في ظل التصريحات والانتقادات الكبيرة التي يوجهها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى الادارة الاميركية من فترة الى اخرى، وفي ظل اتخاذ الكثير من القرارات “السيادية”، مثل الاتفاق على صفقات “إس.400” من روسيا لأنقرة العضو المهم والفاعل في حلف الناتو، ومع تعزيز التواجد العسكري في سوريا، يأتي التساؤل هنا الى ماهية وابعاد هذه التصريحات خصوصاً بأنها تتقاطع مع وقائع مهمة تجعل التساؤل يثور حول المدى الاستراتيجي للعلاقات التركية – الاميركية، وكيفية التعامل مع الملف السوري في المرحلة المقبلة.

العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة

في هذا الشأن، اجرى مركز “سيتا” لقاء مع إسلام أوزكان، الكاتب والمحلل السياسي التركي، الذي يرى بأن “التقارب الروسي – التركي قد بدأ يحل تدريجياً مكان التقارب الأمريكي – التركي، فعلاقات تركيا مع روسيا لم تكن سيئة، بالرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، وأنقرة ترغب بالعودة مجدداً لهذه الفترة من العلاقات خصوصاً بأنها تتطور يوماً بعد يوم، لكنها لم تصل بعد الى الحلف الاستراتيجي فالأمر يتطلب وقتاً اكثر. الى ذلك، تعتبر الأمور اليوم معقدة أكثر بين أنقرة وواشنطن كون مصالح الأخيرة في سوريا والعراق تتضارب وتتعارض مع مصالح تركيا، ولقد سبب لها ذلك ضرراً كبيراً، إذ لا يمكن عودة العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة على ما كانت عليه على الأقل في المدى المنظور. هناك مشاكل أكثر مما سبق كعدم الاطمئنان والرضا، وهو ما يجب بعين الاعتبار خصوصاً عندما سمع الجميع تصريحات أردوغان فيما يتعلق بداعش والانتقادات التي قالها ضد أمريكا بهذا الشأن.”
ورأى أوزكان أن “تصريحات أردوغان سوف تتشدّد اكثر فأكثر لأن بسبب التوتر بين تركيا والدول الغربية بشكل عام، وخير مثال على ذلك الحدث الذي حصل في مناورات حلف شمال الأطلسي، عندما قام جنود من الجيش النروجي بوضع صور للزعيم “أتاتورك” واردوغان كأهداف للرماية. مع مرور الوقت، ستواجه تركيا مشاكل أكثر مع دول الغرب، حيث ترى الاخيرة بأن في تركيا مشاكل كبيرة اهمها ما يتعلق بمسألة الحريات وحقوق الصحافيين والمفكرين والمثقفين والاعتقالات، إضافة الى الإقالات التي حدثت في صفوف الموظفين الرسميين.”
في المقابل، يرى الكاتب أوزكان بأن التقارب في العلاقات الروسية – التركية “ليس 100%، فتركيا لا تريد إساءة علاقاتها مع الدول الغربية. في المحصلة، تريد تركيا إقامة علاقات مع جميع الأطراف.”
ويضيف أوزكان بأن “تركيا تريد أن تكون أكثر تقرّباً من الولايات المتحدة وأن تستمر هذه العلاقات كالسابق، إلا انّ العالم تغيّر كثيراً، ولم يعد يشبه عالم الثمانينات والتسعينات. المواقف تغيرت جداً، وهناك أخطاء إرتكبت في القضية السورية، وتركيا أخطأت في كثير من المواقف. نتيجة ذلك، تعاني أنقرة اليوم من مشاكل كبيرة جداً بسبب مواقفها الخاطئة.”

التواجد التركي في الشمال السوري

اما عن التواجد العسكري التركي في الشمال السوري، يقول أوزكان بأن “كل السياسات التي تتبعها وتنتهجها الحكومة التركية في الشمال السوري هدفها القضاء على قوات وحدات حماية الشعب الكردية، وعدم السماح لها بالتواجد شمال سوريا، أو إقامة دولة كردية أو حكم ذاتي، فهذه هي الاستراتيجية الأولية للحكومة التركية في تلك المنطقة، هذا اولاً. ثانياً، تريد تركيا فرض سيطرتها وتثبيت نفوذها في الشمال السوري، وبسبب ذلك هناك تغير بالموقف التركي الحالي، فقد تراجعت وتخلّت عن معظم مطالبها بشأن سوريا وعلى رأسها إبعاد الرئيس السوري عن الحكم. فأنقرة حالياً تعتبر أن الموقف السوري هو أقرب إلى الموقف التركي، خصوصاً في الآونة الأخيرة، لذلك قد تتحول تركيا بالنسبة لسوريا كحليف عادي.”
وعن الموقف الايراني من هذا الملف، لفت أوزكان إلى أنّ “موقف ايران قريب من موقف تركيا بما يتعلق بحزب الاتحاد الديمقراطي. فالدولتان لا تريدان حكماً ذاتياً ولا استقلالية ولا أي كيان منفصل عن السلطة المركزية السورية والذي قد يتحول إلى كيان سياسي مستقل عن السلطة المركزية في سوريا مستقبلاً.”

الحوار السوري – السوري في سوتشي

وحول الاجتماع الثاني حول الحوار السوري – السوري المقرر في سوتشي، أشار أوزكان بأن “هناك توافق بشكل عام بنسبة 90% على قضايا والمسائل، إذ نجد توافق بين الأطراف ولكن التحفظ الكبير لدى تركيا يقع على مسألة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية، فتركيا تريد ضمانات حول هذا الموضوع من الطرف الروسي، غير أن روسيا لا تريد خسارة الطرف الكردي في الشمال السوري، معتبرا أن هذه هي المشكلة بين الطرفين، إذ ان تركيا تضغط بكل قوتها على روسيا من أجل سحب دعم بوتين للأكراد.”

مصدر الصور: دي دبليو