إعداد: مركز سيتا
إن هيمنة الصين غير المحدودة على تكنولوجيا الإتصالات حول العالم جعل الولايات المتحدة تتنبه لخطورة الموضوع، خاصة لجهة تأخرها في تطوير تقنية الجيل الخامس – G5 في الوقت الذي تسير فيه بكين بأقصى سرعتها لوضع هذه التكنولوجيا حول أنحاء العالم تحت سيطرتها من خلال تقديم تلك الخدمة للدول الأخرى بخصومات هائلة.، إضافة إلى أنظمة الأمن والدفع الصينية، التي قد تنتشر بسرعة فائقة في العديد من البلدان وتترجم لاحقاً إلى نفوذ اقتصادي – سياسي مستقبلاً يخرج عن السيطرة.
فخلال أكثر من عام، عقدت الصين والولايات المتحدة 11 جولة من المحادثات رفيعة المستوى، في محاولة لتسوية خلافاتهما التجارية، كانت واشنطن تتهم الجانب الصيني بالتراجع عن نقاط تم الإتفاق والتفاهم بشأنها، فيما رد بكين كان أن الوفد الأمريكي طرح خلال المفاوضات مطالب غير واقعية تنتهك سيادة الصين وكرامتها.
إعلان حرب
تقف بعض العقبات البيروقراطية في وجه بسط الولايات المتحدة لنفوذ ضمن تقنيات الجيل الخامس أمام الصين، ولكن تلك العقبات يجب أن يتم إزالتها أو تمهيدها بموافقة لجنة الإتصالات الفيدرالية، وتشجيعها على اتخاذ إجراء ضد الهيمنة الصينية.
من هنا، أصبح عملاق الإتصالات “هواوي” في قلب الحرب التجارية بين العملاقين الإقتصادين، لا سيما بعد قرار واشنطن منع شركات التكنولوجيا الأمريكية من بيع المكونات الإلكترونية للمجموعة الصينية، وقرار “غوغل” عدم تزويد “هواوي” بآخر تحديثات نظامها التشغيلي “أندرويد”. ضربة قاسية لثاني شركة مصنعة للهواتف الذكية في العالم، حيث رفعت شركة الإتصالات الصينية دعوى قضائية على الولايات المتحدة بعد تصنيف واشنطن لها على أنها تهديد للأمن القومي.
جاء ذلك بعد أن فرضت لجنة الإتصالات الفيدرالية الأمريكية قيوداً على مزودي خدمات الهاتف المحمول في المناطق الريفية، الذين يتقاضون أجوراً مقابل خدماتهم من صندوق حكومي قيمة 8.5 مليار دولار، تمنعهم من شراء معدات شركة “هواوي”، في وقت تعد فيه هذه الخطوة الأحدث ضمن سلسلة من التحديات بين الشركة والولايات المتحدة.
ومع قيام “هواوي” بدور رائد في مجالي تصنيع وبيع التكنولوجيا الرئيسية للبنية التحتية للجيل الخامس للإتصالات، تمارس واشنطن، في الوقت نفسه، ضغوطاً على الدول الأخرى كي لا تسمح للشركة بتجهيز البنية التحتية للجيل الخامس للإتصالات.
إرتياب أمريكي – أوروبي
قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في قمة الناتو التي عقدت في لندن العام 2019، إن القرار بشأن السماح أو عدم السماح لشركة “هواوي” بدور في بناء شبكات الجيل الخامس البريطانية سوف يعتمد على ضمان استمرار التعاون مع الولايات المتحدة بشأن تبادل المعلومات الإستخباراتية، وأضاف جونسون “فيما يخص شركة هواوي وتقنية الجيل الخامس، لا أريد أن يكون بلدي معادياً بشكل غير ضروري للإستثمارات القادمة من الخارج”، مشيراً إلى أنه “لا يمكننا التحيز والمحاباة فيما يخص أمننا القومي. كما لا يمكننا التحيز فيما يتعلق بقدرتنا على التعاون مع شركائنا الأمنيين الآخرين، وسيكون ذلك هو المعيار الرئيسي الذي يوجه قرارنا بشأن التعاون مع شركة هواوي.”
يأتي ذلك في وقت تعلل تعلل واشنطن فيه قلقها لجهة أن سوق الجيل الخامس قد يساعد بكين في سعيها لجمع المعلومات الخاصة بالمواطنين الغربيين والمنظمات والحكومات الغربية، إلى جانب أن الولايات المتحدة تتهيب من العلاقات الوطيدة التي تربط هواوي بالجيش الصيني.
تجاوزات أمنية
يقول بعض الخبراء الأمنيين إنه بإمكان شركات التكنولوجيا أن تستعيد سيطرتها على الأجهزة التي تنتجها بتضمين التطبيقات التي تستخدمها “أبواباً خلفية”، وهذه طريقة تستخدم لتجاوز الإجراءات الأمنية في حالات الطوارئ، ولكن في الظروف العادية، لا يعمد منتجو الأجهزة إلى ذلك لأنه من السهل الإستدلال على وجوده من قبل المستخدمين.
ونقلت شبكة “سي.أن.أن” عن جيمس لويس، الخبير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، قوله “نعرف أن الصينيين منخرطون في عملية تجسس كبرى ضد الولايات المتحدة. لذا علينا أن نسأل أنفسنا: هل نشعر بالإطمئنان لو سمحنا لهواوي بالسيطرة على أنظمة الهواتف المحيطة بأهم قواعدنا العسكرية؟!” في المقابل، وصف الخبراء الصينيين هذا الطرح بـ “المضحك” و”العبثي” إلى أقصى الحدود.
منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي، لم يتم التركيز على مسألة كموضوع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فالمسؤولون الأمنيون الأمريكيون ما لبثوا يضغطون على بريطانيا وألمانيا من أجل “تعزيز أمن سلسلة الإمداد” التي تستخدمها عند اعتماد تقنية الجيل الخامس. المقصود من هذا هو “إحترسوا من هواوي”. جاء ذلك بعدما أعلنت دول حليفة للولايات المتحدة أنها لن تسمح لهواوي بالمشاركة في شبكات الجيل الخامس التي تنشئه.
فبعد تهديد الولايات المتحدة بأنها ستخفض من مستوى التعاون المعلوماتي، قالت ألمانيا إنها تريد أن تضمن أن بنيتها التحتية في مجال الإتصالات تستوفي أعلى الشروط والمواصفات الأمنية، وقالت أولريكا ديمير، الناطقة بإسم الحكومة الألمانية، للصحفيين “لن أذكر لكم النقاشات التي نجريها، ولكننا على اتصال وثيق بشركائنا الإستخباريين ومنهم بطبيعة الحال الولايات المتحدة”.
أخيراً، تشير الأوضاع حول تقنية الجيل الخامس إلى تصاعد حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، إذ أنه من غير الواضح بعد إن كان البلدان سيتجنبان المزيد من التصعيد أم أن شيئاً ما قد يحدث وهو أسوأ بكثير، خاصة في ظل الظروف التي تعاني منها الصين حول تفشي وباء “كورونا”، وتراجع كبير في العائدات الإقتصادية جراء الحجر الصحي لعدد من المدن الصينية؛ وبالتالي، قد تعمد بكين على إنتهاء كبرى مشاكلها، ومن ثم الإنطلاق بقوة لتحافظ على مستواها الإقتصادي العالمي، الذي تسلق عليه أعدائها المحتملين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الإمارات اليوم – ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذو صلة: الحظر على “هواوي”: قرار سياسي أم إجراء إقتصادي؟