إن تسارع الأحداث في الأزمة الافغانية لصالح حركة “طالبان” أمر غاية في التعقيد والبساطة في آنٍ معاً، فكيف استطاعت الحركة السيطرة على البلاد المجهز بجيش كبير مدرب ويملك أسلحة متطورة، في حين أن الحركة قليلة العدد بالنسبة له إلى جانب استخدامها الأسلحة التقليدية؟ ما هي القطبة المخفية في هذا التحول اللا منطقي والمتسارع لأحداث الصراع الحالي؟
انهيار الشرعية
غادر الرئيس أشرف غني إلى طاجيكستان، فيما دخلت حركة “طالبان” إلى العاصمة كابل، مستفيدة من الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري الأميركي من البلاد، رغم أن “طالبان” كانت قد دعت الرئيس غني للبقاء والعمل معها، حيث قال المتحدث بإسم الحركة “ندعو الرئيس أشرف غني والقادة الأفغان للعمل معنا”.
سبق ذلك، تسارع في انهيار الجيش الأفغاني خلال الآونة الأخيرة، حيث طالبت حركة “طالبان” بتسليم العاصمة كابول سلمياً من أجل تفادي القتال، وبسرعة كبيرة تمكن مقاتلو الحركة من دخول القصر الرئاسي في العاصمة الأفغانية، حيث ألقى وزير الدفاع الأفغاني باللوم على الرئيس غني، في ظل ما يقع حالياً، قائلاً إنه “كبل أيدينا ثم لاذ بالفرار”، وكان المتحدث بإسم الحركة قد قال إن “الشرطة والمسؤولين في كابول لاذوا بالفرار، مما يمثل مشكلة أمام حفظ القانون والنظام”.
الموقف الدولي
في ظل التطورات الميدانية المتسارعة والمباغتة في أفغانستان، تواصل حركة “طالبان” زحفها للسيطرة على كل البلاد بعد انهيار المنظومة الشرعية وفرار الرئيس وقيادات الجيش الأفغاني، رجح مراقبون أن يبدأ المجتمع الدولي ملاحقة الأحداث، والكشف عن مواقفه تباعاً.
وقال المحلل السياسي الأفغاني، شريف هوتاك، أن المجتمع الدولي سيتعاطى ببراغماتية شديدة مع الأوضاع ولن تكون مواقفه على مسافة واحدة، إنما ستتباين وفقا للمصالح والأهداف الجيو – سياسية لكل طرف، وسوف يجري الاعتماد على قوى إقليمية ومحلية لإحداث توازن مع “طالبان” في أفغانستان، ومن بين هذه القوى باكستان وإيران وروسيا، إذ أن تسارع الأحداث كان مباغتاً للجميع أو بالأحرى كشف عن إخفاق التقديرات الأميركية، غير أن الرئيس الأفغاني الذي على ما يبدو لن يكتب فصل النهاية، حيث تشير التوقعات إلى أن تضم السلطة الانتقالية عناصر من حكومة الرئيس غني الأمر الذي سيجري بضغوطات عديدة ومتفاوتة لإحداث توازن مع عناصر الحركة، لكن التخوفات من حالة السيولة والانفلات، وتصاعد الأوضاع لحرب أهلية.
وقبل سفر الرئيس غني كان قد أجرى محادثات مع الدبلوماسي الأميركي زلماي خليل زاد وعدد من كبار مسؤولي الناتو، بالتزامن مع دخول عدد من عناصر الحركة غلى العاصمة، وفي ما يبدو أن لا نية للاعتراف أو التعاطي مع الحركة ومنحها للشرعية؛ بالتالي، من الممكن أن تتشكل حملة ضغط دولية للوقوف أمام إعلان حركة “طالبان” استيلاءها على السلطة، ومحاولة الضغط عليها، إذ قال الأمين العام لحلف الناتو قال إن المجتمع الدولي لن يعترف بأي سلطة شرعية على رأسها “طالبان”.
أيضاً، يرى بعض المحللين بأن الولايات المتحدة لن تترك “طالبان” لقمة سائغة للصين وروسيا، وستعتمد على باكستان في التعامل مع الحركة لضبط بوصلتها، ثم على المدى المتوسط والبعيد سيكون هناك استقطاب للنظام القادم في افغانستان نحو أوروبا والغرب، وعليه الاعترافات ستكون بالتدريج اعتماداً على تصرفات الحركة وتعاونها مع المجتمع الدولي، ومن هنا تنجح الاستراتيجية الأميركية في الانسحاب لمقارعة الصين على حساب الإقليم.
من جهته، أعلن السفير الروسي في أفغانستان، ديمتري جيرنوف، أنه يتواصل مع الحركة وسيلتقيها منسقهم للشؤون الأمنية وذلك لمناقشة المسائل المرتبطة بأمن السفارة الروسية في كابل – خصوصاً – في حيث تعتمد مسألة الإعتراف بحكم الحركة من عدمه على “سلوكيات النظام الجديد” حيث “سنراقب عن كثب إلى أي مدى سيكون نهجهم لإدارة البلد مسؤولاً (…) وستستخلص السلطات الروسية من ذلك الاستنتاجات اللازمة”.
بالنسبة إلى بكين، أبدت الصين – التي تتشارك حدوداً مع أفغانستان تمتدّ على 76 كلم – استعدادها لإقامة “علاقات ودية” مع الحركة، وأكدت متحدثة بإسم وزارة الخارجية الصينية، هوا شونيينغ، أمام الصحافة أن بكين “تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله”.
في مقابل ذلك كله، أعلنت الحركة أنها نرفض تشكيل أية حكومة انتقالية في البلاد، حيث نقلت العديد من لمصادر عنها القول إنه “لن يكون هناك أية حكومة انتقالية” في أفغانستان وأن الحركة تتوقع تسليمها الحكم بالكامل، حيث سيتم تشكيل “مجلس جديد” لإدارة البلاد يضم الرئيس السابق حاكم كرزاي ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية عبد الله عبد الله، ومن المتوقع أن يسلم هذا المجلس السلطة لـ “طالبان” في وقت لاحق.
حماية المطار
بينما تتجه الحركة إلى تعزيز سيطرتها على العاصمة كابول، صرح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بأن “مطار كابول يجب أن يبقى مفتوحاً، لمغادرة البعثات الدبلوماسية الأجنبية ومنظمات الأمم المتحدة من أفغانستان”. جاء ذلك في وقت شكك مراقبون في إمكانية وقدرة قوات الحماية التركية لمطار كابول الدولي المدني، على الحفاظ على أمن المطار وإبقائه قيد التشغيل، بعتاد عادي وعسكريين لا يتجاوز عددهم بضع مئات من المقاتلين وأفراد الشرطة، في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من العاصمة كابل، ويستسلم أكثر من 250 ألف مقاتل من الجيش الأفغاني أمام هجمات “طالبان”.
وبالرغم من الاعتراضات المحلية ومن أغلبية قادة الجيش، فإن الرئيس التركي، رجي طيب أردوغان، أصر على القبول بـ “العرض” الأميركي ليكون بمثابة صلة وصل مع الإدارة الأميركية، التي وجهت انتقادات لاذعة له ولحكومته، لسلوكياتهم في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتدخل في شؤون الدول الأخرى؛ وبينما كانت الجهات التركية والأميركية تخوض جولات من التفاوض الفني بشأن حماية المطار وإدارته من القوات التركية، كانت حركة “طالبان” تعلن رفضها لتلك المهمة، معلنة أنها ستعتبر القوات التركية في أية منطقة من أفغانستان بمثابة “قوات احتلال”، وكان لافتاً أن الوفود السياسية التي أرسلتها الحركة إلى مختلف الدول الإقليمية، لم تقم بزيارة تركيا.
هنا، يقف الرئيس التركي أمام خيارين؛ الأول، إما الإبقاء على قواته في المطار والتعرض لهجوم من طالبان نهايته معروفة. والثاني، الانسحاب وخسارة “الرضى” الأمريكي عنه. لكن في الحالتين، هذه مغامرة قد يكون ثمنها مستقبل الرئيس أردوغان السياسي ككل.
أخيراً، ثمة أمور يدركها المتابع مباشرةً حيال تسارع الأحداث الكبير وسيطرة “طالبان” على البلاد في زمن قياسي، خاصة وأن سبب التواجد الأمريكي في أفغانستان كان محاربة الإرهاب و”الجهاديين”، فالمفاوضات الأخيرة في العاصمة القطرية – الدوحة، التي انتهت بانسحاب القوات الأمريكية مطلع سبتمبر/أيلول 2021 لم يكن من بينها سيطرة الحركة على البلاد وبدء المعارك لولا أن واشنطن تملك مخططاً ما، وإلا كانت ذريعة بقائها جاهزة ولا تحتاج إلى تخطيط، حيث يخمّن بعض المراقبين أن ثمة “اتفاق سري” يقضي بحدوث كل هذه التطورات، بمساعدة كل من تركيا وقطر، ودليلهم على ذلك أن عدم تعرض مقاتلي الحركة لحامية المطار المدني من الأتراك قد يكون أحد الدلائل على وجود اتفاق خفي سيشكل معالم الوضع الجديد في آسيا الوسطى.
من هنا، يمكن القول بأن واشنطن – بعدما استطاعت أن تسيطر على طرق التجارة البحرية ووضعها تحت سيطرتها وهو ما يهدد الشريان الاقتصادي الحيوي لبكين بكين – تريد اليوم إحداث “بلبلة” على خطوط التجارة البرية ومنها “طريق الحرير” – الذي يصل من الصين إلى وسط آسيا والعالم، كما أن الاتفاق على اطلاق يد “طالبان” في هذه المنطقة الجيو – سياسية الحساسة قد يكون مفتاحاً مستقبلياً للفوضى والنزاعات تحديداً بين “الإسلام السياسي” وتلك دول المنطقة، لا سيما الصين عبر تحريض الإيغور على بكين أو روسيا التي تضم في إتحادها دولاً إسلامية ولها تاريخ أسود في مواجهة الحركات “الجهادية” عموماً، والحرب على أفغانستان نهاية السبعينات خصوصاً، وهو ما يهدد أمن “منظمة شنغهاي للتعاون” في صميمها.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: إندبندنت عربية – الحرة.
موضوع ذا صلة: لماذا بكّر بايدن موعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان؟