس الأخلاقي وتطوره.

خوف ورفض

أظهرت نتائج عدد هائل من استطلاعات الرأي، التي جرت في دول غربية، عن وجود معارضة كبيرة للعديد لأنماط وأشكال تحسين القدرات البشرية بشكل مصطنع. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة أجراها مركز “بيو” للأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة، شملت 4726 أمريكياً، أن غالبية هؤلاء لا يريدون استخدام شرائح تزرع في المخ من أجل تقوية ذاكرتهم، كما تبين وجود رؤية شائعة لدى معظم من شملتهم الدراسة مفادها بأن تدخلات كهذه تعتبر غير مقبولة من الوجهة الأخلاقية.

كذلك، كشف استعراض أوسع لإستطلاعات الرأي عن وجود معارضة كبيرة في عدد من البلدان، مثل ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لإنتقاء الأجنة التي يتم اختيارها لكي تزرع في الأرحام، ليس على أساس حالتها الصحية، وإنما بناء على سمات مثل حسن المظهر والذكاء؛ بل تبين أن هؤلاء يبدون تأييداً أقل لعمليات التعديل الجيني التي تستهدف، على نحو مباشر، تحسين سمات بعينها لدى من يعرفون بـ “المواليد المُعدلين جينياً أو وراثياً”.

وما تجدر الإشارة إليه هنا، ان الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلنتون وبعد كشفه عن مسودة “الخريطة الجينية”، وصف الإكتشاف بأنه “أعظم خريطة أنتجها العقل البشري”، مشبهاً الحدث  بأهم الإكتشافات

العلمية، كإختراع العجلة وإكتشاف الطاقة الذرية. وفي مقابل ذلك، حذر الرئيس الأمريكي من المخاطر التي قد تترتب على امتلاك المعلومات الجينية التي توصل إليها الإكتشاف الجديد، حينها، قائلاً “علينا أن لا نغير معتقدنا الأساسي بأننا قد خلقنا سواسية”.

تحول كبير

في مقابل ذلك، برزت فكرة جديدة مثيرة للإهتمام تعتقد بأن أي تحول مدو في مجال “التحسين الوراثي” سينشأ من الصين على الأرجح، ولن يبزغ من دول غربية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهي الدول التي تعد مهداً للعديد من التقنيات الحديثة.

منذ العام 2015، أصبحت الصين أول دولة تجري تعديلات على جينات أجنة بشرية بإستخدام تقنية “سي.آر.آي.إس.بي.آر – كاس 9″، فلقد كانت الصين على طريق الصدارة للإستعانة بهذه التقنية لإجراء تعديلات جينية لا تمس “الخط الإنتاشي” لخلايا الأنسجة البشرية بهدف الإستفادة منها في علاج مرضى السرطان، مثالاً. وإذا كان المرء يرى أن تحسين القدرات البشرية عبر تلك الأساليب أمر مرغوب فيه بحق، فمن الأجدى حصول ترحيب بهذا التوجه. ومن هذا المنطلق أيضاً، يمكن اعتبار أن الحكومات الغربية تتردد بين إقدام وإحجام، وتبطئ بذلك وتيرة تحقيق تطور على طريق إحراز تقدم علمي، يمكن أن ينطوي على فوائد كبيرة للبشرية.

إن نجاح الصين في زيادة قدراتها التنافسية، سيشكل ضغطاً على الدول الغربية لتخفيف قيودها؛ وبالتالي، السماح للبشرية ككل بإحراز تقدم على طريق الإنتفاع من أسلوب “التحسين الوراثي”، ليصبح البشر أصحاء بشكل أكبر، وكذلك أكثر إنتاجية وقدرة بوجه عام.

في هذا الصدد، يقول الدكتور جيمي متزل، الخبير في علوم مستقبل التكنولوجيا، إن “الصين هي الدولة الأكثر جموحاً في تطبيق علوم الجينات في ميادين الأعمال، والتعليم، والدفاع. وهذه التقنيات الجديدة تتحرك بسرعات هائلة، وهي تتعرض للإنتهاكات في ظل ثقافة تحرك بسرعة واكسر الأشياء السائدة في الصين.”

ويضيف الدكتور متزل أن هذا الأمر قد يصبح حقيقة خاصة وأن الإستثمار الصيني الهائل في نظم الذكاء الصناعي يهدف التأسيس لدور قيادي لها في العلوم البيولوجية وفي التقنيات البيولوجية، إضافة إلى وضع جينوم عدد كبير من الأفراد في سجلات إلكترونية؛ كل ذلك سيتيح لبكين احتلال موقع “القطب” الرئيسي في جهود فك شفرات الجينوم البشري وتطوير ميدان الرعاية الصحية وقيادة الثورة في علوم الجينات.

من هنا، تنظر الحكومة الصينية إلى الكثير من التحديات بوصفها تحديات هندسية، كسياسة الابن الواحد، وسد الخوانق الثلاثة، والهندسة البيئية، والمدارس الأولمبية، وغيرها… فكلها أمثلة على ذلك. أما الهندسة الجينية فهي ليست سوى دمج للبيولوجيا مع الهندسة. وإيمان الصين بالهندسة يزيد من إمكانات سوء استخدام تقنيات الهندسة الجينية.

أخيراً، إن لب المشكلة تكمن في المناقشات الجارية حول الهندسة الجينية للإنسان، وإلى أي حد ستذهب البشرية إليه، من تغيير البيولوجيا الخاصة بها، أي البيولوجيا التي تولدت ضمن مسيرة التطور عبر العصور. فكل الدول، لا سيما الكبرى منها، تتطلع إلى تكوين مجتمع بشري يمتلك الكثير من الصفات التي تحتاجها من أجل الإبقاء على قوتها وتقدمها.

فإن كنا لا نزال نفكر، حتى الآن، بأخلاقية إنتاج محاصيل المعدلة جينياً، فعلينا أن نفكر في إشكاليات مستقبل الإنسان المعدل وراثياً. فهل يمكن أن تتغير توجهات العالم نحو هذا العلم؟ بحسب المؤشرات، يبدو أن مستقبل التحسين الوراثي هو بيد الصين.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الجزيرة –  سكاي نيوز عربية.